الخضر عبدالله محمد
إن تفشي ظاهرة الغش في المراكز الاختبارية للمرحلتين الأساسية والثانوية بات من السهل ملاحظتها من قبل أي شخص يمر بجانب مركز اختباري ومن المؤسف له تحول معنى ومفهوم المراقبة عند كثير من المعلمين الذين يختارون لهذه المهمة . فبدلاً من الحيلولة دون تمكين التلميذ من الغش أصبح الكثير من هؤلاء مسهلين لهذه الظاهرة، اعتقاداً منهم إنهم بعملهم هذا يساعدون التلميذ ويعملون لمصلحته ، في الوقت الذي هم فيه يرتكبون حماقات كبيرة وجريمة لا تغتفر في حق أبنائنا لقد أصبح بعض المعلمين يصطحبون طلابهم عند تأديتهم للاختبارات الوزارية ويقومون بالإجابة على الأسئلة للمواد التي يدرسونها ومن ثم تعميمها بكتابتها على السبورة أو نسخها بآلات التصوير، وتوزيعها على الطلاب بعد توزيع أوراق الأسئلة بدقائق: الأمر الذي جعل الطالب ومن بعده طلاب السنوات التالية يركنون إلى هذا الأسلوب ولا يذعنون للنصائح والإرشادات التي تحثهم على التعلم وبذل الجهود في سبيله.. ولماذا يبذلون جهوداً وهم سيحصلون على النجاح وبأسهل الطرق؟ لقد قال لي بعض التلاميذ أنهم شاهدوا في المركز الذي يؤدون فيه اختباراتهم ما يضحك وما يبكي .. قلت لهم ، وكيف ذلك ؟.. أجابوا .. لقد سمحوا لنا باصطحاب الكتب وما يتعلق بالمادة التي تقوم بتأدية اختبارها ، وكانوا يأتون لنا بإجابات جاهزة من خارج القاعات، وفوق هذا شاهدنا من يقوم بالكتابة نيابة عن آخرين..
أليس هذا مضحكاً ومبكياً في ذات الوقت ؟! في بعض المراكز الاختبارية أساسية كانت أم ثانوية يقتصر دور التلميذ على الجلوس فوق مقعده في القاعة،واستلام أوراق الأسئلة ودفاتر الإجابة ، ثم ينتظر حتى تأتي إليه الإجابة يقوم باللعب بأقلامه وإصدار أصوات منه دون أن يبذل أدنى تفكير للإجابة وبين استلامه للأسئلة ووصول الإجابة على بعض الأسئلة مهما كانت سهولتها، لقد أصبح الكثير من التلاميذ/ الطلاب اتكاليين على غيرهم وراكنين تماماً على الغش.
الاختبارات بالذات الوزارية قد أفرغت مضمونها وأصبحت شكلية إلى درجة أن التلاميذ / يهابون اختبارات النقل التي تتم داخل المدارس أكثر منها، وتفشي ظاهرة الغش يجب أن لا تنظر إليها باعتبارها تتم خلال فترة معينة هي فترة الإختبارات، ثم لا نكاد أن ننساها وكأن أمراً لم يحدث بل يجب أن نمعن النظر في آثارها السلبية التي ستظهر في المستقبل ..والأمر كبير جداً يستحق أن نخافه.
إن انتشار الفساد في شتى مجالات الحياة أمر وارد في ظل مناخ مساعد على انتشاره.. ولكن أن يصل إلى إفساد التعليم أمر لا نستطيع استيعابه لأنه في نظرنا يجب أن يكون التعليم منزهاً عن هذا كله وبالتالي يجب أن يأخذ الطالب حقه.
لقد عزا الكثير انتشار ظاهرة الغش إلى كثير من الأسباب أهمها عدم إعطاء التلميذ حقه من التعليم مثل توفير المعلمين المتخصصين والكتب الدراسية في وقتها وتهيئة المناخ المناسب للتعليم، حتى يتفرغ التلميذ للتحصيل العلمي والمعرفي والبعض حمل المقررات الدراسية جزءاً منه نتيجة لتعقيدها ، وإلا أننا إذا أمعنا النظر لمم نتوقف أمام الأسباب سالفة الذكر ولكن نضيف إليها عدم قيام المعلم بواجبه كاملاً ،وغياب روح المتابعة من قبل الإدارات المدرسية، وقبول بعضها تحمل المسؤولية في ظل ما تعانيه مدارسها من نقص في المعلمين لبعض المواد بالذات العلمية منها وكذا افتقار مدارسنا لحلقة التواصل مع أولياء الأمور والمجتمع الذي تعيش فيه ، كما أن ولي الأمر يتحمل جزءاً كبيراً من هذه المشكلة لعدم تواصله مع المدرسة والاشتراك في تبني مشكلاتها ومتابعته لابنه ، ناهيك عن ضعف بعض الإدارات التربوية على مستوى المديريات والمحافظات في تحمل مهامها كاملة وحسمها للأمور.
كل هذا جعل التلميذ يدفع ثمنه باهظاً ويعيش في حلقة مفرغة غير مدرك مصلحته ، يصل به الحال أحياناً إلى تهربه من الدراسة لإفتقارها أسلوب الجذب والتشويق وعدم إشباعها لحاجاته علاوة على ثقته مسبقاً بالحصول على النجاح دون بذل أدنى جهد وعن طريق الغش ..هذا الثمن لم يدفعه الطالب فقط ولكننا سندفعه معه عندما تظهر نتائجه مستقبلا وأهمها : ظهور جيل لا يملك من تعليمه إلا الشهادات!!
استفسار نوجهه إلى وزير التربية والتعليم.. ماذا عملتم من إستراتيجية لمنع انتشار ظاهرة الغش وبالتالي القضاء عليها ،والتي تزداد كل عام بأضعاف عن ذي قبله؟
استفسارات نوجهها إلى أولياء الأمور.. ماذا تريدون من أبنائكم وقد اعتمدوا على الغش؟.. وهل يسركم هذا ؟.. وما هو دوركم لإنقاذهم؟ إن من مسؤوليتنا جميعاً جهات رسمية وغير رسمية وشخصيات اجتماعية ومواطنين يهمنا مستقبل أبنائنا ومستقبل هذا الوطن القضاء على هذه الظاهرة"..