معركة بني حشيش. . ورسالة قاسم منصر
عند العودة من ضوران أنس وبعد الزيارة الناجحة التي قمنا بها برفقة الوالد / محمد عكارس رحمه الله كانت القيادة تعد العدة للهجوم على منطقة بني حشيش بمشاركة وحدات وآليات كبيرة وذلك لمواجهة تلك التحركات التي كان يقودها قاسم منصر الذي أخذ صيته يتزايد في المنطقة وخارجها ، إضافة إلى ترويجات الأعداء المتزايدة له وأنه يمتاز بالحزم والمواقف الشجاعة إلى غير ذلك من أساليب الدعاية ، وبالرغم من معرفة الجميع بمدى عداوته وحقده على الثورة والجمهورية واتباعه أساليب قذرة من خلال استخدامه بعض العناصر من أصحاب النفوس المريضة ومجاميع أقل ما يوصفون به أنهم قتلة محترفون والذي كان يجعل منهم مصدراً لتهديد المواطنين خاصة المخلصين للثورة وعلى كل حال لا زلت أتذكر حينها عند ما أقدم على إرسال رسول من القرية التي أنتمي إليها ، وكان ذلك الرسول على غياب مستمر من القرية ومنذ فترة سبقت قيام الثورة المباركة يبحث لنفسه عن الحد الأدنى من المعيشة وبمجرد قيام الثورة وبرز قاسم منصر في مقدمة أعداء الثورة والجمهورية إذا به من المستخدمين المقربين له وكان ذلك المستخدم يدعى محمد حسين الأقعط وقد جاء حاملاً رسالة قاسم منصر إلي والتي يقول فيها: " الأخ النقيب/ أحمد فرج عليكم بالوصول إلينا أو التواصل معنا ما لم فقد أعذر من أنذر".
وكان توقيعه على الرسالة بعرض نصف قائمة البياض ، وكما أذكر أن الرسول الذي كان ينادينا بعبارة يا خال أحمد قد ألح علي قائلاً: يا خال أحمد لا تعاكس، الرجل مغامر ولا يهمه أي عمل إجرامي وقد ضحى بأناس كثيرين عندها سألته قائلاً: ماذا يعني بالوصول إليه أو مواصلته؟ فأجاب: أنه يريد مواصلته بمعلومات تفيدة فقلت له معلومات تفيده هو وتضر بأمن الوطن وأضفت مخاطباً الرسول ها أنا سأعرفك على غرفة نومي ويمكنكم متابعة دخولي وخروجي من صنعاء إلى البلاد ودائماً أخرج الخميس والجمعة وأنت عارف بمكاني في البيت وأنا في إستقبال من يرسل في هذا الخميس والجمعة ليضع لغمه تحت المكان الذي أنام فيه بالتحديد حتى لا يتضرر أحد في البيت أو القرية.
بعد ذلك طلبت منه إبلاغه بأن الزمان مهما طال أو قصر لابد من أن نلتقي وإن شاء الله يكون اللقاء في الجبهة وفي تلك الآونة كان الغرور قد دفع بقاسم منصر إلى توسيع رقعة تهديداته إلى عدد كبيرة من المناطق ومنها تلك المناطق التي تعرضت للعديد من المشاكل في آنس وعنس حتى لواء إب وغيرها من المناطق الأخرى، وعلى كل الأحوال فقد كان التحرك على ذلك الشخص أمر ضروري وأتذكر بأن القوة التي أعدت لذلك الغرض كانت من مختلف الوحدات اليمنية من "المشاة والمدرعات والصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية" بالإضافة إلى عدد من المسؤولين أتذكر منهم حسين المدفعي والمرحوم هادي عيسى وعدد كبير من ضباط الوحدات ، وكان ذلك في نهاية عام 1964م، وكانت بداية التحرك قد تقررت لتتمكن معها قوات الثورة والجمهورية من إنزال ضربة قوية بقاسم منصر ومن معه لاذوا بعدها بالفرار من جبل الطويل المشرف على صنعاء وتركوا مواقعهم التي كانت تعد إستراتيجية في المنطقة مثل" المرفقين لوادي رجام والمرفقين لوادي السر. . وغيرها" وأثناء تلك المعارك الضارية أظهرت القوات اليمنية بطولة واستبسالاً نادراً وتذكرت حينها تهديدات قاسم منصر والذي كان يعتبر في نظر البعض أسطورة لا تقهر.
