د. فايز صلاح أبو شمالة
بعيداً عما قاله "نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي من على منبر جامعة "بار إيلان" ، فقد نجح الرجل في أن يفرض نفسه نداً للرئيس الأمريكي الذي ألقى خطابه من على منبر جامعة القاهرة، فقامة إسرائيل في المنطقة ليس بأقل من قامة أمريكا، ومثلما لعبت الدعاية الأمريكية دوراً مهماً في تهيئة وإعداد الرأي العام ولا سيما الرأي العام العربي لما سيقوله "أوباما"، فإن وسائل الإعلام ذاتها، والدعاية الإسرائيلية استطاعت أن تهيئ الرأي العام العالمي والعربي ليلتقط بجوع، ونهم شديد ما سيقوله الزعيم اليهودي المتطرف، ولما سيقدمه من مواقف سياسية، أو سيقدم عليه من خطوات سيكون لها بالغ الأثر على حياة شعوب المنطقة.
لقد انْشَدَّ العالم وتابع ما قاله الزعيم اليهودي المتطرف "نتنياهو"، مثلما تلهف لمعرفة ما قاله "أوباما"، وبهذا نجحت إسرائيل في رسم صورتها القوية المسيطرة في عقول كل تلك الجماهير التي ترقبت، وتابعت خطاب "نتنياهو". فأي مفخرة إسرائيلية هذه، وأي مكانة، وأي خطوات تطبيع تتسلل إلى الوجدان العربي؟
سيظل التطبيع مع العالم العربي من أهم القضايا التي تثير شهية الإسرائيليين، وكي يكون التطبيع منهجياً، ومنطقياً لا بد أن يسبقه خطاب إعلامي يوحي بالتطبيع، ويهيئ له، وقد نجح "نتنياهو" في توجيه خطابه، وفي إيصال أفكاره إلى العالم العربي، والإسلامي، بما في ذلك الإصرار على ربط الخطوات الإسرائيلية في التقدم باتجاه عملية السلام بتقدم العرب والمسلمين خطوات مماثلة من إسرائيل رغم أنها ما زالت تسيطر على الأرض الفلسطينية، وما زالت تتحكم في أنفاس الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
ولما كان التطبيع مع الدول العربية والإسلامية من أهم تطلعات رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" للمرحلة القادمة، وللاعتراف بخريطة الطريق ضمن الأربعة عشر تحفظاً إسرائيلياً، فإن من الأولى أن يشرف على التفاوض مع الإسرائيليين ممثلون عن كل تلك الدول المطلوب منها تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما دام المطلوب منها أن تصير جزءاً مهماً، ومباشراً من العملية السياسية، ومن حقها أن تكون مرجعية المفاوض الفلسطيني، وتبدأ عملها بالتساؤل عن مصير الاتفاقات السابقة الموقعة مع إسرائيل؛ ما هو سري منها، وما هو علني، ولماذا لم تنفذ بنود ما سبق توقيعه من اتفاقيات حتى الآن؟.
إن إشراف الدول العربية والإسلامية على المفاوضات لن يرضي إسرائيل ولا سيما أنها انتصرت في معركة الفصل بين الأمة العربية والإسلامية وبين القضية الفلسطينية، واستطاعت أن تحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى نزاع فلسطيني إسرائيلي، يغلق فيه المفاوض الإسرائيلي الأبواب على المفاوض الفلسطيني الذي فقد مقومات الضغط والتأثير على طاولة المفاوضات، وصار يستقبل ولا يرسل.
كان لاختيار "نتنياهو" قاعة "بيجن- السادات" مكاناً لتوجيه خطابه إلى العالم العربي والإسلامي إشارة إلى أن السلام الذي سيقبل به "نتنياهو" لن يكون أقل درجة من السلام الذي حققه زعيمه "مناحيم بيجن" مع جمهورية مصر، سلام يضمن انكسار التردد بالاعتراف بالدولة اليهودية كما تريد أن يتعرف عليها الآخرون.<