يواصل المؤلف حديثه في هذه الحلقة عن بعض المناصرين للملكيين والذين كانوا يطلقون الإشاعات لإحباط الثورة حيث كان أحدهم في اليوم التي ستقوم فيها قوات الملكيين باقتحام جبل نقم والسيطرة على صنعاء، ويشير إلينا قائلاً: إنكم واهمين وما عليكم إلا الانضمام إلى المجاهدين والمناصرين للملكيين.
وهذا الحديث والأسلوب كان بالنسبة لنا ليس بالغريب وقد سمعناه من بداية الأيام الأولى لقيام الثورة والجمهورية.
وبالطبع كان ردنا يهدف في الأساس إلى التوجيه والإرشاد مدركين حجم التأثير النفسي لتلك الأساليب التي تستخدمها عناصر الإمامة في مخادعة المواطن الأمي واستغلال التخلف الشامل في السيطرة على عقول غالبية الناس، ونضع أمامهم ما خلفه النظام الإمامي وما أحدثه من تخلف وعزلة ، وأن تعاونهم مع غلول الإمامة والمرتزقة أمر في غاية من الخطورة وخطأ كبير له آثاره سلبية على اليمن والمنطقة على وجه الخصوص، ويستمر الجدل حتى شعرنا بأن زيادة الحديث معهم ليس فيه أي مصلحة بالنسبة لنا،وبالأخص في يوم 26/11/1967م والذي نعتبره من الأيام المشؤومة، وقد أستمر الحديث والجدل إلى ابن الإمام الحسن بن الحسين، وطلب من الحاضرين الرحيل مع النساء والأطفال إلى الجبال والتزود بالخبز والدقيق بما فيه الكفاية ولعدة أيام وذلك تنفيذاً لتعليمات ابن الإمام وسوف تتلوها إن شاء الله خطوات أخرى ، عندها تأكدنا نحن والأخ/ عبدالله فرج بانه من الصعب جداً إقناعهم للعدول عن ما هم عليه وتمكنا من تحديد الوقت الذي نستطيع من خلاله الخروج فيه من القرية للعودة إلى صنعاء.
تلاشي أحلام أعداء الثورة في السيطرة على مداخل العاصمة
في الساعة الثالثة من صباح ذلك اليوم تحركنا من القرية نحو صنعاء ، وأثناء ذلك سمعنا تبادل إطلاق نار في اتجاه جبل نقم وتذكرنا حديثهم السابق عندما أخبرونا بأن الليلة سوف تشهد احتلالهم بجبل نقم واليوم التالي دخولهم صنعاء لتعود الإمامة من جديد.
وفي منتصف الطريق سمعنا مجاميع يتكلمون بأصوات مرتفعة وكل واحد منهم يشرح للآخر ماذا عمل في ذلك الهجوم على جبل نقم وأتذكر بأن تلك المجاميع كانت تسير في نفس الطريق الذي نسلكة نحن للعودة إلى صنعاء، عند ذلك كان من الواجب إتباعه تحاشياً للاصطدام بهم سالكين جانباً آخر من الطريق ، حيث اتضح لنا بأنهم من المجاميع المكلفة بغزو مواقع جبل نقم.
وتبادلت مع الأخ/ عبدالله فرج الحديث وما يجب عمله لمواجهة الموقف؟ طالباً من إطلاق النار في حالة تعرضهم لنا، فقد تم الإتفاق على تجاوزهم مواصلين السير حتى وصلنا إلى مواقع تعرضهم لنا، فقد تم الاتفاق على تجاوزهم مواصلين السير حتى وصلنا إلى مواقع الحفاء، عندها شاهدنا دبابتين ومدفعاً بجوار الطريق وفي موقع يلفت النظر استفسرنا الجنود المكلفين بحراسة نقطة الحفاء عن تلك الدبابات ومن أين أتت، ومن هو المسؤول ؟
فتأكدنا بأنها وصلت من ريمة حميد، أما بخصوص المسؤول أتضح لنا بأنه غير معروف بالنسبة لهم والذي كان حينها في خيمة بالقرب من الدبابتين ونقطة الحراسة والذي سمع ما يدور بيننا وبين الجنود فأسرع بالخروج من خيمته،وإذا به الأخ/ يحيى بيدر ومعه الأخ/ محمد صالح الكميم الذين قرروا الانسحاب إلى موقع الحفاء بعد ما أبليا بلاءاً حسنا حتى نفذت عليهما كلما كان بحوزتهما من ذخائر ووقود وهما يقاتلان ،وطلبنا منهما معرفة ما حصل؟ وهل هناك تحرك من الملكيين في هذا الاتجاه؟ وكان الرد بعد وجود ملكيين وإنما أبناء المنطقة "ميلكوا" أو طلبوا دخول الملكية إلى بلادكم.
