د. عدنان بكرية
يبدو أن التعاطي الاسرائيلي العنصري مع فلسطينيي الداخل من خلال سن قوانين "ابرتهايدية" عنصرية بات أمرا يثير القلق ويدعو الى الحذر والتيقظ، خاصة وان سلوك التعاطي يحظى بإجماع المجتمع الاسرائيلي وأحزابه السياسية من أقصى يمينها الى وسطها.
رئيسة الوزراء السابقة تسيبي ليفني أعلنتها في أكثر من مناسبة بأنها تسعى الى انتزاع اعتراف عربي "بيهودية الدولة" ووضعت هذا الاعتراف كشرط لاستئناف مفاوضات السلام مع الطرف الفلسطيني، متابعة ان مكان فلسطينيي الخط الأخضر هو الكيان الفلسطيني ولا مكان لهم داخل وطنهم الأصلي! في إشارة واضحة وصريحة إلى نيتها تهجيرنا!
اليميني الفاشي "ليبرمان" اشترط دخوله الائتلاف الحكومي مع "نتنياهو" بلجم فلسطينيي 48 من خلال سن قوانين عنصرية جديدة تحد من حركتنا. .
وفعلا شرعوا بسن هذه القوانين أو اقتراحها لبحثها في الهيئة العامة للكنيست. وهنا نشير إلى أن معظم أعضاء الكنيست يؤيدون سن مثل هذه القوانين، لا بل يذهبون للمطالبة بإقرار قانون يهودية الدولة والذي يعني نسف شرعية وجود مليون ونصف المليون فلسطيني ممن بقوا على أراضيهم عام 1948! ويعني أكثر من هذا نكبة جديدة سترتكب بحقنا سوف تحمل الكثير من التبعات والإسقاطات.
لا يمكن مواجهة هذه التحديات الصعبة بالبيانات والخطابات والمهرجانات الاستنكارية! ولا يمكن الصمت على هذه المخططات واعتبارها مجرد هرقطات صهيونية غير قابلة للتنفيذ كما يدعي البعض. . . بل يجب التعاطي معها بحجمها الطبيعي لئلا تتكرر النكبة ونجد أنفسنا بين جموع إخوتنا المشردين! وسؤالي: من الذي سيمنع اسرائيل ويردعها عن تنفيذ مخططها ضدنا؟
الوضع العربي والفلسطيني والدولي اليوم أسوأ مما كان عليه عام 48 عندما ارتكبت النكبة الأولى. . انقسامات ولا مبالاة. . تقاطبات عديدة تدفع ثمنها الشعوب العربية والاهم الوضع الفلسطيني المتردي. . كل هذه الأجواء تسهل على اسرائيل تنفيذ مخططاتها دون حسيب أو رقيب خاصة وان الوضع العالمي يسير بصالحها. .
المؤسف أن السلطة لم تصدر أي موقف رسمي عملي بهذا الخصوص بل إن موقفها راوح بين التأتأة والصمت وأحيانا التجاهل وكأن أمرا لم يحدث وكأننا لسنا جزءا من القضية الفلسطينية!
لقد ذهب الرئيس أبو مازن الى ابعد من ذالك عندما صرح بأنّ الفلسطينيين في مناطق ال48 هم "عرب إسرائيل"، ولا دخل لهم في حل القضية الفلسطينية، وأنّ مواقفهم المتشجنة لا تساهم في صنع السلام مع إسرائيل، على حد تعبيره وكأننا هبطتنا على هذه الأرض من كوكب آخر وليس لنا إخوة في الضفة والقطاع والشتات وبأننا مجرد رقم اسرائيلي يمكن تقليصه بعملية تهجير وتشريد! يتعاطى معنا وكأننا غرباء ولسنا جزءا من الجرح الفلسطيني النازف!
خطاب نتنياهو الأخير جاء ليضع النقاط على الحروف عندما عاود إعلان "يهودية الدولة" ليضع العالم أمام حقيقة نيته ونية الحركة الصهيونية بالعمل على تنقية الدولة من الغرباء كما يدعون للحفاظ على يهوديتها الصافية! والمؤسف حقا أن العالم العربي لم يخطُ خطوة عملية واحدة باتجاه رفض توجه نتنياهو مثل سحب المبادرة العربية التي تعفنت في الدرج!
بيانات الاستنكار والرفض التي أصدرتها بعض الجهات العربية لن تردع نتنياهو وزمرته عن المضي قدما نحو تجسيد مشروعهم التصفوي بل على العكس تماما فإنها تشجعه على تنفيذ مشروعه التهجيري ما دام الموقف العربي بهذه الميوعة والليونة!
يحدثنا أجدادنا عن قوات إنقاذ عربية دخلت عام 48 فلسطين لمساعدة أهلنا على الصمود. . . لكنها في النهاية شجعتهم على الرحيل منفذة قرارات قياداتها ببيع فلسطين. . فهل سيكون الموقف العربي هذه المرة شبيها بالموقف عام 48. . ؟ أم أننا سنباع هذه المرة في بازارات تصفوية تحت خيمة السلام المزعوم؟!
المثل يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك" وان أي رهان على الموقف العربي او الدولي سيكون رهانا خاسرا. . حتى لو صرخ العرب بأكملهم فان هذا الصراخ لن يردع نتنياهو عن مخططه ولن يغير من الحال شيئا! فاسرائيل تتعاطى مع ملف فلسطينيي الداخل بنفس الأهمية التي تتعاطى فيها مع ملف ايران وحزب الله، وترى في وجود مليون ونصف المليون فلسطيني داخلها اكبر خطر عليها وعلى مستقبلها!
اسرائيل لن تتورع عن تنفيذ مخططها وبسهولة ما دمنا حتى الآن لا نملك الآلية لإفشال هذا المخطط، وقيادتنا المحلية لا تضع على أجندتها أية خيارات لمواجهة التحديات، حتى أنها تتعامل بلامبالاة مع تصريحات نتنياهو! وكأنها "مزحة"!.
قيادات الأقلية الفلسطينية هنا مطالبة اليوم بترك لهجة الاستنكار والارتقاء الى مستوى الحدث والتعامل معه بحجمه الطبيعي دون استهتار وعبث، وهي مطالبة أيضا بصياغة برنامج إعلامي سياسي لتدويل المشكلة وعدم الاكتفاء ببيانات الاستنكار والتنديد. . <