شهاب الدين المحمدي
الإهداء إلى القاضي / حمود بن عبدالحميد الهتار - وزير الأوقاف والإرشاد على وجه الخصوص وبقية الوزراء على وجه العموم.
المعاناة اليوم تجتاح كل شيء فينا والأعاصير الهوجاء تدمر كل ما حولها والجرع تسري في هذا الشعب المطحون بمآسيه التي لا تنفد كسريان النار في الهشيم، والفساد يغرق البلاد والعباد ويحني الأعناق المشرئبة ويلوي السواعد الفتية وينخر كالسوس في أغلب أجهزة الدولة من مؤسسات وهيئات ووزارات وهلم جرا- ولا حول ولا قوة إلا بالله - وفي ظل هذه المرحلة المريرة والفترة العصيبة، نحاول الهروب من معاناتها ونكباتها وجرعاتها وأزماتها وضنك معيشتها، ولذلك نحن دائماً نروح عن أنفسنا، ونتسلى بسرد الماضي ووقائعه التي كانت تعبيراً عن الشموخ والإباء والعزة والكبرياء،ومن هذا المنطلق فإن أمل الهروب من هذا الواقع قراءة التاريخ ومطالعة الإصدارات والمؤلفات التي كانت تمتاز في مراحلها المختلفة بفقدانها لما نعانيه اليوم.
وأنا معجب جداً بقراءة الكتب ومطالعتها وكان آخر كتاب قديم شغفت بقراءته مرة أخرى هو ال200 فكرة للكاتب المعروف المرحوم/ مصطفى أمين ولشدة إعجابي بمواضيع هذا الكتاب ولأنها سجية زرعتها المرحلة فينا، أحببت أن يعجب القارئ بما أعجبت به علَّ ذلك يعكس في نفوسهم شيئاً واحداً وهو حاجتنا لأنفسنا كبشر، ولهذا أنقل لكم من هذا الكتاب ما يناسب هذه الفترة أو كما يقال موضوع الساعة وكذا ما أعجبني ووعدتكم به معاشر القراء الأعزاء. .
قلت للوزير العربي "إعمل لوزارتك كأنك ستبقى وزيراً إلى الأبد. . واعمل للشعب كأنك سوف تستقيل غداً".
عيب مقعد الوزير في بلادنا إنه مقعد مسحور ، لا تكاد تجلس فوقه حتى تتصور أنك مخلد إلى الأبد ، وفي كل يوم يرتفع بك المقعد إلى أعلى وينخفض الناس من أمامك حتى يجيء يوم يعلو المقعد علواً شاهقاً فلا ترى الناس الذين أصبحوا تحت ولا تسمع إلا صوت الذين يجلسون معك من فوق. . لو كان الأمر بيدي لجعلت مقاعد الوزراء كلها من النوع"الهزاز" حتى لا يشعر الوزير فوقه بالاستقرار فلا يتنمر ولا يتجبر ولا يتكبر.
ولو كان الأمر بيدي لعلقت أمامه لافتة مكتوباً عليها بالخط الكبير"لو دامت لغيرنا ما وصلت لنا".
ولو كان الأمر بيدي لبدأت عملي الجديد بزيارة الوزير السابق وجميع الوزراء الذين سبقوني في تولي هذه الوزارة وقلت لهم إنني جئت أتعلم منكم وأن المثل يقول:"إن الوزير الذي هو أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة"هو مثل محترم في تاريخ الوزراء !كم من وزير أضاع نفسه وأضاع مستقبله عندما بدأ عمله بهدم ما عمله سلفه الوزير وبالبحث عن أخطاء الذين سبقوه.
إن مهمة الوزير في كل بلاد العالم أن يكمل ما بدأه الوزير السابق لا أن يهدمه ويلغيه، وبعض الوزراء يحرصون أن يكون معاونوهم من الأقزام أهل الثقة لا أن يكونوا من العمالقة أهل الخبرة،وقد دفعت بلادنا خسائر كثيرة نتيجة الاعتماد على أهل الثقة ومطاردة أهل الخبرة، واحتضان الأقزام، وإعلان الحرب على كل مدير عام أو مدير إدارة تصل قامتهما إلى قامة الوزير وكذا موظفيه وقد كانت النتيجة أن أصبح الوزراء أصغر كثيراً من الوزارات مع أن المفروض أن يكون الوزير أكبر كثيراً من الوزارة التي يتولاها ، وأنصح كل وزير أن يكون شجاعاً بالاعتراف بأخطائه لا أن يكون جباناً يدافع عن الأخطاء والأغلاط ويعتبرها مفاخر يستحق من أجلها الأوسمة وحفلات التكريم.
وأخيراً أنصحه أن يعرف أنه خادم الشعب لا سيده. . إن الذين حاولوا أن يدوسوا الشعب بأقدامهم داستهم الأقدام. . والله المستعان.