المراحل الأولى لبناء القوات المسلحة اليمنية
يقول المؤلف هنا: كل ذلك وبالرغم من الاستعانة الواضحة بعناصر أجنبية وتدخل سافر ومشين لبعض الأنظمة العربية إلا أن الشعب اليمني كان صامداً ومعه أبطال القوات المسلحة والأمن والمثقفين والواعين وشباب المقاومة وأبناء القبائل الشرفاء ، خاصة بعد أن تم وضع خطط دفاعية طويلة المدى بتوجيهات من القائد العظيم / جمال عبدالناصر طيب الله ثراه.
تلك الخطط والبرامج التي تم إعدادها بتعاون بين القوات المصرية اليمنية والتي سميت في حينها بالإستراتيجية الجديدة والنفس الطويل ، والتي كان لابد من وجودها لتلك المرحلة التي من أهم معالمها المعاناة والخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات.
وكما سبق توضيحه في الباب الثاني استهدفت هذا الخطة تقليل الخسائر إلى حد كبير بما في ذلك إحكام السيطرة على العاصمة والمدن الرئيسية ذات الأهمية مثل " تعز والحديدة " والسيطرة على المرتفعات الهامة المحيطة بالعاصمة ومداخل المدن الرئيسية بالإضافة إلى تجميع القوات التي كانت موزعة في مناطق عدة وتركيزاً على المثلث صنعاء الحديدة تعز، بتجمع القوات حولها خاصة صنعاء والحديدة ، والتي مثلت في حينها قوة ضاربة لأي تآمر أو اعتداء على القوات أو طرق الإمداد للمدن الثلاث.
ولعل من أهم معالم تلك الخطة وضوحها وعدم وجود جوانب غموض فيها مما مكن الجيش اليمني من استيعابها وتنفيذها، وبالتالي الحد من نشاط العدو الذي فقد صوابه وزاد من تآمره واستخدامه للمرتزقة الأجانب لوضع خطط معاكسة وظهور أول بوادر لها في أول أكتوبر 1967م ، إذا شهدت العاصمة مظاهرات وحصلت اشتباكات بين وحدات مصرية ويمنية وما نتج عنها من استشهاد وجرح عدد من الجنود المصريين ، وبدون أن يكون هنالك سبب أو مبرر لتلك الأحداث المؤلمة إذ كانت المؤشرات تعزي ما حدث إلى وجود اللجنة الثلاثية المنشقة عن مؤتمر الخرطوم والتي شكلت من ثلاث دول عربية هي " العراق والمغرب و السودان" وكانت لهذه الأحداث ردود أفعال غامضة وتذمر كبير في صفوف الضباط والجنود ووحدات القوات العربية في اليمن.
وبالرغم من كل ذلك إلا أنه من المستحيل أن يتطور الأمر إلى قتل الجندي المصري داخل العاصمة اليمنية من قبل الوحدات العسكرية اليمنية والاعتداء عليه من قبل تلك الوحدات التي تم إعدادها وتدريبها على أيادي صف ضباط وضباط مصريين، وعلى الفور عكفت القيادة المصرية بعدم الرد على هذه العملية التي وصفها الرئيس/ جمال عبدالناصر بأنها أقبح عملية عسكرية في التاريخ ، ومع كل تلك الأحداث إلا أنا وجدنا عبدالناصر حريصاً كل الحرص على مواصلة دعم الثورة اليمنية.
ولعل من أهم معالم تلك المرحلة وجود رغبة حقيقية في رفع أداء القوات المسلحة ، ولذا كانت تدار الكلية الحربية بصورة أساسية من قبل الأخوة / العرب من أبناء مصر الشقيقة، كما أن البرامج التعليمية والتدريبية كانت وفقاً لبرامج الكلية الحربية المصرية التي كانت على مستوى رفيع ، وأتذكر أن كبير الخبراء بالكلية هو الرائد/ علي وهدان الذي أثبت قدرته على إدارة شئون الكلية بكل ثقة في كفاءته على الإدارة إذ كان يعتقد بأنه من المغربين للمرحوم المشير / عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت وشهادة للتاريخ بأن الرائد / علي وهدان كان من أقدر العناصر في تنفيذ برامج الإعداد والتدريب ، وكان الجميع يهابونه ويضعون له حساباً خاصة الطلاب وبقية الجهاز التعليمي والإداري في الكلية.
