أشرنا في الحلقة السابقة إلى محاولة الموالين للنظام وأعداء الثورة محاصرة صنعاء وهنا يقول المؤلف: وفي هذا السياق كانت هناك تحركات مشبوهة من منطقتي بني مطر والحيمة، وبالتالي توقعات بقطع طريق صنعاء الحديدة الشريان الرئيسي والإستراتيجي للعاصمة صنعاء في أي وقت كل ذلك زادنا قلقاً، عندها تذكرنا من جديد ما سمعناه أثناء زيارة البلاد وأن ذلك الكلام قريب للحقيقة أو يكاد أن يكون الحقيقة بذاتها.
الذهاب إلى جبل نقم ومنه العودة إلى الإذاعة
ولمواجهة الموقف وإيماناً مني بضرورة مواصلة الدفاع عن الثورة والجمهورية باعتبار ذلك هو الهدف ولا مفر منه.
كنت أفكر في النتائج العكسية التي قد تحدث فيم لو تحقق لأعداء الثورة وأهدافهم، فتقدمت إلى الأخ المساعد/ علي الحبيشي طالباً منه الإذن للذهاب إلى نقم. . وتردد باعتباري من ضمن القوة المتواجدة والمكلفة بحماية الإذاعة. . بعد ذلك سمح لي بيومين إلى ثلاثة أيام في حالة التأكد بأن الطبيعة خاصة بعد تلك الخبرة التي اكتسبتها في الماضي. . المعرفة نوايا الأعداء وخططهم، كنت عندها في أتم السعادة لمعرفة تحركات الملكيين ومدى صحة تلك الخطط التي سمعنا عنها وهل لديهم القدرة على التنفيذ؟ وكان مكوثي في نقم حوالي سبعة أيام وعلى وجه الخصوص في موقع المرماحة الذي تعرض لعدة هجمات في الأيام التي بقيت فيها.
وتأكد لي بأن تلك الهجمات غير فعالة تفتقر إلى الهدف بالإضافة إلى كونها قوة غير منظمة. وبعودتي إلى صنعاء الإذاعة كان الحصار الفعلي قد بدأ يقطع طريق الحديدة صنعاء وكذلك طريق صنعاء مأرب، وما نتج عن ذلك من استقبال الإذاعة لقصف مصدره المرتفعات الشرقية المطلة عليها والتي سيطر عليها المدعو/ قاسم منصر الذي تمكن من خلاله من إرسال مجاميع للتسلل إلى صنعاء وبالأخص باب شعوب وقمرية الدجاج، كما أن طريق صنعاء الروضة من الأخرى كانت تتعرض للتقطعات من وقت لآخر.
ولتشدد المعارك مع أعداء الثورة كانت تحزم المعركة لصالح قوات الثورة والجمهورية لتنال فلول الرجعية والمرتزقة الهزيمة بقيادة المدعو/ قاسم منصر التي كانت تحاول بين فترة وأخرى استعادة التنظيم والإعداد إلا أنها كانت تصاب بالفشل عند كل محاولة.
وفي هذا الآونة كانت تشكيلات المقاومة تأخذ في التوسع إضافة إلى تدريب أفرادها في العديد من المعسكرات والمدارس العسكرية التي كانت موجودة وبالتالي توزيع كل من يكمل التدريب إلى المواقع الأمامية وفقاً للحاجة والأولوية.
ومن الجدير بالذكران أن المقاومة الشعبية شكلت لها قيادة من المعسكريين والمدنيين، إذ التحم الجميع في مواقع عديدة وساهمت المقاومة بالعديد من الشهداء وكان لكل أفراد المقاومة الشعبية أدوار ومواقف بطولية من خلال تنفيذ واجباتهم المحدودة.
هذا ما شاهدناه وتعايشنا معه أثناء فترة الحصار ، وأيضاً ما سمعناه عن دور وجهود المقاومة الشعبية في المحافظات الآخرى وتحركاتهم لمنع عناصر وأعوان النظام الإمامي من زرع سمومهم وإشاعة الذعر والخوف فيما بين المواطنين التي كانت عاصمتهم تعاني من الحصار والعزلة عن بقية مناطق اليمن.
