بقلو/ د. عامر العواد
الحلم الذي راود كل عربي من المشرق إلى المغرب وما زال يراوده هو الوحدة العربية ، بتوحيد أقطارهم التي شتتها اتفاقية سايس بيكو ، وساهمت بترجمتها تراباً القوى الاستعمارية التي رأت في تجزئة الوطن العربي إلى أقطار ضعيفة ومشتتة الأهداف يساهم في الهيمنة على الأرض العربية وفي التصرف المطلق بثرواتها، كما أن التجزئة هذه تعتبر أهم معوقات النهوض العربي وتقدمه وازدهاره.
وبعد سنين من التشتت بين اليمن الواحد الجانب الشمالي والجانب الجنوبي استطاعت اليمن أن تجمع ترابها الواحد، وترفع راية اليمن الواحد، وبذلك تخندق أبناء اليمن جميعاً في خندق الوحدة ودافعوا عن يَمنهم الواحد بكل بسالة، الأمر الذي حقق وحدة اليمن أرضاً وشعباً، إلا أن جيوب التجزئة أبت إلا أن تطعن اليمن في وحدته، وتمزق الشعب في لمته، وتعمل على استرجاع تجزئته، وكان الكثيرون يعتقدون بأن هذه الوحدة هي نتاج وحدة قطرين عربيين وهو في الحقيقة تصور خاطئ جداً، لكون اليمن جغرافياً وتاريخياً هي أرض واحدة، مزقتها الاضطرابات القبلية، والحروب العسكرية، والقلاقل السياسية، وساهم المستعمر البريطاني في تكريس التفريق بين الأرض الواحدة، وما زالت أطيافه وأجنداته تعمل وبدون توقف لاغتيال وحدته وتشتيت شعبه، بعد أن عاشت اليمن في تجربة الوحدة لمدة تسعة عشر عاماً.
وإن ما حدث مؤخراً في اليمن العربي الشقيق مثير للقلق، وما هو إلا سلسلة من الاضطرابات والقلاقل التي يختلقها المستعمر ويغذيها بأفكاره وبأمواله وبأقزامه، وهي في الحقيقة معرضة للنمو أكثر فأكثر، الأمر الذي يتطلب الحيطة والحذر، ويتطلب وجود مقاومة جادة وحقيقية لكل تلك التوجهات المضادة لوحدة الأمة ونهضتها، كما أنه يتطلب العمل الجاد بتصحيح مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يُراهن عليها أعداء الوحدة وأن ما يحدث لليمن الآن هو ما حدث للسودان الذي يحاول المتمردون ومن ورائهم الدول الأجنبية والإقليمية من تقسيم السودان إلى عدد من الأقاليم الطائفية والعرقية، وصولاً إلى لبنان والاحتقان الطائفي في الجزيرة العربية وكذلك الصومال وغيره من الأقطار العربية.
لذا، فإن أي احتقان سياسي أو اقتصادي أو ديني أو اجتماعي في أي قطر من الأقطار العربية لا يمكن اعتباره شأناً خاصاً بهذا القطر العربي أو ذاك، إنما هو في الحقيقة شأنٌ عربي يخص جميع الأقطار العربية، لكونها في مجموعها مستهدفة دولياً وإقليمياً، فجميع هذه الأقطار هي جسد واحد وإذا اشتكى منه عضواً تداعت له سائر الأعضاء.
فلماذا يقف بعض اليمنيين ضد وحدة اليمن؟ هل كانت الوحدة سبباً للتخلف الاجتماعي؟ هل أحدثت الوحدة أزمات اقتصادية في اليمن؟ هل فرقت الوحدة بين أفراد الشمال وأفراد الجنوب؟ هل تسببت الوحدة في إعاقة تنمية اليمن وتطوره؟ وهل استطاعت الوحدة أن تقضي على القبلية اليمنية؟ هل طورت الوحدة من البنية اليمنية التقليدية؟ هل عملت الوحدة على إضفاء المشروعية على نظام قائم أم ساهمت في تغيير واقع؟.
فمهما كانت الإجابات فإن الطريق الصحيح لليمن ولجميع الأقطار العربية هو الوحدة، والحفاظ على وحدة اليمن يجب أن يكون الخيار الأول والأهم لدى أبناء اليمن الواحد، فليس هناك بعد الوحدة شعب جنوبي أو شعب شمالي، بل شعب يمني واحد، ومن يريد أن يحافظ على اليمن يجب عليه أولاً أن يؤمن بوحدة اليمن وشعبه، لا أن يكون أحد معاول هدم هذه الوحدة في الوقت الذي يحتاج فيه اليمن إلى جميع أبنائه ليكونوا شركاء في البناء والنماء وإلى تحقيق التوافق الوطني الذي سيكون سداً مانعاً لاختراق اليمن الواحد الموحد هذه الوحدة ليست هي حُلم يمني فقط بل حلم عربي، ويجب علينا ألا نضع كل ما يحدث على مذبح الوحدة بل يجب علينا أن نبحث عن الأسباب الكامنة لتلك الأحداث، فالعلة ليست في الوحدة.
وإذا حدث سيل الانفصال واخترقت مياهه سد الوحدة ستجرفنا مياهه إلى مسافة لا نهاية لها من الفوضى والتسيب الأمني في أقطارنا العربية والخليجية.<
نقلا عن الوطن البحرينية