رغم تكتيك أعداء الثورة في الضرب والهجوم وتملك الأساليب التي اتبعوها بترويج الشائعات التي سبقت خطة الحصار على صنعاء إلا أن المقاتلين الثوار لقنوهم درساً لن ينسوه لترتفع بذلك معنويات المواطنين والثوار.
يواصل المؤلف حديثه بالقول: بعد ذلك تم ترتيب المواقع الهامة ومن ضمنها "تبة المطلاع" تبة دارس حالياً والمواقع الأخرى المجاورة، وكان لتعاون المقدم/ عبدالله دارس "عميد حاليا" ومجاميع من قبائل برط أثر كبير في المشاركة في الدفاع عن الثورة ولا يغيب عن الذهن أن أعداء الثورة يركزون على الجهات الأربع المحيطة بالعاصمة ، وإذا تعرضت العاصمة للقصف المدفعي الثقيل وفي اتجاه القصر الجمهوري والأحياء المحيطة به وكذلك باب اليمن والإذاعة، ليشمل القصف المواقع الهامة ذات الطابع الإستراتيجي مثل جبل نقم ومواقع الحفاء والجرداء.
الأمر الذي جعل المواطنين يتساءلون مرة أخرى حول استمرار القصف بعد نجاح المعركة الأولى.
فقد شهد يوم 19/12/1967م تسللاً باتجاه جنوب صنعاء وما رافق ذلك من سيطرة أعداء الوطن والثورة على تباب النهدين "حدين" جنوب مطار صنعاء الجنوبي "ميدان السبعين حالياً" والسيطرة عليه، وأتذكر حينها أن الذي خطط لذلك التسلل هو/ ناجي بن علي الغادر أحد مشائخ خولان الذي تصدت له مجاميع من القبائل الوطنية من حاشد بقيادة الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر ومعه مجاميع من قوات الأمن العام والشرطة وكانت تلك الضربات الموجعة التي أفقدت تلك المجاميع المعادية صوابها وأوقعت فيهم العديد من الخسائر خاصة في الأرواح.
وكان ممن شاركوا في ذلك من الأخوة الضباط الأخوين المقدم/ عزالدين والمقدم/ علي محمد الضيعي ، لتنتهي المعركة باستيلاء قوات الثورة على التباب السالفة الذكر، ونحن نتابع عن قرب من الإذاعة خطوات تنفيذ الهجوم.
ولا أخفي بأن الخوف والقلق كان يسيطر علينا حتى تحقق النصر والوصول إلى قمة تباب حدين "النهدين" لتنهال طلقات المدفع سبعة وثلاثين "م/ط" على أعداء الثورة من كل جانب، وبهذه المعركة التي تعتبر الثانية في تسعة أيام.
حيث تلى ذلك اختفاء الشائعات والأكاذيب وأساليب الدعاء والترويج والتي كان الهدف منها تشديد الحصار على العاصمة وإسقاطها، وبدأت أحلامهم تتلاشى وتنهار يوماً بعد يوم.
وكل ذلك جعل القوى المعادية تعير حساباتها من خلال التركيز على المناطق الحيوية في الناحية الشرقية للعاصمة مثل جبل نقم وسلاسل جبل براش وتوجيه أسلحتهم الثقيلة في اتجاه مواقع الكلية الحربية في جبل نقم.
واتضح تزايد الحشود والتركيز على جبل نقم الذي اعتبرناه محاولة منهم ناتجة في الأساس عن ردود أفعال بعد الهزيمتين المتلاحقتين في بداية أيام الحصار على العاصمة.
ولجبل نقم أهمية إستراتيجية كبيرة للعاصمة ، فمن يستولي عليه تكون العاصمة في متناول يديه.
وقد ساد الاعتقاد لدى الملكيين بأن تحقيقهم لذلك الهدف سيكون بمثابة نصر كبير لتخفيف الآثار الناجمة من الانتكاسات السابقة وأتذكر بأن تلك المحاولات الفاشلة صاحبها انتشار إشعاعات بأن تجمع الملكيين على أشده بعد قيامهم بتوزيع المهام، وفقاً لمراهنات والتزامات والتخطيط لهجوم على جبل نقم حيث التزمت كل قبيلة بالهجوم على جزء معين من الجبل وبالتالي تسهل عملية الاستيلاء عليه.
وأيضاً توالت الأخبار والشائعات والدعايات المبالغ فيها أحياناً بأن التقدم على العاصمة صنعاء سوف يضم كل قبائل خولان وآنس وبني بهلول وسنحان.
وكان يرأس قبيلة خولان الشيخ/ ناجي بن علي الغادر ويقود قبيلة آنس/ قاسم سقل، أما بني بهلول فبقيادة الشيخ/ عبدالله الفقيه، وسنحان بقيادة الشيخ/ محمد علي عياش وحسين الحماطي.
وإلتزم كل فرد منهم بما أوكل إليه من دور والاتجاه الذي يسير فيه، وتم تحديد الهجوم على ضوء ذلك صباح 30/12/1967م.
جبل نقم.. ومهام جديدة لدحر الهجوم
في هذه الآونة ونحن في الإذاعة وصلت برقية حددت اتجاهنا نحو جبل نقم ، على أن تقوم الخدمات الليلية بمهمة حماية الإذاعة وعلى ضوء ذلك تم وصولنا إلى موقع المرماح واكتفينا بعدها بالأخ مدير الكلية الحربية/ محمد علي الجبري الذي قدم لنا توجيهات جديدة تتعلق بالخطة الدفاعية ، بما في ذلك تحديد مواقع الأسلحة في الأماكن المتوقع دخول العدو منها.
وشعرنا بأهمية وخطورة المرحلة فاستمرينا في يقظه تامة معلنين حالة الطوارئ في صفوفنا، خاص وأن توقعاتنا بأن الهجوم سوف يتركز على موقع المرماح فقط والذي يعتبر بمثابة المفتاح لجبل نقم، وحدث ما توقعناه وكان هجوم أعداء الثورة في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل وبدأت المدفعية المعادية تقصف مواقعنا.
وفعلاً فالهجوم في مثل هذا الوقت من الليل جديد وغير معتاد من جانب أعداء الثورة إذ لم يسبق لهم القصف الليلي، عندها شعرنا بأن ما حدث هو تمهيد لهجوم جديد وكبير.
وبعد أن تسلمنا التعليمات والتي تقضي بعدم الرد على مدفعية العدو على أن يكون الاستعداد على أتمه بالأسلحة المتوسطة والخفيفة في المواقع التي يمكن اختراقها من قبل أعداء الثورة.
وبعدما يقرب من نصف ساعة أو أقل توقف ذلك القصف لتحل محلها طلقات مصدرها الأسلحة الخفيفة في اتجاه المواقع التي نسيطر عليها ومن عدة اتجاهات.
وما كان من الجميع إلا مواجهة الموقف بقوة وحزم إذ صدرت التوجيهات بالتعامل مع مصادر النيران بجميع ما هو متاح لنا من أسلحة، لتشغيل جميع الأسلحة ومنها الكشافة بهدف التأكد من مصدر النيران وتصويب الأهداف على المهاجمين.
وكان الأخ مدير الكلية الحربية يراقب ويشرف على إدارة النيران من كل الأسلحة ويزود المقاتلين والمدافعين عن الثورة بالملاحظات والتوجيهات تارة بالضرب وتارة بالتوقف.
واستمرت المعركة ما يزيد عن ساعتين ونصف حتى اقترب أعداء الثورة من مواقعنا، وبالتالي أصبح لزاماً علينا استخدام القنابل اليدوية الدفاعية والهجومية معاً.