وأعتقد بأن القوا ت اليمنية في ذلك الوقت قد وضعت في المحك الفعلي والحقيقي وأصبحت قادرة على مواجهة الموقف دون الحاجة إلى مشاركة القوات المصرية والاعتماد عليها ، وما نتج عن ذلك من تزايد إحساسنا وشعورنا بأن القيادة اليمنية أصبحت هي المسؤولة عن الثورة وحمايتها بعد اكتسابها الخبرات من القوات المصرية التي لا يمكن إنكار دورها في الدفاع عن الثورة اليمنية.
ويمكن القول أن القيادة اليمنية أخذت تتحمل المسؤولية تدريجياً أما بالنسبة لنا فعندما وصلنا إلى مدرسة المدرعات كان أغلب الزملاء في بني حشيش والذين عند عودتهم كانت علامات الإرهاق واضحة عليهم من تلك المعركة التي كان لهم شرف المشاركة فيها ، بعد ذلك أمرنا بالتحرك إلى بني حشيش لنحل محل الزملاء الذين كانوا في تلك المواقع وأثناء سيرنا كنا نتحدث مع رفقائنا عن رحلة المناطق الوسطى "معبر ذمار رداع ضوران" وعن وزير الدولة / محمد عكارس.
ويواصل قائلاً: وبعد وصولنا إلى الموقع الذي كان يتمركز فيه قاسم منصر ومن معه وهو سلاسل قاع ، الأطراف والذي توقف القتال فيه بعد هروب قاسم منصر وبما يزيد عن أسبوعين.
وبانتقال قاسم منصر إلى مواقع جديدة كان من الطبيعي والمتوقع أن يحاول الهجوم على الموقع الذي نحن فيه والذي كان يتواجد فيه حينها من ضباط المدرعات الأخ المقدم/ زيد الشامي والأخ الملازم / علي عبدالله صالح والملازم / عبدالولي حنيبر والملازم/ محمد علي سعيد والملازم / أمين علي سيف والملازم / محمد ريحان، إضافة إلى الواصلين الجدد وهم ملازم أول / أحمد فرج والملازم / عبدالله فرج والملازم / عبدالله اشومي والصف والجنود الذين كانوا مرافقين لنا سابقاً أثناء المهمة السابقة في المناطق الوسطى وهناك أيضاً ضابط الشئون الإدارية الملازم / حسين السري.
وبالفعل كان توقعنا في محله فما هي إلا أيام معدودة منذ وصولنا إلى الموقع وإذا بقاسم منصر يبدءا تحركاته قاصداً الاعتداء على الموقع وفي الحقيقة فقد كنت متشوقاً لتلك اللحظة لأنها كانت تمثل فرصتي الوحيدة لمقاتلة ذلك الرجل الذي سبق وأن أرسل إلي وأنا في منزلي في القرية رسولاً يحمل رسالة منه يهددني ويتوعدني فيها ، وكنت أنا حينها أقاتل على المدفع المتحرك "مارد الثورة" الذي أطلقت منه أول طلقة يوم السادس والعشرين من سبتمبر والذي هو الآن في مكانه الطبيعي ، في ميدان التحرير".
بعد ذلك بدأ القتال وأتذكر حينها بأنه كان عشوائياً طوال الليل والنهار ، وعلمنا فيها بعد بأن قاسم منصر سيقوم بزيارة لتفقد بعض المواقع التابعة له ، وكنت في ذلك الوقت أقدم الضباط عندما يتغيب المقدم/ زيد الشامي ، عندها أعطيت تعليمات لكل الدبابات بالاستعداد التام وتجهيز المدافع بإحكام في اتجاه مواقع المدفعية المعادية ، التي يتفقدها قاسم منصر والتعليمات بأن يكون الضرب جماعياً وفي وقت واحد فور صدور الأوامر بالضرب وبالفعل شاهدنا قاسم منصر الذي ما أن وصل إلى الموقع الذي تم توجيه مدافع الدبابات صوبه حتى أعطيت أوامري بالضرب، عندها أطلقت الدبابات قذائفها في وقت واحد وأحدثت أصواتاً مرعبة ومثيرة للغاية في تلك الجبال المحيطة بمسرح القتال إضافة إلى إحداث إصابات بالغة في أفراد العدو منها إصابة قاسم منصر بجروح فوق عينه اليسرى حسب المعلومات التي وردت إلينا بعد ذلك وكما شرحها لنا الأخ/ علي فرج بعد انضمام قاسم منصر للثورة فيما بعد.