شريف عبد العزيز
عند سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام بالأندلس سنة897 هجرية ، كانت هناك بإسبانيا جالية كبيرة من اليهود الذين كانوا ينعمون بكل أسباب الرفاهية والأمان في ظل التسامح الشهير لمسلمي الأندلس ، والذي كان ربما أحد أسباب سقوط دولتهم ، هذه الجالية اليهودية تعرضت لثل ما تعرض له مسلمي الأندلس من تشريد وتنكيل واضطهاد ديني واسع النطاق ، وقضى الكثيرون منهم نحبهم تحت وطأة التعذيب ، في محاكم التفتيش الكنسية التي أشعلت إسبانيا الصليبية نارها لعشرات السنين ، بعد سقوط الأندلس ، واضطرت هذه الجالية للتنصر هرباً من نيران القساوسة ، وزبانية محاكم التفتيش ، في حين اختار المسلمون طريق الهجرة إلي عدوة المغرب ، وانساحوا في البلاد الإسلامية ، ومن بقي منهم بالأندلس اختار طريق الثورة والانتفاض مرة بعد مرة.
ولأن اليهود أهل غدر وختل وخيانة ، لم يرق للنصارى فكرة دخولهم النصرانية ، فأصدر الإمبراطور شارل الخامس عاهل إسبانيا قراراً بطرد اليهود المتنصرين من عموم إسبانيا ، ولسالف جرائم اليهود بحق شعوب الأرض ، وسمعتهم السيئة التي تسبقهم لأي مكان يذهبون إليه ، فإن شعوب أوروبا قد رفضت استقبالهم ، وكذلك روسيا القيصرية ، وهام اليهود علي وجوههم ، وقد انقطعت بهم السبل ، حتى وافقت الدولة العثمانية أيام السلطان سليمان القانوني علي استضافتهم ، وبالفعل دخل اليهود أقاليم الدولة العثمانية الواسعة والممتدة في ثلاث قارات عالمية ، وفي ظل الدولة الإسلامية نعم اليهود لأول مرة منذ فترة طويلة بالأمن والطمأنينة.
فماذا كان رد فعل اليهود ؟
كعادة اليهود من الغدر والخيانة ونكران الجميل أخذ اليهود يخططون ويدبرون ويحيكون المؤامرات من أجل إسقاط الدولة العثمانية ، لا لشيء إلا لأنها دولة الخلافة المسلمة التي تقف حائلاً أمام طموحات ومخططات اليهود نحو الإستيلاء علي بيت المقدس وأرض فلسطين لإقامة كيانهم اللقيط علي الأرض المباركة ، ولعب يهود الدونمة دوراً حيوياً وخطيراً في إسقاط الدولة العثمانية ، وما أن تمكنوا من الإطاحة من آخر السلاطين الأقوياء ، وهو السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1909 ميلادية ، حتي أصبح الطريق مفتوحاً أمام التدفق اليهودي علي أرض الميعاد بزعمهم ، وبمساعدة انجليزية فرنسية مشتركة ، وبدعم أوروبي روسي أمريكي ، تمكن اليهود من الاستيلاء علي فلسطين ، ليتنفس الأوروبيون الصعداء علي تخلصهم من اليهود ، وترحيل مشاكلهم وتصديرها للعالم الإسلامي والعربي.
والسؤال الأن لماذا يتفوق الطفل اللقيط علي العالم الإسلامي ؟
للإجابة علي هذا السؤال يلزمنا تنشيط ذاكرة المسلمين ببعض الحقائق المتعلقة بالطفل اللقيط والأمة العريقة ذات الأمجاد التليدة ، والتي حكمت الأرض لفترات طويلة ، وأقامت حضارة هي الأعظم والأكبر بين تاريخ الأمم.
فتعداد اليهود مثلاً قرابة 14مليون يهودي ، أكثر من نصفهم يعيش داخل أمريكا ، في حين تعداد المسلمين زيادة عن مليار ونصف ، أي خمس سكان الأرض ، وهم موزعون في كل قارات العالم ، ولا يخلو بلد علي وجه الأرض من المسلمين ، أي أن لكل يهودي مائة وسبعة مسلم ، ومع ذلك حفنة اليهود أقوى بكثير من الأمة الكبيرة الكثيرة !
نستطيع أن نقول أن ليست السياسة ودهاليزها ودسائس اليهود ومؤامراتهم فحسب هي التي مكنتهم من السيطرة علي مفاصل الساحة الدولية ، ولكن كلمة السر تمكن في أمر آخر غفل عنه المسلمون علي الرغم من كونهم أصحاب الريادة فيه ، كلمة السر هي العلوم والمعارف التي قطع اليهود فيها شوطاً كبيراً بينما المسلمون مازالوا يتغنون بأمجاد الماضي ، ويواصلون التقهقر والتخلف.
