فارس محمد الصليحي
من المعروف أن لكل مجتمع ثقافة وعادات وتقاليد وطباع إما حسنة أو قبيحة وإما إيجابية أو سلبية وهو أمام خيارات إما أن يحصل توازن بينهما وإما أن تتفاقم الأمور والأوضاع فتطغي أحدهما على الأخرى ويلطف الباري من العواقب.
البعض في مجتمعنا اليمني بكل أسف يأتي بثقافة المصلحة الشخصية والبزنس مخيمة على كثير من الساسة و المثقفين وصناع الرأي والقرار إلا من رحم ربي.
والعوام والبسطاء من الناس لديهم ثقافة أخرى منها نافق لتعيش واسرق وأفسد يقال عنك "مدير حالي وشخص أحمر عين" بينما لو كنت خلاف ذلك وطنياً ونزيهاً ولو بعض الشيء قيل عنك أهبل وأخبل وبن مرملة وما ينفع ولا يصلح يكون مسؤول حينها ما عليك إلا الرجوع لقول القائل قديماً :
وفي هذه الدنيا أمور عجائب
يعز بها نذل ويشقى بها حرُّ
فكم من خسيس الأصل زينه الغنى
وكم من عزيز الأصل دنسه الفقرُ
وما كنت راض من زماني بما أرى
ولكنني راض بما حكم الدهرُ
فإن كانت الأيام خانت عهودنا
فإني بها راضي ولكنها قهرُ
القول شيء والفعل شيء آخر أما أن تصبح المزحة قصة لها بداية ونهاية فأمر في غاية الغرابة والعجب ؟ أما البداية فكانت من المدرسة مع زميلا الابتدائية وحتى التخرج الجامعي تخرجا وتوظفا وصدرت بهاما فتوى الخدمة المدنية في سنة واحدة ويوم وتاريخ واحد أحدهما صاحب "تقرير جيد" والآخر "امتياز"صاحبنا الجيد صاحبه الحظ وعين مدير إدارة ثم مدير عام ثم بقدرة قادر كريم عين وزيراً ؟؟ أما الممتاز كان قدره بخلاف ذلك وتوقف عن منصب مديراً للمخازن والمشتريات وضل على ذلك الحال في حين زميل الدراسة أصبح من العيب أن يناديه باسمه كصديق قديم كان أشد عليه من أخيه من أبيه وأمه وصار واجباً عليه مخاطبته بصاحب المعالي، أتت الأقدار أن تجتمعان زوجتا الصديقين وعقب المساء عادت زوجة الممتاز معاتبة لزوجها وتشد على يديه أن يسعى جاهداً ليصبح كزميله الجيد"صاحب المعالي" وأبتدى المشوار بأن يستفيد من الأسباب والسبل التي فعلها الزميل الجيد.
وكونهم عادة أصحاب المعالي مشغولين على مدار الساعة شاءت الصدفة والحظ أن يلتقي "الجيد مع المتتاز" ليبدأ بينهما الحوار بكيف ولماذا وما السبب؟؟ وصلت لهذا المنصب فيرد صاحب المعالي بسخرية لزميله أتريد أن تقع مثلي قيل له نعم فرد بسخرية كبرى "أصح مبكراً يا خبير" أخذ الزميل الممتاز هذه النصيحة بحب وشغف وأخذها بعين الاعتقاد ثم غادر بفرح وابتهاج وسرور لا تقدر بثمن وذهبت عنه خيبة الأمل وحاول نسيان الماضي المرير وشعر وكأنه مولوداً جديداً مصفى من كل نوائب الدهر ومكدرات الزمن وما أن وصل إلى رفيقه دربه حتى يبشرها بالنصيحة مع الجزم والاعتقاد أنها ستغير مجرى حياته نحو "مستقبل أفضل" وسرعان ما بادلته زوجته نفس الشعور والتصديق الخالص النقي مؤكدة عليه أن يعض عليها بالنواجذ وفعلاً أصبح منذ اليوم التالي مبكراً على أصوات الديكه وزغاريد العصافير ليكون أول داخل الوزارة واستمر على هذا الحال لمدة شهور دون اكتراث أو يئس أو خذلان ونهاية كل شهر تصعد صورته واسمه على لوحة الوزارة كأول مدير إدارة مثالي في العمل والانضباط ومع مرور الأيام وكعادته في التبكير وصل للوزارة وقبل أن يصعد لمكتبه أنتابه الفضول أن يقوم بزيارة للمخازن وفور وصوله فوجئ بأن ثمة شخصان بالمخازن "مدبرين حالهم"؟ من المعروف أن السارق عادة يكون ذليلاً لكنه حصل خلاف ذلك فالشخصان انهالا على صاحبنا الممتاز بالضرب والتهديد وتركاه أمام خيارين إما أن يدبر حاله معهما أو يتهم أنه سارق؟ فلم يكن أمامه سوى إختيار الأخيرة والتسليم والانقياد معهما والرضا بتدبير الحال وما هي إلا أيام حتى حصل على سيارة فاخرة ثم شهور وحصل على عمارة تلا ذلك رصيد بنكي للمستقبل واكتفى حينها بمنصبه المذكور كمدير إدارة وأصبح في نعيم وعيش رغيد ما يماثله كصاحب معالي. .
زوجة الممتاز ضلت ذاكرة لجميع النصيحة التي غيرت مجرى حياة زوجها دون أن تدرك أنها كانت مجرد مزحة واستهتار عابر وأرادت رد الجميل وأصرت على زوجها أن يأخذ هدية ثمينة إلى صاحب المعالي الناصح الأمين وفعلاً أخذت هدية ثمينة لا نعلم أسمها ولونها ونوعها سوى أنها ثمينة ووصل صاحبنا المممتاز لمكتب صاحب المعالي وقبل دخوله على الوزير أقترح عليه مدير المكتب أن يضع عنده الهدية حتى يأذن لها صاحب المعالي بالدخول وعند مقابلة الوزير أقبل عليه بشغف وحب عميق نابع من القلب إلى القلب مقبلاً أياه برأسه وعمامته وكتفيه "منزل منزل منزل". . وحينما سئل عن حاله رد عليه بعبارات الشكر والامتنان ، مثمناً الحال الذي وصل إليه بعد نصيحه معاليه ثم أخبره أنه يحمل له هدية ثمينه كمبادرة أولى لتوطيد العلاقات الأخوية القديمة والعلاقات الأقتصادية الحديثة ثم خرج الممتاز ليأتي بالهدية لكنه مع الأسف فوجئ بعدم وجود مدير المكتب ولا أثر للهدية بحث بعدها في المكتب قلب الكراسي والأدراج لكنه في الأخير يئس ودخل على صاحب المعالي كسيف الحال ناكس الرأس عاطل اليدين قائلاً لصاحب المعالي الظاهر يا سيدي أن الكل "يصحون مبكرين".