فاروق مقبل الكمالي
بالتأكيد حين قلنا إن اليمنية توشك على مناطحة الجبال أو التحليق على الرمال لم نكن نتفاءل سوء تجاه ما كان يفترض أن تكون عليه اليمنية كشركة وطنية معززة وداعمة للاقتصاد الوطني.
وتأكيداً أكثر إننا كنا نود لفة عناية الجهات المسئولة في الحكومة كي تسارع إلى تدارك اليمنية وإنقاذها من وضعها الإداري المتآكل الذي تفوق نقاط الخلل فيه ما رصدته فرنسا من إختلالات في طائرة اليمنية - حسب مسئولين فرنسيين أنها تجاوزت ال 55 خللاً في طائرة واحدة -.
وتأكيدا أكثر بكثير كنا نود من ذلك التناول المسئول أن يكون بمثابة إشارة قوية نحو مكمن فساد مالي وإداري تلتقطه الهيئة العليا لمكافحة الفساد إذا كان ثمة وجود لمصطلح "الوطنية " ضمن تسميتها وتسارع بتلك الروح الوطنية لتدارك الخلل قبل أن يلحق عشرات الأرواح البريئة التي ليس لها ذنب سوى أنها وجدت في ابتسامات مضيفات "اليمنية " الأنيس المؤقت في رحلة محفوفة بالمخاطر.
لكن " لاحول ولا قوة إلا بالله، قدر الله وما شاء فعل "لا إدارة اليمنية- التي كانت تدرك صدق ومسئولية كل حرف وكل كلمة وكل جملة قلناها -قد عملت على تصحيح وضعها، ليس من قبيل الإذعان لما قلناه، ولكن من قبيل الشعور بالمسئولية وضرورة العمل على تجنب مالا يحمد عقباه، ومن قبيل تجنب الندم يوم لاينفع الندم، ولا الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي تريد من الإعلام والصحافة أن يكونا عينيها وأذنيها- قد سمعت أو رأت ما ذكر للعمل على تلافي وقوع ما وقع.
وبصراحة قد تكون إدارة اليمنية أمام صفر أرباحها مضطرة لأن تطير بجناح مكسور، وكان يجب ردعها بمسئولية وطنية عن القيام بمثل هذا التصرف الذي ستتكبد نتائجه الكارثية الخزينة العامة للدولة، بين قوسين الاقتصاد الوطني المتآكل لكن الذين كنا نأمل منهم أن يقوموا بهذا الدور لم يكونوا يلتفتون إلى واقع ما تقوله أوضاع "اليمنية " بل كانوا ينظرون إلى تلك الابتسامة التي حرصت إدارة تسويق "اليمنية " على أن تضعها في براويز فاخرة على أرصفة أهم شوارع أمانة العاصمة صنعاء وخلف زجاج مكاتبها التي غزت كل حارة من سوق الملح في صنعاء القديمة إلى ما بعد حديقة الحيوانات في دار سلم
ليست المسئولية مسئولية "اليمنية " مع إنها كذلك مهما قدمت إدارتها من مبررات، ومهما صرفت من تعويضات لن تكون قادرة على التعويض عن سمعة "اليمنية " كشركة طيران مستعدة للإقلاع في خدمة المسافر وإن كان على حساب أرباحها ولن تكون قادرة على التعويض من واقع تحول اليمنية إلى شركة طيران هي الأولى في العالم لمن بات يرغب فعلاً بالانتحار بين السماء والأرض؛ لكن المسئولية الآن مسئولية هيئة مكافحة فساد التي لا تعمل إلا بمزاج منقطع النظير وانتقائية صرفة قد تصل إلى حد طلب تكذيب ما نتناوله نحن الصحفيون من وقائع فساد أو من دحض اتهامات بالفساد ليس إلا.
الدليل على ما نقوله ليس في الصندوق الأسود لطائرة اليمنية المنكوبة a310) ) فنحن متأكدون أنه لن يتم العثور على هذا الصندوق قبل مضي أربعين سنة من اليوم لكن الدليل هناك داخل أروقة الهيئة المعنية بمكافحة الفساد في ميدان التحرير بأمانة العاصمة وهو ليس بعيدا جدا، وهذا الدليل يقول إن الهيئة العليا لمكافحة الفساد لم تحرك حتى الآن ساكناً لفتح ملف التهرب الضريبي والإعفاءات الجمركية التي يستولي عليها الفاسدون سنوياً، والتي يعول على تحصيلها الكامل غير المنقوص ولا المنهوب التخفيف من آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني، الدليل هناك داخل بريد رئيس مصلحة الضرائب حيث عشرات المذكرات من أعضاء في البرلمان يطالبون بتخفيضات ضريبية وهناك داخل مبنى الجمارك حيث تزور دفاتر المرور الجمركي وبيانات ومواصفات السيارات لتحرم الخزينة العامة من مليارات الريالات وملايين الدولارات ومكافحة الفساد لا تعرف أين تتحرك وحيث تحركت وضعت على نفسها القيود والمعوقات وكأنها تريد رئيس الجمهورية ينزل بنفسه إلى تلك الجهات المنيعة ويفتح ملفاتها للهيئة وموظفيها.
والدليل أيضاً أن ثمة فساداً في شوارع أمانة العاصمة وحدها يستنزف سنويا مبلغ 3مليارات و60 مليون ريال على الأقل إتاوات غير قانونية على مالكي وسائقي باصات وحافلات الأجرة، وأن نفس المبلغ أو ضعفه حقيقة من رسوم المخالفات المرورية في أمانة العاصمة وحدها يذهب هدرا في أرصدة رجال مرور عرفوا كيف يزورون دفاتر قسائم المخالفات، ومكافحة الفساد تركب طيران اليمنية ولاعلم لديها بما يجري في شوارع المدن اليمنية بل وفي أقرب الشوارع إليها.
فمن يقول إن نكبة "اليمنية " مسئولية إدارتها فقط، والعالم من حولنا ونحن قلنا ووكالة رويترز قالت وسوف يقال إن هيئة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي علقت في فبراير ترخيصا لليمنية لصيانة طائرات مسجلة في الاتحاد الأوروبي بعد ما فشلت في عدد من عمليات التفتيش الخاصة بالمراجعة وقد كان بإمكان الجهات المسئولة من الحكومة إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد التحقيق في الأمر، التقصي في الأمر ، التحري بالأمر لمعرفة ما إذا كان ثمة فساد قائم أو أن على متن اليمنية فئران أو حتى عيدان قات وليس وضع مالي وإداري كارثي ممنهج أو ميمنن يدفع بالمهندسين والفنيين المسئولين عن صيانة طائرات اليمنية إلى مغادرة عملهم نهائياً والالتحاق بشركات أخرى، وحينها فقط كان يمكننا أن نتجنب كارثة بحجم طائرة "ايرباص".