عبد الكريم المدي
"الغش في الامتحانات كارثة دمّرتْ البلد وقيم الانتماء والهوية والتنمية"
"أنا ضد فكرة الغش جملة وتفصيلاً وأعتبر من يغش في الامتحانات وغيره على أنه خائن للبلد وعدو له".
أتمنى لو كنت مكان وزير التربية أو مكان مدير التربية في محافظة ما او مديرية ما، لقضيتُ على الغش وللأبد لكن يا حسرة في هذا البلد لا مكان للشرفاء والمخلصين".
"أنتم معي أن كل التربويين ومسؤوليهم فاسدون".
يا جماعة خلصونا من الغش انقذوا أولادنا وبلدنا من هذا الفيروس القاتل وووو...الخ
يا بلاشاه .. كم نسمع كل يوم ووقت وحين تضجّر الناس ورفضهم وكراهيتهم وعبارات تقريعهم للغش والغشاشين والمُغْششِين والمُغشَِش لهم والمغُشّش لأجلهم.. نسمع ذلك في كل مكان، خاصة أثناء استعراض البعض في الحافلات والباصات وفي بداية مجالس المقيل التي يتغنون فيها في فلسفة الاسهال اللغوي التي نسمع الهرطقات في منتصفها والوهم ولعب الأدوار السخيفة آخرها وذلك من قبل بعض أولياء الأمور والشباب ممن يزعمون بأنهم (افلاطونات) العصر، الذين لديهم قدر من الوعي، حتى وان كان زائفاً ومتخلفاً وغبياً وهداماً بكل في الكلمة من معان ودلالات الزيف والتخلف والغباء والهدم، إلا أنهم جميعاً يرفضون الغش وينتقدونه بأقسى الألفاظ وأجزل الكلمات وإن كانت عامية وبلهاء وعديمة الفائدة تفتقد للشعور الوطني والاخلاقي الحقيقي والمتأصل، وليس أدل على ذلك أن تلك الشعارات الطارئة والاستعراضية تتبخر مع اقتراب موعد الامتحانات للشهادتين الأساسية والثانوية العامة، حيث تبدأ اولى أدخنة ذلك البخار في الارتداد والرجعية والتنكر لتلك القيم والشعارات الطنانة، حينما يعلن الأب وضع مبلغ من المال لابنه من أجل القيام بنزهة الاختبارات بالشكل الذي تستحقه هذه النزهة وفي الغالب يصاحب اعلان الأب بوضع اول مبلغ من المال في زاوية احدى الحقائب باسم ابنه، يصاحب هذا الإعلان عبارات الطمأنة من قبل الاب لابنه وهو يؤكد له بأن حق ابن هادي الخاص بالامتحانات سيكون جاهزاً في موعده، وما على هذا الطالب او ذاك إلا أن يطمئن وألا يخاف ولا يحزن ولا يسهر ولا يقلق ولا يعد صفحات الكُتب الدراسية المقررة وان ينوم الليل في الليالي المقمرة ويستظل في النهارات المشمسة.
نعم على أولئك الطلاب أجيال المستقبل وبناة الغد أن لا يخافوا بل يستبدلوا ذلك الخوف من الامتحانات بالتفكير في الساعة السليمانية والثلث الأخير من الليل في اختراع وسائل جديدة وحديثة وذكية في "البرشمة" وتمزيق الكتب شر ممزق والبحث عن فنيين متميزين في التصوير وذلك من أجل تصوير أوراق المناهج الممزقة باحتراف الى قصاصات لا تُرى بالعين المجردة وإنما بأعين هذه الأجيال الصاعدة من الطلاب.
نعم هذه هي حالة نسبة كبيرة من مواطني وأولياء الأمور والشباب في هذا البلد الذين يعملون جاهدين على اجبار اللجان الامتحانية، وخاصة في المناطق التي تقع خارج حسابات العصر، على القبول بالأمر الواقع وممارسته في ابشع صورة مستخدمين أولئك الاعفاط من أولياء الأمور والطلاب شتى أساليب الترغيب والترهيب والزبط واللكم والعيفطة. ومستغلين أيضاً ضعفاً في المراقبين والمشرفين، في تلك المراكز والتي منها ضعف تأهيلهم وتلاشي ضمائرهم وتدني مستوى وعيهم وقناعاتهم وثوابتهم الوطنية الى جانب قلة مصاريفهم وكثرة ديونهم المتراكمة.
وفي هذا الجانب او النقطة قد يقول قائل: "ماذا يعمل المراقب واللجان الأمنية تخذ له من جانب وجيبه يؤنبه من جانب آخر ، حيث لايملك أجرة المواصلات التي سيأتي بها الى المركز الامتحاني او يعود بها الى بيته، كذلك لايملك قيمة نصف باكيت "السيجارة" التي يمتصها بشراهة في لجان المراقبة حتى تعمي بصره وبصيرته ادخنتها ولحظات متعة النيكوتين عن التفريق بين دفاتر الإجابة التي أمام الطلبة عن براشم الغش والكتب الدراسية المصغّرة والمدّخرة والتي يلجأ اليها الطالب كلما نفدت براشم المتخصصين وأصوات "المُزمّرين" و"المُطبّلين" و"المُغوّرين" و"الغرّامة" المتجمهرين خارج المراكز الامتحانية.
وكي لا أدوّش القارئ الكريم والمعني والمستهدف في هذه التناولة بالتنظير والسرد الممل والمبكي والمضحك أحياناً سأدع مسألة الاعتناء بالملاحظين وبمخصصاتهم المادية وباللجان الأمنية ومخصصاتها المالية وبالقبائل وطريقة الاختبارات على ملة البرشمة والعنف وبن هادي لكل من يعنيه أمر النقاط والملاحظات السابقة، سواء المجتمعات المحلية من وجاهات اجتماعية ومشائخ وأعضاء مجالس محلية أو الجهات الرسمية التي أكن لها من الاحترام ما يمنعني عن ذكرها وهي بلاشك تعرف نفسها ودورها ورسالتها وامكانياتها.
لكن يبقى لي في الأخير أن أوجه رسالة شكر وعرفان ودعوة الى الاقتداء ببعض الشخصيات والقيادات التربوية التي اُثّرتْ عليّ تأثيراً كبير وذلك في عدة جوانب تربوية ووطنية وأخلاقية ومهنية وإنسانية والتي تتمثل وتتجسد في شخص التربوي الأستاذ علي علي الشيخ - مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية سنحان الذي يستحق ان تقتدي به القيادات التربوية في عموم محافظات وطن الثاني والعشرين من مايو المجيد.