ولكن هل تفوق اليهود المعرفي والعلمي محض صدفة أم وهم أم مؤامرة أم حقيقة ثابتة؟
أيضا للإجابة علي هذا السؤال يلزمنا تنشيط المسلمين ببعض المعلومات المهمة :
أولاً : خلال المائة سنة المنصرفة ، فاز اليهود بملايينهم الأربعة عشرة ب108 جازة نوبل في شتي فروع العلم ، بينما فاز المسلمون بمليارهم ونصف ب3 جوائز فقط ، واحدة منها فقط في العلوم ، ولك أن تتخيل نسبة ومعدل الجوائز بعملية حسابية بسيطة.
ثانياً : العالم الإسلامي بأسره به 500 جامعة ، في حين أمريكا بها وحدها فقط 5758 جامعة ، ولا توجد أي جامعة عربية شمن الجامعات الخمسمائة الأولى علي العالم ، في حين توجد في القائمة ست جامعات إسرائيلية ، وفي الهند زيادة علي 8000 جامعة.
ثالثاً : نسبة التعلم داخل الكيان الغاصب الصهيوني 90% ، بينما نسبة التعلم في العالم الإسلامي 40%.
رابعاً : اليهود يحتفظون بسجل معاصر حافل بالعلماء والمخترعين والمتخصصين في شتي مجالات العلوم الطبيعية والتجريبية ، ومعظم الاختراعات الحديثة المؤثرة تمت في معامل اليهود ، وبأيدي علمائهم ، منها علي سبيل المثال لا الحصر:
مخترع الحقنة الطبية يهودي ، ومخترع لقاح شلل الأطفال سالك اليهودي ، ومخترع دواء سرطان الدم اللوكميا إليون اليهودي ، ومكتشف مرض الالتهاب الكبدي وعلاجه بلومبيرج اليهودي ، ومكتشف علاج مرض الزهري إرليخ اليهودي ، مخترع فكرة الغسيل الكلوي كلوفكيم اليهودي ، مطور المعالج المركزي ميزور اليهودي ، مخترع المفاعل النووي ليوزيلاند اليهودي ، مخترع الألياف الضوئية شولتز اليهودي ، مخترع الصلب الذي لا يصدأ ستراس اليهودي ، مخترع الجرامافون والميكرفون بيرلاينر اليهودي ، مخترع مسجل الفيديو جينسبيرج اليهودي ، مؤسس فكرة جوجل سيرجي برين اليهودي ، وشركة ديل واوركل لأنظمة وبرامج الحاسوبات المتقدمة أصحابها يهود.
رابعاً : أن هذا التفوق العلمي لا يعني أن اعتمادهم الأساسي علي عقولهم فحسب ، فاليهود يسيطرون علي الآلة الإعلامية الجبارة في بلد مثل أمريكا ، ولهم ساسة وأصحاب أموال ، ورجال أعمال ، وجماعات ضغط ، وهيئات سياسية قوية تقوم بالدور الأكبر ، في إحكام قبضة اليهود ، علي العالم.
وقد يظن البعض أن ما ذكرناه مبالغة أو انهزام نفسي أمام النفوذ المتنامي لليهود ، والتراجع المتزايد للعالم الإسلامي ، أنه من جنس الترويج للفزاعة الصهيونية ، وبث اليأس في قلوب المسلمين ، لكن الله عز وجل ورسوله صلي الله عليه و سلم ، قد أخذ علينا أمانة النصيحة للأمة حكاماً ومحكومين ، عامة وخاصة ، ومن النصح لهذه الأمة أن تعرف سر تأخرها ، ومكمن دائها ، وتعرف لماذا يتقدم هذا الطفل اللقيط ، والكيان الغاصب علي أمة عددها أبنائها مثل الرمال ، لأن الترويج لفكرة أن السياسة والسياسة وحدها هي التي مكنت اليهود من اغتصاب بلادنا ، والانغراس في قلب مقدساتنا ، يكرس حالة الغفلة التي عليها الأمة ، ويعمق جراحاتها ، وأن كانت السياسة وألاعيب أوروبا وأمريكا قد أدخلت هؤلاء النجس ، وأمكنتهم من بلادنا أول مرة منذ مائة سنة وزيادة ، فإن هذا الكيان الغاصب لن يخرج أبداً إلا بسواعد الفئة المؤمنة القوية الآخذة بأسباب القوة والنهوض ، وأبرزها النهضة العلمية والتقدم المعرفي.
فهل وعيت أمة اقرأ لماذا يتحدي الطفل اللقيط العالم الإسلامي بأسره ؟