يواصل المؤلف حديثه قائلاً: عند الطرق التي تتعرض للقطع بين الحين والآخر ذكر منها طريق الحديدة صنعاء الشريان الرئيسي لليمن والتي كانت حينها مقطوعة في الحيمة بواسطة شردة ومن معه وأحياناً تقطع من بيت غوبر ، وأيضاً طريق صنعا تعز مقطوعة عند نقيل يسلح وقاع جهران أحياناً وكذلك طريق صنعاء مأرب ورداع والبيضاء.
وهكذا كان حجم التأمر يتزايد على الثورة والجمهورية من خلال الدعم السخي بالمال والسلاح.
التآمر الإيراني منذ ولادة الثورة
كان حجم التآمر يتزايد على الثورة والجمهورية من خلال الدعم السخي بالمال والسلاح وتدريب المرتزقة عسكرياً بما في ذلك إقامة كلية عسكرية في الجوف لتدريب مجاميع متتالية من الشباب عسكرياً ،حيث كان أعداء اليمن يخططون لإطالة أمد الحرب وأتذكر بأن دول الجوار في مقدمة البلدان التي كانت تقود الحرب ضد اليمن وكانت أيضاً إيران في عهد الشاة تقدم الدعم السخي وعقد الدوران التدريبية على الأسلحة الثقيلة للنشطين ومع ذلك وفي كل يوم تزداد الحالة سواء وتعقيداً، والقوات المصرية تقدم كل يوم أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى وخسائر في المعدات والآليات العسكرية ، وكانت تتزايد بفعل زراعة الألغام في العديد من الطرقات والتي كانت ترابية ويسهل زراعتها بالألغام.
والذي لا شك فيه أنه كان لقيام ألوية يمنية وقيام مدارس عسكرية متخصصة له أكبر الأثر في الدفاع عن الثورة والجمهورية والخروج من صنعاء في اتجاه معبر ذمار رداع في أكتوبر 1964م.
وزير الدولة عكارس
بعد العودة من مصر ورغبة مني في مواصلة الدفاع عن الثورة والجمهورية التي تزايدت خطط التآمر عليها ، تم تكليفي لمرافقة وزير الدولة الوالد المرحوم/ محمد عكارس والذهاب إلى معبر تلك المدينة التي تتوسط جهران والتي كانت على وشك السقوط بيد أعداء الثورة في غياب أي تواجد للدولة، وأتذكر أن استقبالنا كان تحيطه الشكوك في خوف من الجهتين أي من الجمهوريين ومن الملكيين، ويلاحظ ذلك من خلال وصولنا والتعامل معهم من أول وهلة ففي أول ليلة من تواجدنا في معبر وعند الساعة السابعة والنصف تقريباً أي بعد صلاة العشاء مباشرة سمعنا إطلاق نار وقذائف تتساقط على المكان الذي نتواجد فيه من اتجاهات متعددة وما كان منا إلا مواجهة الموقف بحزم، وفي صباح اليوم التالي طلبنا كبار المشائخ وعند لقائنا بهم تحدث لي القاضي / محمد عكارس بقوله : يا قائد المدرعات خذني مع هؤلاء المشائخ وإذا بالمشائخ يلتزمون بكل ما تتطلبه الدولة منهم وهناك يوجه القاضي/ محمد عكارس حديثه للحضور قائلاً: وماذا عن الدولة وحقوقها والقتيل والجريح الذي حدث في الليلة الماضية من إطلاق النار حيث كان الجريح يشكو جراحه ولم يصله لا طبيب ولا علاج، وكان القاضي رحمه الله يتحدث بأسلوب رجل الدولة القادر على تحقيق ما يهدف إليه ونتيجة لذلك بادر المشائخ بالقول أمامهم فرصة متاحة حتى بعد صلاة ظهر ذلك اليوم ليوصلوا ما يلزم للدولة بما في ذلك حقوقها التي تأخروا في سدادها ، عندها وافقنا على أن يلتزموا بكامل حقوق الدولة التي فرضها الله سبحانه