د. عبد العزيز المقالح
يتضاعف الإحساس بالصدمة تجاه ما يحدث في الصومال "الشقيق"، والقوسان اللذان تقع بينهما كلمة الشقيق جاءا عمداً وقصداً إذ لا أحد يدري لمن يكون الصومال شقيقاً، هل للعرب الذين يتفرجون عليه وهو يغرق في الدم والفوضى؟ أم للأفارقة الذين يتجاهلون مأساته ولم يحاولوا مساعدته بل نهض بعضهم لمساعدة قوى أخرى؟ أم هو شقيق للمسلمين عامة؟
والصومال بلد إسلامي خالص للعقيدة السمحاء وخالٍ من الأقليات الدينية الأخرى، وإن بعض أبنائه لا يرعون في أنفسهم ولا في بلادهم وأشقائهم ديناً ولا عهداً ولا ذمة ابتداءً من أوائل التسعينات وحتى هذه اللحظة الراهنة في تاريخ هذا البلد الشقي بأبنائه وبطموحاتهم القذرة إلى السلطة.
وسوف يلاحظ المتابع لمأساة هذا البلد العربي الإفريقي الإسلامي أن المعارضة فيه تنقلب حكماً، وأن الحكم ينقلب معارضة، وأن الصراع والانشقاق ينموان في رحم الفئة الواحدة سياسية كانت هذه الفئة أم دينية، وأن المأساة التي نزلت بهذا الشعب الطيب زادت وتعمقت ووصلت ذروة المحنة بعد الإجهاز على جنود المارينز، وهو ما جعل دولة هؤلاء المارينز وولية أمرهم ودمائهم تعمل ليل نهار للانتقام من الشعب الصومالي وتصدير أقصى ما تستطيعه عبقريتها من أساليب الفوضى والاقتتال. ومن الواضح أن ثأرها على هذا البلد البائس لم ينم ولن يهدأ وأنها لن تترك فرصة للأمن والسلام حتى آخر مواطن صومالي مقيم على أرضه وحريص على البقاء فوق تراب وطنه.
إن نصف سكان الصومال- كما تقول بعض الاحصاءات- خارج وطنهم، وفي بلادنا السعيدة اليمن التي تعاني من فقر في الإمكانات، وشحة في الموارد قرابة مليوني صومالي، أغلبهم يعملون ويتوزعون في طول البلاد وعرضها. ولم يعد غريباً أن ترى شوارع المدن الرئيسة وقد امتلأت بطوابير من هؤلاء الأشقاء، رجالاً وأطفالاً ونساء يسيرون جنباً إلى جنب مع اخوانهم من ابناء هذا البلد يتقاسمون الهواء والغبار والرغيف "الناشف" وهي ضريبة لا بد أن يؤديها هذا البلد باقتناع وإخلاص، فقد احتضن الصومال عشرات الآلاف من المهاجرين اليمنيين في عهود ما قبل الثورة، وكانت أرض الصومال مأوى لكل من يضيق به الحال مالياً أو سياسياً، وجاء زمن رد الجميل.
ولكن على العالم أن يتبين أن ليس في اليمن أنهار ولا حقول شاسعة كما في الصومال، لكن أنهار الحب في قلب أبنائه وحقول المودة الواسعة في نفوسهم تغني عن الأنهار والحقول، وإن كان العبء كبيراً والنزوح يتواصل ولا أمل يبدو في حل قريب يعود معه الأمن والاستقرار إلى بلد ينتحر تدريجياً وتتم إبادته بيد أبنائه، وبترحيب من الدول الكبرى التي تريد له أن يكون عبرة لمن لا يطيع أسياد العالم وقادة حاضره ومستقبله.<