حسن محمد القاضي
الجميع -بلا شك- يعرف المثل المشهور أو المقولة المعروفة: " المستحيلات عند العرب ثلاث: الغول والعنقاء والخلُّ الوفي"، وهي مقولة كثيراً ما تتردد على الألسنة، خاصة في مواقف يعتقد البعض وجود تشابه بينها وبين المعنى الذي تشير إليه المقولة..
ويبدو أن هذا المثل قد حافظ على وحدته وتماسكه زمناً طويلاً دون أن يطرأ عليه أيُّ تغيير سواء في المبنى أو المعنى على الرغم من كثرة محترفي التزوير واختصاصيي التحوير والتشويه، وهو ما يوحي بالصلابة والقوة التي عليها هذا المثل ومدى التماسك الذي يتمتع به، ولو أنه يعي فلابدّ من أنه فخورٌ جداً ببقائه كل هذا الوقت من الزمان على صورته الأولى..
ولكن.. يبدو أنه لم يعد يستطيع الحفاظ على ذلك طويلاً، ففي لحظةٍ ما لاحظ الكثيرون - بعد أن جازف هذا المثل بمجيئه سافراً إلى بلادنا- تغير صورته المألوفة والمعروفة من مستحيلات ثلاث إلى أربع مستحيلات، حيث أضيف إليه مستحيل رابع ليصبح المثل بصورته الجديدة: " المستحيلات عند العرب أربع: الغول والعنقاء والخل الوفي ويومٌ في اليمن بلا انطفاء"..
وقد أصبح المثل بصورته الحالية حقيقة واقعة، وأمراً لا جدال فيه بعد أن أقره صاحب مجمع الأمثال، وراقت صورته للناس وقد رأوا أنه يصف حالهم الذي يعيشون..
ولجعل الصورة أكثر وضوحاً.. تمر الكهرباء في بلادنا -كما لا يخفى على أحد- بحالة مأساوية تزداد سوءاً كل يوم، فبعد أن كانت ولسنوات تنطفئ لمدة ساعة نهاراً وأخرى ليلاً ارتفعت حدة علتها فجأة مع مجيء الحكومة الحالية -كما يرى البعض-، وقبل أن يدرك أحدٌ الخطر المحدق بالكهرباء ازدادت حالتها سوءاً لتبلغ مرحلة حرجة ولتتضاعف ساعات الانطفاء لتصل إلى 12 ساعة في اليوم والليلة - حسب تقديرات البعض- وإن كانت تقديرات أخرى قد تجاوزت هذا الرقم..!
هذا التفاقم المستمر لحالة الكهرباء في بلادنا وما يرافقه من سكوت مريب للحكومة كانت له نتائج سلبية وسيئة على نفوس المواطنين فقد استأصلت تلك الانطفاءات المتواصلة واللامعقولة من قلوبهم ذرة الأمل التي كانوا يحملونها في أن يتم اصلاح الكهرباء ومعالجة أوضاعها، كما أوحت في الوقت ذاته باحتضار الكهرباء وموتها الوشيك، وبالتالي انتهاء عهد الكهرباء في بلادنا والعودة إلى الفوانيس والنوارات القديمة وزمن القاز ( الكيروسين)..
هذا هو الإحساس الذي - ربما- يسود اليمنيين مؤخراً، وإن كانوا وفي توافق مدهش ومثير للعجب والاعجاب قد أخذوا جميعاً من أقصى اليمن إلى أقصاه يلهجون بالدعاء والتوسل لله عزّ وجلّ أن يشفي الكهرباء من علتها الشديدة ..
وفي الوقت ذاته تشهد قبور الأولياء والصالحين رواجاً غير مسبوق وحركة دؤوبة لمواطنين من مختلف الفئات العمرية حاملين في أيديهم النذور والهدايا، مرددين الأناشيد الصوفية لتحل بركة هؤلاء الأولياء والصالحين على الكهرباء فتشفى ويعود حالها ولو على الأقل إلى ما كانت عليه من قبل..
يأسٌ ومعاناة وانطفاءات لا تحتاج إلى توصيف أو وصف في وقت نحن في أشد الحاجة إلى الكهرباء خاصة مع بداية موسم الامتحانات سواءً امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية أو امتحانات الجامعات والمعاهد العلمية والمهنية والتقنية، وما لهذه الانطفاءات من تأثير سلبي على نفسية الطلاب وبث روح اليأس والإحباط ليهم بدلاً من بث روح الأمل والتفاؤل..
هذا بالإضافة إلى ما يعانيه مواطنو المناطق الساحلية والسهلية والمنخفضة بشكلٍ عام من اشتداد الحر وارتفاعٍ في درجة الحرارة في صيف يُجمِعُ الكثيرون بأنه الأشدّ والأقوى منذ زمن..
الكهرباء وما أدراك ما الكهرباء معاناة شعب ومأساة أمة وتجاهل حكومة وغياب قانون، فهل من معالجة حقيقية للكهرباء ووقفة جادة وصادقة بعيداً عن الوعود والتصريحات والمجاملات والمهاترات من أجلنا ومن أجل طلابنا وطالباتنا ومن أجل كل اليمنيين الذين يكتوون بنار صيفٍ لا يرحم وهجيرٍ يتقد أكثر فأكثر أم أنّ الأمر لا يعني أحداً، ولا يدخل ضمن مسؤولية أحد؟!
hassangade3@hotmail.com