ذكرنا في الحلقة السابقة كيف كان ذلك الضابط المندس في صفوف الثورة وكيف كان يعامل الناس بأساليب غريبة يعتبرها ترجمة لمعاني الحرية التي تسعى لها الثورة حيث يقول المؤلف: وللحقيقة فإن المذكور كان مصدراً غير مباشر في انتشار الدعايات والشائعات التي كانت تطرح من قبل المرتزقة وأنصار الإمامة وما ترتب على ذلك من تمرد العديد من الناس وابتعاد مجاميع من تلك التي كانت على وشك الانضمام إلى قوات الثورة والجمهورية وكانت النتيجة هي قتل ذلك الشخص الذي كان مثالاً سيئاً لقادة وضباط الثورة رغم أنه كان يتصف بالشجاعة.
بعد أن شعر البدر المخلوع ومن معه بالهزيمة وانتابهم اليأس من الخطط التي أعدوها للوصول إلى المحابشة ومنها إلى حجة وتحويلها إلى قاعدة انطلاق لتحقيق أهدافهم وأحلامهم بالعودة لحكم اليمن من جديد ، والتي لو لا أن إرادة الله كانت مع هذا الشعب وثورته وجمهوريته مكنته من إفشال مخططاتهم الهادفة لتكرار ما قام به والده الطاغية / أحمد الذي تمكن من القضاء على ثورة 1948م وإخمادها منطلقاً من حجة ، ولكن الفارق هنا كبير والمقارنة صعبة بين الثورتين ، إذ قامت ثورة سبتمبر 1962م على ضوء قاعدة وإعداد وتنظيم للضباط الأحرار الذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية مواجهة الموقف وفقاً لمعطيات جديدة مع التنسيق الداخلي والخارجي في الوقت الذي افتقرت فيه ثورة فبراير 1948م إلى أبسط تلك المقومات ولذلك لم يكتب لها النجاح وكان مصيرها الفشل ، ولا بد هنا من الإشارة إلى الدور الذي لعبته قيادة الثورة العربية التي كان يقودها الزعيم الراحل/ جمال عبدالناصر والجمهورية العربية المتحدة أثناء قيام ثورة سبتمبر 1962م حيث كان لمصر عبدالناصر ذلك الدور العملاق في مناصرة ثورة اليمن وهز تلك العروش في المنطقة وأركان الاستعمار البريطاني الذي جثم على أجزاء من اليمن الحبيب والذي سقط بقيام الثورة اليمنية في سبتمبر وأكتوبر،وليس غريباً على مصر عبدالناصر تلك المواقف إذ كانت بصمات الثورة في كل أرجاء الوطن العربي وإمتدت إلى العديد من بلدان العالم وخاصة في أفريقيا.
توزيع عناصر العمالة... وإفشال مخططاتهم
بعد فشل المخطط الأول "حول حجة وإحتلال المحابشة" إذا بالمخلوع البدر يعقد اجتماعاً ضم عدداً كبيراً من تلك الفلول منهم ما كان يطلق عليهم بسيوف الإسلام والذين لا زالوا في اليمن تلاحقهم خيبة الأمل والعار والمذلة مثل أولاد الحسين بن يحيى حميدالدين وهم : محمد بن الحسين والحسن بن الحسين وأحمد بن الحسين وعبدالله بن الحسن ، وآخرون من المغرر بهم أمثال ناجي علي الغادر وقاسم منصر، وعناصر من بيت الهجوة ومشائخ خولان الطيال، ومن أرحب بيت سنان ومن الحيمة بيت شردة، وعناصر محددة من قبائل سنحان وهمدان ونهم وبلاد الروس والحداء، حيث كانت خطة البدر المخلوع تركز على توزيع الشخصيات المقبولة والتي كانت لها مكانة اجتماعية في البلاد على المناطق الهامة معلنين إشعال الحرب وتوزيع الأسلحة وإغراء المواطنين بالمال إضافة إلى السلاح ، وكان الأموال التي تعطى لهم جنيهات ذهب "عملة انجليزية قديمة" عندها تحرك البدر يتجهون إلى الأماكن التي تحددت لهم عندها تحرك البدر من منطقة غارب هيثم تاركاً موقعه الأول في اتجاه القارة بمحافظة صعدة والتمركز فيها باعتبارها مكاناً يستطيع منه أمداد لواء صعدة بالإضافة إلى لواء حجة ،وأيضاً استقبال كل ما يصل من أمداد ومؤن تأتي من أعداء الوطن، وبالتالي توزيعها للمناطق التي تتواجد فيها عناصره أما فيما يتعلق بالقوات المتواجدة بمنطقة حجة والمناطق المجاورة لها فقد كانت تتواجد أكثر من كتيبة القوات المصرية ودبابة واحدة من القوات اليمنية كان يقودها الأخ/ يحيى الحاذق الذي حاول الوصول بها إلى حجة عن طريق سوق الأمان ، وكان ذلك بمثابة المستحيل.
وكان حينها الأخ/ أحمد الفلاحي قائداً لتلك الدبابة ومعه ثلاثة أفراد مع فصيلة من بلك الحمراء الطاعنين في السن.
الوصول إلى ظهر أبو طير .. وبدء المهام
بعد تسلمنا للدبابة وهي أحدى دبابات الصفقة الأولى التي وصلت بعد الثورة طلبنا من الأخوة المتواجدين إعطاء فكرة عامة ومعلومات عن المنطقة بما في ذلك الجهات والجهة التي عليها مسؤولية المنطقة وإصدار الأوامر ، وأيضاً طلبنا معلومات عندها عرفنا بأن التوجيهات تأتي من موقع الأمان الذي يتواجد كما أتضح أن المنطقة لم تشهد أي تحركات أو تحرشات من قبل العدو لما يقرب من خمسة عشر يوماً.
وكان الوضع في هذه الفترة أحسن حالاً مما سبق خاصة فيما يتعلق بالإمداد والتموين وتوفير بقية المتطلبات اللازمة والتي كنا نحصل عليها بواسطة الأخ/ علي شرف ومصدرها الأساسي القوات المصرية، كما اتضح لنا فيا بعد بأن موقع الأمان يشهد كل يوم تحرشات اعتداءات من قبل الأعداء بما في ذلك إطلاق نار متكرر على زميلنا الأخ/ عبدالله اليدومي الذي يقود الدبابة في سوق الأمان ،ولم يحصل أي مضايقات أو تحرشات من قبل العدو في هذا المكان بالرغم من أهمية هذه المنطقة التي تعتبر ملتقى الطرق ومتوسطها.
ويضيف المؤلف: كنا على يقظه تامة وحذر شديد خاصة بعد أن تعرفنا على تلك الطريقة التي خدعوا بها الأخ/ الفلاحي وكان الأمر طبيعياً حتى الليلة الثالثة ، وفي الساعة الثامنة مساء إذ بالطلقات تنهال علينا من جهتين مختلفتين وكان الرد عليها بالأسلحة الخفيفة وتمكنا من صدهم بعد أن يئسوا من تحقيق أي نصر علينا في هذا الموقع وتاركين خسائر كبيرة من الجرحى والقتلى.
وفي صباح اليوم التالي للمعركة قمت بإبلاغ الأخ/ علي شرف بما حصل في الليلة طالباً منه السماح لي بطلب المشائخ والعقال المجاورين للموقع حتى تلك القرى التي تقع في الجهة التي كانت مصدراً للنيران ولقد كان الأخ/ علي شرف على مستوى المسئولية إذ وافق على طلبي مضيفاً اعملوا ما تريدون مع ضرورة الحرص على الناس وممتلكاتهم.<