عصام المطري
في النظم الديكتاتورية الحاكمة تضايق المجاميع السياسية والفكرية والثقافية المخالفة ، وتعلو بذات التسلط السياسي من قبل الحاكم الذي يملك كل شيء، ويسخر كل شيء لخدمة مآربه الشيطانية، فهو المتفرد بالقرار السياسي، وهو صاحب النظام السياسي أُحادي النزعة السياسية ، وهو صاحب الشمولية بيد أن الأمر من المفترض أن يختلف في النظم الديمقراطية الحاكمة التي تنزع إلى إشاعة أجواء الحرية السياسية والفكرية والثقافية ، وتبني الوطن من خلال تجنيد مبدأ التداول السلمي للسلطة، فهي لا تظن أن كل شيء يدخل في ملكيتها الخاصة إنما هي أجيرة عند الشعب تنظيم عملية الحكم والتعدد السياسي والفكري والثقافي ، وترعى عملية التداول للسلطة سلمياً بين الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاعلة في البلاد ، بيد أن الأمر يختلف تماماً في النظم الإسلامية والعربية الديمقراطية إذ يعتقد حزب السلطة أن كل شيء يدخل في ملكيته وأنه يملك الوطن والمواطن والأحزاب والتنظيمات السياسية حيث يتفرد حزب السلطة بالقرار السياسي تماشياً مع الأُحادية السياسية والشمولية التي اختلقها وما أنزل الله بها من سلطان هذا فضلاً عن ممارسته للتسلط السياسي في حق القوى والفصائل والأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة، فإذا قررت تلك الأحزاب خوض غمار الانتخابات الرئاسية نعتها بالمتآمرة، وأنها تحضر لانقلاب سياسي وشيك أما إذا قررت عدم الدخول في الانتخابات لعملها المسبق بأن الانتخابات في ظل النظام السياسي القائم ما هي إلا تحصيل حاصل فإنه ينهال عليها بالألفاظ المقززة ويصفها بالأحزاب المعادية لمشروع النهضة والتقدم، وهو بهذا يتناقض مع نفسه، ، فالنظم العربية السياسية نظماً فاسدة لا تمثل شعوبها خير تمثيل بل تقف ضد تطلعات وطموحات الشارع السياسي الإسلامي والعربي ذلك لأنها تجسد الديكتاتورية بلباس الديمقراطية، وتجسد الأحادية السياسية والشمولية السياسية وتعتقد أن الوطن بكل ثرواته وخيراته ملكاً لها لذا فهي تسرع في الإنجاز على الثروات ، وتسخر كافة الإمكانات وجل الطاقات لخدمة الحزب الحاكم.
إن النظم العربية نظم مقرفة لا تراعي مشاعر وأحاسيس المواطن الإسلامي والعربي وتضرب طموحاته وتطلعاته عرض الحائط ذلك لأنها نظماً منغلقة على الذات ومتكاتفة عليه ولا تراعي حسابات وتدور حول فلك البيت الأبيض وتتلقى منه التوجيهات لذا فهي على خصام مع المد الإسلامي الكبير، وتتآمر عليه مع الولايات المتحدة الأميركية ، وتزج بقياداته في دهاليز السجون ، ولا تحتكم للشريعة، والأعراف الوطنية الحميدة إنما تحتكم لإيحاءات الشيطان الأكبر المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية.
والتسلط السياسي جاء يصيب أجهزة السلطة التي تتجه صوب مضايقة المجاميع والأحزاب والتنظيمات السياسية والفكرية والثقافية وتضيق الخناق عليهم حتى تتسبب في اختناق سياسي وفكري وثقافي انطلاقاً من روح الدعاية السياسية المؤججة للفحش السياسي الحاصل في البلاد ، وهي في جوهرها داعمة للكثير من الأسقام والأمراض والأوبئة السياسية التي تصيب الحياة السياسية في مقتل ، وتؤجج الخلاف ، وتكرس التباين والتناقض والاختلاف.
ولئن كان التسلط السياسي داء يصيب أجهزة الدولة الحديثة فإنه بالإمكان تقويض هذا الداء والإسراع في علاجه من خلال قيام الأحزاب والتنظيمات السياسية بمقاطعة توجهات الحكومة والحد منها وإنعاش الحياة السياسية وتفعيلها على نحوٍ تفقد معه استخدامها للتسلط السياسي الحاد صوب بعثرة الجهود وعدم الخوف من الآتي في المستقبل القريب الذي يقوض البنيان ويدعو إلى التزلف السياسي ،والمحاكاة والتقليد على كافة الأسطح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والأمنية والعسكرية والتربوية والإعلامية والتعليمية وغيرها الكثير من مجالات الحياة .
ويبقى التسلط السياسي هو الرهان الخاسر على كافة الأسطح ويمضي بنا الحال صوب استلهام مجد الأمة وحضارتها التليدة التي مكنت للأمة في أن تحيا حياة الأسود والمجد والعافية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتعليمية والأمنية والعسكرية والتربوية والإعلامية على نحوٍ فقدنا معه التناول للظاهرة الحزبية السيئة التي عصفت بالديار العربية والإسلامية عندما أججت الخلاف وصادرت الحريات العامة والخاصة ، وهتفت ببقاء الديكتاتورية بلباس الديمقراطية الفضفاض والله الهادي إلى سواء السبيل.<