وفي نفس اللحظة سمعنا مرور دانات المدافع " الهاوزر" ذات العيار الثقيل وهي تمر من فوق رؤوسنا لتتفجر بجوار المواقع ، وأتضح بأن مصدر أعداء الثورة الذين يتواجدون ما بين ريمة حميد وحروة ، وفي مكان منخفض تكسوه الأشجار، والأكثر من ذلك كانت هذه الأسلحة جديدة ولم نسمع دويها من قبل، وأن من يتعامل معها من رماه هم خبراء أجانب ومرتزقة ،وقد أتضح لنا من دفة التصويب في اتجاه مواقع المدفعية والتي كان يقودها الأخ/ عباس العماد الذي كان حينها برتبة ملازم ومعه ضباط آخرون.
عندها ما شاهدنا الإنفجارات الغربية والجديدة بالنسبة لنا وكثافتها عندها تذكرنا ذلك الحديث الذي دار في البلاد مع جماعة من المغرر بهم.
وما أشاروا إليه بأن الهجوم سوف يتم خلال يومين على صنعاء قلنا ربما هذا هو بداية مخطط الرجعية ومن يقف معهم من قوى خارجية ومرتزقة ومعهم المغرر بهم لتنفيذ ما يهدفون إليه.
بعد ذلك تم توديع الأخوة الزملاء في موقع الحفاء متجهين صوب مدرسة المدرعات وبالتالي إبلاغ الزملاء في المدرسة بما حدث حتى يكون لديهم علم بأن الدبابات التي في سنحان قد انسحبت ما عدا واحدة للملكيين الاستيلاء عليها بعد أن أصيبت بعطل ،وفي المدرسة التقينا بالأخ/ أحمد مطهر مدير المدرسة وعدداً من الضباط وأطلعنا مدير المدرسة على الموقف وما شاهدناه خلال الرحلة، إلى البلاد بما في ذلك أحداث الطريق ،وأتضح بأنهم على اطلاع كامل بما يحدث ولم يحصل منه على أي توجيهات لتعزيز مواقعنا الدفاعية وبعد نقاش وتدارس الوقف مع الأخوين قائد سلاح المدرعات وقائد الكتيبة الأولى مدرع، وجدنا من الجميع تحمساً وبالتالي ضرورة التحرك وأتذكر بأن معنوياتنا في ذلك اليوم كانت في أدنى مستوى لها حيث كانت الدعاية والترويجات بأن العاصمة صنعاء على وشك السقوط وهذه الشائعات التي هي من ضمن الهجمة الشرسة التي كنا نعتبرها ظالمة يدفع بها أعداء الثورة خاصة بعد أن تزايدت الأخبار داخل صنعاء بأن الملكيين في طريقهم نحو صنعاء ل إيذاناً بعودة النظام الملكي من جديد!
والواقع رافق ذلك انخداع مجاميع من المواطنين وقيام العديد من العملاء بقطع الطرق الرئيسية وتشديد الحصار على العاصمة إلى غير ذلك من الأساليب التي كان مصيرها الفشل وفي نفس الوقت أقدمت قوات الداخلية والأمن بحملة واسعة واعتقال مجاميع من العملاء والمشبوهين وكان الأخ/ عبدالله هو وزير الداخلية في تلك الفترة الصعبة من مسيرة الثورة والجمهورية وكان لهذه الخطوة أثر كبير في تخفيف حدة الشائعات كما كانت بمثابة التجديد لحيوية الثورة وارتفاع معنويات أفراد القوات المسلحة والمواطنين الشرفاء لمواصلة مرحلة الدفاع عن الجمهورية ، بعدها تحركت أنا نحو الإذاعة لأتلقى بالزملاء هناك شارحاً الموقف والمعلومات التي حصلنا عليها بما في ذلك أبعاد حجم المؤامرة التي يقودها المرتزقة في تشديد الخناق على العاصمة من كل الاتجاهات وصولاً إلى تخفيف أحلامهم في إسقاطها.