;

عندما يصبح الهاتف شركاً ممتلئاً بالضحايا 785

2009-06-15 05:00:11

منيف الهلالي

 استوقفتني قضية غريبة جداً، أقتنع بأن ما ينشر في صحف الحوادث ليس من صنع الخيال وإنما فيه من الحقيقة الكثير.

لقد ذهبت لزيارة أحد أصدقائي المقيم في أحد الفنادق بأمانة العاصمة، وعندما وصلت إلى الغرفة التي يقيم فيها ووجدت إلى جواره أحد أقربائه وهم مخزنون، فصافحتهم وجلست، وبينما نحن نتجاذب أطراف الحديث إذ بصوت الباب يعلن عن زائر قادم، ذهب صديقي لفتح الباب فإذا بثلاثة من رجال البحث الجنائي، ودون أي مقدمات اتجهوا نحو قريب صديقي وألقوا القبض عليه، تلكأ بكلمات لم أفهمها غير أنهم لم يسمحوا له بالنقاش، لم تكن لديه وسيلة سوى الانصياع والذهاب معهم ، صديقي بدوره حاول الحديث مع رجال البحث بطريقة هادئة مطالباً الجميع بعدم إصدار أي فوضى ، حتى لا يسبب له ذلك إحراجاً عند إدارة الفندق، أنا ما زلت صامتاً ، لم أستوعب ما يحدث من حولي، عيناي تبحثان في المكان عن بصيص عله يدلني على تفاصيل القصة.. لكني ما زلت ألتهم أغصان القات وفضولي الذي طالما جاهدت نفسي للتخلص منه، لقد استوطن في أعماقي وصار يتلوى كثعبان يخشى الهلاك.

نهضت من مكاني مسرعاً وأخذت أحد رجال البحث جانباً وقبل أن أساله .. كان قد أجابني بعد أن قرأ سؤالي المبعثر على مسافة من القيد "هذا متهم باختطاف فتاة"!!

آلمتني العبارة التي سمعتها ووجدت رأسي يتجه صوب الخوف ومعه عيناي اللتان تترصدان ثمة من يراني.

في تلك اللحظة انتصب أمامي المثل القائل" من قار الكير يحرق وإلا امتلئ من غباره".

كان خوفي أن أرى صديقي الذي تربطني به علاقة وطيدة يمتهن حراسة النزوات، ولكني تمسكت بجار حسن النية وحمّلت الأحداث على المحمل الحسن ، عدت إلى مكاني حيث "المدكى" والزنبيل الخالي إلا من بقايا الدهشة.

هي لحظات حتى عاد صديقي واجم الوجه يجره الحزن والأسى.. وقبل أن ترتد إليه أنفاسه حاصرته بأسئلتي المشبعة بالفضول..

ما الأمر؟ ، ماذا حصل؟ ، أي اختطاف هذا الذي تتحدثون عنه؟ فأجابني بصوت متحشرج تغلفه الأنفاس المتهالكة: "ليس هناك اختطاف بل بلطجة"، تركته حتى استعاد أنفاسه من بين ثنايا الغضب، وطلبت منه أن يشرح لي هذه الدراما المجنونة.

فاسترسل ينثر روايته المدثرة بالألم ، كما فهمها من ضباط البحث ومن قريبه قبل أن يخرسه القادم المجهول قائلاً:أثناء قيام ضباط من البحث الجنائي بتنفيذ حملة تحري وملاحقة الفتيات المطلوبات على ذمة قضايا متعددة، عثروا على أحدى الفتيات في فرزة الحديدة، وعندما لم تكن تحمل بطاقة شخصية تم إلقاء القبض عليها ، وأثناء التحقيق معها اعترفت بأنها تركت منزل والدها، بعد أن قررت التحرر من العبودية والتحليق في فضاء الحرية المطلقة ، كان رجال البحث قد أخذوا هاتفها الجوال وأثناء تصفح المكالمات عثروا على رقم قريبي ورقم أسرة الفتاة ، فقاموا بالاتصال وإبلاغ أقاربها، فحضر والدها إلى البحث الجنائي، وهناك تجاهل ابنته الموجودة وقام بالإبلاغ عن الأخرى المفقودة منذ فترة طويلة "كما يقول" حينها تحرك رجال البحث الجنائي وتم إلقاء القبض على قريبي بالطريقة التي شاهدتها.

بالتأكيد فإن نزوة عابرة في مكالمة هاتفية تسببت في إلقاء القبض على بطل هذه القصة العجيبة، وقذفت به خلف القضبان، ليقضي ردهة من الزمن لا نعلم كم تكون، عقاباً على أخطاء ارتكبها غيره، ممن يرتدون عباءة الأبوة ويتعرون منها تمشياً مع الظروف المناخية التي تسود جيوبهم.

لا أعلم من المسؤول عن أسواق المتعة السمعية التي أدمنها شبابنا اليوم وأبدعت بعض الفتيات المنحلات أخلاقياً بتسويقها؟!.

فكم يؤلمني عندما أشاهد بعض المراهقين متكئاً على معاناة أسرته،وهو يبعثر مصروفهم اليومي في مكالمة هاتفية طويلة المدى مع واحدة من بائعات الهوى، تم التعرف عليها للتو بعد اقتناص رقم هاتفها من سماء العهر السمعي الملبدة بغيوم الخطيئة، غارقاً في مستنقع الضياع كل ما أصابت يديه مالاً كانت قد ادخرته أمه لسد رمق العيش الذي تعانيه أسرته المتهالكة بفعل الظروف الاقتصادية البائسة.

ولكم يؤلمني أكثر عندما أرى مراهقاً يسبح في دمع عينيه المسكوب أثر قصة عاطفية عنيفة المشاعر، طرفها الآخر فتاة لا يعرف عنها سوى رقم هاتفها.. أغدق عليها بسيل من "الوحدات" وأفسد أذنيها بوابل من الكلمات الرومانسية بعد أن أجهد نفسه في البحث عنها في كتب الغرام ومواقع الحب والهيام، وتبعثرت أنفاسه صافاً تلك الكلمات والجمل، حتى إذا ما جفت ينابيع "وحداته" ومرت العشيقة بالقرب من نهل دونه العاشق المستهام آثرت النهل على العاشق وجعلته يكفن عواطفه الطائشة بيديه، وهو يرمق تناسل الجثث في ظل الإخصاب العاطفي الكاذب.

اعتقد أن في الأفق عاصفة تهدد بتدمير ما تبقى لدينا من أخلاق قيمة في مجتمعنا الموسوم جزافاً بالمحافظ، لذلك يجب أن تكون هناك لفتة من قيادتنا السياسية لمعالجة قضايا الشباب والبحث عن حلول للبطالة التي توشك أن تقضي على مستقبلهم وتجرف أحلامهم إلى هاوية الضياع.. أتمنى أن أكون منصفاً في طرحي حتى لا أجدني أمام ذلك الارتطام المدوي بالتحيز.<

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد