نواصل دور محمد المطري وحكمته في إقناع القائد المصري بتسليم الدبابات حيث أقنع قائد التسهيلات في الميناء الذي كان في الأساس يتلقى أوامره من القائد الأقدم ويقصد به الأخ/ محمد الرعيني ، وبعد محاولات استلمنا الدبابة بعد أن وقعنا على العهد وتحركنا فور استلامها.
معارك الضاحية الخمسين ووادي عاصم بقيادة رموز من الضباط والأحرار
تحت هذا العنوان يستطرد قائلاً: عند وصولنا عبس في اليوم الثاني لاستلامنا الدبابة الجديدة كانت المعارك على اشدها في منطقة الضاحية ، وكانت هذه المنطقة مستهدفة ليتمكن الأعداء من قطع طريق المحابشة وتطويقها وإسقاطها بعد سقوط وشحة، وفي تلك الأثناء أذكر بأن القوات المصرية قد دفعت بكتيبة مشاة تمركزت في ربوع الحرف لضمان عدم تكرار قطع طريق المحابشة من الجهة الشمالية الغربية.
أما بخصوصنا فبمجرد استلامنا التوجيهات بالتحرك إلى الضاحية حيث كانت تدور المعركة الكبيرة ، قمنا بالتحرك ورافقنا في هذا التحرك النقيب/ أحمد المتوكل لما له من معرفة بأبناء المناطق السالفة الذكر، وفي نفس الوقت وصل الأخ/ عبدالعزيز البرطي والأخ/ علي المنصور بدلاً من الأخوة/ عبدالله الراعي وأحمد الوديدي وعبدالوهاب الحسني وأصبح الأخ/ أحمد المتوكل هو المنسق الأول وعليه تقع مسئولية التنسيق مع القوات المصرية بواسطة أحد الضباط المصريين المكلف بشئون القبائل وهو النقيب/ عبدالله الجندية والذي كان يتمتع بمستوى عال من الأخلاق والشجاعة والقدرة على التعامل مع الآخرين، وله مواقف شجاعة إذ تعرض للعديد من كمائن العدو خاصة عندما كان يكرر اجتماعات مع المشائخ ومع ذلك لم يكن يتأثر من أي موقف يواجهه ، وبالرغم من أن البطل / عبدالله الجندية كان لا يعرف أحمد فرج بل كان يعرف فقط بأنه صاحب الدبابة الجديدة لكنا تعلمنا منه العديد من الصفات وأساليب القيادة العسكرية الناضجة.
وفي منطقة الضاحية كانت المعارك قد أحدثت العديد من القتلى والجرحى ونتج عن ذلك تدهور معنويات المقاتلين بالرغم من الكثرة النسبية للعتاد والعدد ووجود التكامل فبالإضافة لوجود سريتين من بلك سنحان هناك أكثر من ستين فرداً من أفراد الحرس الوطني وكلهم من يافع ، وكذلك أطقم عليها رشاشات ثقيلة من فوج البدر، ودبابتين ومدافع "بي عشرة" والجميع مقاتلون يتفانون في تقديم أنفسهم فداء للثورة والجمهورية خاصة بعد أن كان العدو يرسل مجاميع تندس بين صفوف الثورة، وكان يترتب على ذلك مخاوف واحتمالات الغدر وأتذكر أنه في حينها كان الأخ/ أحمد المتوكل قام بطلب المشائخ والأعيان وإبلاغهم بما يقوم به العدو من غدر ، وإذا بهم يدعون بأن قوات الثورة على علم بذلك وأن الأعداء يستغلون كثافة الأشجار وطبيعة المنطقة للضرب والاعتداء على مواقع قوات الثورة، عندها أصبح لزامناً علينا التعامل مع الموقف بأسلوب جديد وتوجيه الرشاشات نحو الأشجار التي كان يحتمي بها العديد من عناصر المرتزقة.
ويمكن القول بأن الجميع أدرك أساليب أعداء الثورة والتي وجهت بصرامة، الأمر الذي جعلهم يتساقطون الواحد بعد الآخر ما بين قتيل وجريح ومن لم يصب يترك موقعه هارباً وبعد ذلك توقفت الإصابات في جانب قوات الثورة والجمهورية ، ومع ذلك لم نكتفِ بما حدث حيث كان لزاماً علينا إزالة تلك الثغرات من جذورها ولتحقيق ذلك استدعى الأمر هجوماً مباشراً على منطقة الضاحية الخمسين ووادي عاصم.
وبعد الأعداد كان التحرك إذ توجه الأخ/ عبدالعزيز البرطي فوق دبابة محمد رزق الغويدي و الأخ/ علي المنصور على الدبابة التي بقيادتي بينما رافق الأخ/ أحمد المتوكل المشاة المترجلين وكان اتفاقنا أن تكون الدبابة التي أقودها في المقدمة ، تحسباً لما قد نواجه من ألغام أو نزول في خنادق ، وتوجد الدبابة الثانية بمثابة احتياط لإنقاذ الدبابة المتقدمة.
وقد قمنا بالتنسيق مع القوات المصرية وأخبرناهم أن الهجوم سوف يتم عند بدء الضوء طالبين منهم المشاركة إذا رغبوا في ذلك وبالرغم من ذلك وجدناهم ينتظرون التعليمات التي تأتي من قيادتهم من عبس وعندها سوف يبلغونا بما يتم، ولكنا لم ننتظر الرد وتحركنا بعد صلاة الفجر لمهاجمة مجاميع المرتزقة وهم على غفلة وبالفعل فقد كانت لهم مقاومة محدودة فأحدثنا خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات في صفوفهم ، مع العلم أن التوجيهات قبل الهجوم للمجاميع التي ترافقنا بعدم المساس بالممتلكات الخاصة بالمواطنين ،ومع ذلك كانت هنالك أخطاء وعدم التزام بالتوجيهات الصادرة إذ كان يرافق دخول أي قرية حرق للبيوت ونهب للممتلكات وربما في ذلك ذبح الأغنام ، وبالرغم من كل تلك الأحداث واصلنا تقدمنا حتى اقتربنا من سوق عاصم تمركزنا في موقع مناسب لمواجهة ما حدث من نهب وترك البعض للمهمة الأساسية والتفرغ للنهب وكان عندها الانضباط شبه مفقود وكان العساكر النظاميون لا يعنيهم الأمر في شيء ولا يمتثلون للأوامر التي يصدرها ضباط الثورة ولا يلتزمون إلا للمسئولين الذين عرفوهم وقادوهم في عهد ما قبل الثورة المباركة.
وللمزيد من إبراز الحقائق فالأخ/ النقيب / أحمد المتوكل كان له دور كبير وبارز في تطويع قوات المشاة وأفراد الحرس الوطني من أبناء يافع وبعض المشائخ المعروفين لديه وأذكر أن أحدهم وهو الشيخ/ علي قملان الذي كان من أنصار الثورة والجمهورية وعلى الفطرة والذي قاتل قتالاً يوصف بقتال الشجعان الشرفاء ونظراً لكون منطقة غارب هيثم قريبة من المنطقة وتجمعات قوات الثورة والجمهورية الأمر الذي جعل البدر وأنصاره ومن معه من المغرر بهم يكررون هجماتهم المعاكسة مع بزوغ أول ضوء ويشتبكون مع نقاط الحراسة المتقدمة في عدة اتجاهات، أما نحن وبحكم خبرتنا السابقة بالمنطقة ووجود الشيخ/ قملان معنا كنا قد وضعنا حساباتنا لمواجهة الموقف إبتداءً بإعداد الدبابة وتجهيزها.