ولا يغيب عن الذهن بأن المقاومة الشعبية لعبت دوراً أساسياً في الدفاع عن الثورة إلى جانب القوات المسلحة والأمن وكانت المقاومة الشعبية بمثابة الرافد الرئيسي من العنصر البشري لترويد القوات المسلحة والأمن والمواقع ، إضافة إلى المشاركة الفعالة في الموجودة في العاصمة بما في ذلك القيام بالدوريات الأمنية في شوارع العاصمة وأحيائها، وتوزيع المواد التموينية على المواطنين.
ونتج عن ذلك تزايد واضح في شعور المواطن بالأمان والاطمئنان وتعاونهم في متابعة المشبوهين.
كما كانت المقاومة الشعبية في المناطق والمحافظات التي تشكلت فيها تقوم بدور وطني بارز ولذا أظهرت المقاومة الشعبية إيماناً دون استثناء، وكان ذلك الشعار الوطني الذي ساد مرحلة السبعين وهو "الجمهورية أو الموت" هو شعار كل أبناء الوطن الواحد على امتداد الخريطة اليمنية بما في ذلك تلك المحافظات كما يمكن القول والتأكيد بأن شعار الجمهورية أو الموت لم يكن للمزايدة وترديد الشعارات الفارغة غير الهادفة، إذ وجد نفسه وظهر نتيجة لمرحلة حرجة في حياه الشعب والأرض اليمنية، وكانت التضحية الكبيرة دليل الإيمان بالثورة والجمهورية والتأكيد على أحقية الشعب اليمني في النمو والتطور حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وعودة إلى تشكيلات المقاومة الشعبية التي تسلحت بالتدريب العسكري إضافة إلى الإيمان الراسخ في النفوس بالثورة والجمهورية إذ اتضح ذلك في سرعة اكتساب المعرفة العسكرية وتنفيذ التعليمات والأوامر العسكرية التي كانوا يتلقونها من المسؤولين عليهم وكنا نشاهدهم وهم ينفذون واجباتهم في مواقع صعبة ،وطقس بارد جاف خلال أيام وأشهر الحصار.
وكانت نسبة كبيرة منهم لا يجدون الملابس التي تقيهم من شدة وقسوة البرد والطقس السيئ في ساعات الليل الطويلة.
كان التعامل مع مجاميع كثيرة منهم عندما كانت الإذاعة تتعرض للقصف المدفعي الشديد والدور الوطني والمشاركة الفعالة التي كانت بالنسبة لنا بمثابة الدعم القوي.
الأستاذ/ أحمد دهمش. . ومواقف يخلدها التاريخ
كانت هناك مواقف بطولية يخلدها التاريخ وحيث لا يقتصر ذلك على من ينتمي للقوات المسلحة فقط، حين وجدنا مواقف شجاعة ونادرة يصعب علينا وصفها بمجاميع من المثقفين والوطنيين ومنهم الأخ الأستاذ/ أحمد دهمش والذي تحول من وكيل وزارة الإعلام إلى جندي ومقاتل يعمل على إرساء قواعد الثورة والجمهورية مضحياً بكل غالٍ ونفيس في سبيل إبقاء الإذاعة صامدة عندما حاول أعداء الثورة الاستيلاء على الإذاعة، وبالتالي تحقيق مخططهم في إسقاط صنعاء لأن الإذاعة كانت هي صوت الثورة إلى كل أرجاء اليمن والعالم من حولنا.
لقد كانت الإذاعة تتعرض للقصف في اليوم من ثلاث إلى أربع مرات خلال الصباح ووقت الظهر وقبل الغروب وكأنها وجبات منتظمة، ومع ذلك كان كل من في الإذاعة من عناصر فنية وقيادية ومذيعين على مستوى المسؤولية يضربون المثل الأعلى في أداء واجباتهم، والمشاركة الفعالة في الدفاع عن مكوناتها والمحافظة على الأجهزة والمعدات وصيانة ما يتعرض منها للقصف. <