وعلى ضوء ما سبق أستطيع القول بأن البنية الأساسية لبناء القوات المسلحة قد ترسخت بتأسيس القوات البرية ولواء النصر ولواء الوحدة وكذلك لواء الثورة ، هذه الألوية التي تم إعدادها وتدريبها في أرض الكنانة مصر ومن يتتبع تلك المرحلة وما أحيط بها يجد أن خيوط التآمر كانت لها أبعاد تخريبية ليس فقط على اليمن بل كانت تعم كل الوطن العربي خاصة تلك البلدان التي تخلصت من سيطرة الاستعمار والأنظمة الرجعية ذات الصبغة المختلفة إذ كانت الجمهورية العربية المتحدة بقيادة/ عبدالناصر هي الهدف الأول للامبريالية والرجعية التي كانت تركز على إجهاض التحولات التي قادها عبدالناصر ، وفي مقدمة ذلك دعمه للثورة اليمنية وخلق ثورة عربية شاملة باعتباره اليمن يتمتع بموقع إستراتيجي متميز وإصراره على تخليص الشعوب العربية من الاستعمار والتبعية.
العدوان الإسرائيلي. . وعودة القوات المصرية
في يونيو 1967م حدث العدوان الإسرائيلي الكبير على الوطن العربي والذي استهدف التوسع والمساس بالثورة والأرض العربية وما نتج عنه من احتلال مساحات واسعة من الأراضي العربية في مصر وسوريا والأردن وسيطرة العدو الإسرائيلي على كامل التراب الفلسطيني.
وعندها شهد الوطن العربي نكسة حقيقية قادها أعداء تنفيذاً لخطط واضحة هدفها الحد من انتشار الثورة العربية والسيطرة على مصادر الثروة في هذا الجزء من العالم. . وبالرغم من حجم القوات المسلحة المصرية التي واجهت العدوان ، إلا أن التآمر وأشكال الخيانات كانت في مقدمة العوامل التي أحدثت النكسة.
حينها أصدر الزعيم / جمال عبدالناصر قراره بعودة القوات المصرية من اليمن وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الخرطوم بين جمال عبدالناصر وملك المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت فيصل بن عبدالعزيز ، والتزام الجانب السعودي بعدم دعم الملكيين والمرتزقة، وتوقف مصر عن دعم الثورة والجمهورية.
وقد قوبلت هذه الاتفاقية بالرفض والشعور بخيبة الأمل في أوساط الجماهير اليمنية ، إذ قامت مسيرات شعبية رافضة لتلك الاتفاقية وأندس في صفوفها قوى مدفوعة من بعض القيادات التي كانت تجهل حجم التآمر على اليمن وثورته ، وكانت تهدف إلى استغلال هذه التظاهرات السلمية في زعزعة الأمن وبث الرعب في صفوف المواطنين خاصة في العاصمة صنعاء.
مخططات أعداء الثورة. . وبداية الحصار الفعلي
في هذه الآونة ركز أعداء الثورة على الجوانب التنفيذية لتحقيق أهدافهم في إحكام الحصار على صنعاء العاصمة التاريخية وبالطبع كان اعتمادهم وبصورة مباشرة على مجاميع المرتزقة ذات الخبرات العالية في وضع الخطط العسكرية وبالتعاون مع القيادات البارزة المحلية الموالية لأفراد النظام الإمامي.
ويمكن إبراز أهم معالم تلك الخطة في بعض الجوانب منها:
أولاً: إلزام مشائخ القبائل خاصة تلك المحيطة بالعاصمة بسرعة الالتحاق في صفوف الجيش الملكي ومن معه من مرتزقة.
ثانياً : توزيع المرتزقة والمغرر بهم على الاتجاهات الأربعة للعاصمة، وكان محمد بن الحسين القائد الأول والمسؤول عن تنفيذ الخطة خاصة فيما يتعلق بإحكام الحصار حول صنعاء وتوجيه الهجوم الشامل بعد إنهاك المدافعين عنها. <