وتعالى والتي تأخر سدادها من واجبات وغيره، بالإضافة إلى ما يلزمهم من حق إزاء ما حصل منهم من اعتداء على مبنى الحكومة في أول ليلة وصلنا فيها، ومما يثير الدهشة والاستغراب هو عدم وجود ريال واحد في الحكومة بما في ذلك الطعام ، ويمكن القول وبدون مبالغة وبمجرد مرور أسبوع فقط حتى تواصلت كل حقوق الدولة من زكاة وواجبات، وذلك اعتبرناه بمثابة رد اعتبار للحكومة وما لحق بها من اعتداء ليلة وصولنا وفي اليوم الثاني ، أو الثالث توافدت الأبقار إلى ساحة الحكومة برد اعتبار لما حصل وفي ذلك الوقت كان يوجد سارق تم تنفيذ الحكم في حقه بقطع اليد وتعليقها في البوابة الخارجية للحكومة وبحضور أعداد كبيرة من المواطنين ،وكان لذلك أكبر الأثر لعودة هيبة الدولة وتطبيق الحدود الشرعية وشعور الجميع بأن الثورة والجمهورية بخير مما دفع بالعديد من عناصر العدو البارزة من مغادرة المنطقة، بينما اتجهنا صوب مدينة ذمار باعتبارها من أهم المدن في المنطقة وتتوسط عدداً كبيراً من القبل وفي ذمار تم إتباع تلك الأساليب التي أتبعناها في معبر خاصة فيما يتعلق بالواجبات وغيرها والتي مر عليها أكثر من عام ولم تستقبل مخازن الدولة منها شيئاً.
وكان سجن ذمار يحتوي على عدد كبير من المساجين ومنهم سجين تم الحكم عليه ، بالقصاص وله مدة طويلة ولم ينفذ عليه الحكم فقام وزير الدولة/ محمد عكارس بإصدار توجيهاته بتنفيذ القصاص الذي تم في ميدان الحكومة لينتشر على ضوء ذلك أخبار الحسم في المواقف التي رافقت وصول عكارس ومن معه إلى المنطقة بعد غياب الدولة وهيبتها لفترة ليست بالقصيرة ، وفي إطار البرنامج الذي وضعناه ونهدف إلى تحقيقه في المنطقة التي تعاني من الإهمال، ولما تمثله تلك المنطقة من خطورة على الثورة والجمهورية.
وبعد تلك المواقف الحاسمة في كل من معبر وذمار أتجه الجميع إلى المدينة الثالثة والتي لا تقل في أهميتها عن المدن السالفة الذكر والقريبة منها وهي مدينة رداع التي ما إن وصلناها حتى أسرعنا في طلب المشائخ وألزمنا هم بإيصال الواجبات إلى دار الحكومة ،وفي نفس الوقت كانت هنالك حالة منع إيصال فردين من سجن رداع إلى صنعاء أحدهما يدعى العوبلي والثاني السكران والذين ينتمون إلى قبيلتين مختلفتين وحينها أصدر عكارس توجيه بإخراجهم وحسم الموقف في إطار اللواء "المحافظة" وكان ذلك في اليوم الثالث من وصولنا رداع.
وفي الحقيقة فقد كانت سعادتنا لا توصف وذلك لتواجد هيبة الدولة في تلك المناطق بعد فترة غياب عم فيها الفوضى والفساد،وكم كنت أرجو وأتمنى من الله أن تحظى بلادنا بمسؤولين يملكون تلك الصفات الموجودة في القاضي/ محمد عكارس لمواجهة تلك الظروف الصعبة الداعية إلى المزيد من القوة والتماسك وإظهار فاعلية الثورة والجمهورية.
ومن الجدير بالذكر أن كل منطقة نتركها نقوم قبلها بوضع الترتيبات اللازمة لضمان الإستقرار فيها وتكليف عناصر تملك القدرة على إدارة شئون المنطقة ، وبنفس الحماس تحركنا إلى مدينة ضوران آنس وطبقنا فيها نفس الأساليب في إطار ما هو مرسوم ومحدد وبعد ذلك اتجهنا للعودة إلى صنعاء.