وحيد عبدالمجيد
أضفت د . زهراء رهنافارد زوجة المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي طابعا جديدا علي الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة . فهذه هي المرة الأولي التي تقوم فيها زوجة مرشح لمنصب الرئاسة بدور ظاهر في حملته الانتخابية . فهي لم تكتف بمرافقته في كثير من جولاته الانتخابية , وإنما تحركت بشكل مستقل لدعم حملته اعتمادا علي حضورها في المجال العام وشخصيتها القوية التي لا تستمدها منه .
وكان دورها هذا سببا في توسيع مساحة الاهتمام بقضية المرأة في الحملة الانتخابية في مجملها , وإثارة حماس أنصار هذه القضية ونصيراتها . ولفت انتباه بعض المراقبين شعار رفع بشكل متكرر في كثير من المؤتمرات الانتخابية , وهتف به الهاتفون خلالها , وهو ( لا لطالبان في كابول وطهران ).
ولم تكن د . رهنافارد وحدها التي جعلت قضية المرأة أساسية في حملة الانتخابات الأخيرة . شاركتها في ذلك السيدة فاطمة زوجة المرشح الإصلاحي الآخر مهدي كروبي , التي نشطت بدورها في حملته الانتخابية ولكن بدون هذا الحضور القوي الذي تميز به دور زوجة موسوي .
وبالرغم من أن هذه ظاهرة جديدة في حملات الانتخابات الرئاسية , فهي لم تأت من فراغ . فالدكتورة رهنافارد أستاذة جامعية معروفة تولت رئاسة جامعة الزهراء الخاصة , وهي أول امرأة تصل الي هذه المرتبة الأكاديمية في إيران .
كما أنها مثقفة وفنانة وكاتبة نشطت طويلا في مجال العمل الاجتماعي عموما , وفي العمل الهادف الي تعزيز مشاركة المرأة والشباب خصوصا . كما عملت مستشارة للرئيس السابق محمد خاتمي .
ولذلك فهي كانت معروفة لقطاع غير قليل من المجتمع الإيراني عندما أطلت عليه في صورة زوجة مرشح لرئاسة الجمهورية . وقل مثل ذلك , وإن بدرجة أقل , عن السيدة فاطمة كروبي , باعتبارها أمرأة عاملة أيضا وصلت الي درجة وكيلة وزارة , ونشطت في العمل الخيري علي نطاق واسع وساهمت في حملات لبناء المستشفيات في إطار مؤسسة الشهيد التي يرأسها زوجها .
ولكن بينما أخذ عليها البعض أن عملها في هذه المؤسسة أضفي عليها طابعا عائليا غير مريح , ظلت د . رهنافارد فوق مستوي الشبهات في الأغلب الأعم , ولذلك فعندما شكك الرئيس أحمدي نجاد في سلامة درجة الدكتوراه ( في العلوم السياسية ) التي تحملها , كان ردها عليه قويا واثقا .
ويجمع بين المرأتين , وكثيرات غيرهن ممن يخضن معركة الحرية , الالتزام بالزي المفروض علي المرأة في إيران , ولكن اقتناعا به وليس رضوخا . ترتدي د . رهنافارد الشادور الأسود , وتغطي رأسها تماما حسب مايطلق عليه الحجاب الجيد أي الذي لايكشف أي خصلة من شعرها .
وهذا دليل علي أن حجاب الرأس لا يحجب العقل , وأن المرأة تستطيع انتزاع دورها في الحياة العامة إذا آمنت به وسعت وراءه مهما يكن حجم القيود المفروضة ونوعها . فقد دخلت المرأة الإيرانية مختلف مجالات العمل العام إلا خوض الانتخابات الرئاسية المحرومة منها . ومع ذلك , فهي تناضل من أجل انتزاع حقها في الترشيح لهذه الانتخابات .
فلا يفتح الباب لهذا الترشيح إلا ويكون بين المرشحين عدد من النساء . وكان أبرزهن في الانتخابات الأخيرة رأفت بيات العضوة السابقة في البرلمان , والتي استبعدت كالعادة مع 41 مرشحة أخري شكلن مايقرب من 10 في المائة من إجمالي المرشحين المستبعدين وعددهم 470 مرشحا .
وتقدم المرأة الإيرانية , علي هذا المستوي العام , درسا لنظيرتها في العالم العربي , فكلما ازداد طموح المرأة في الحيز العام , ازداد دورها وقوي حضورها . أما حين تفقد هذا الطموح , أو تقعد في انتظار من يأخذ بيدها , يصبح حضورها رهنا بتشريعات تجعله نوعا من الديكور في معظم الحالات .
وينطوي هذا الدرس علي مفارقة لافتة , وهي أن حضور المرأة الإيرانية غير المرغوب من الدولة وسلطتها العليا أقوي وأكثر تأثيرا منه في حالة المرأة التي تسعي الدولة الي تمكينها في مصر وبلاد عربية أخري . فمشكلة المرأة في هذه البلاد ليست مع الدولة , بخلاف الحال مع إيران . مشكلتها هي مع المجتمع الذي أصابته ردة ثقافية اجتماعية معتبرة , ومع نفسها باعتبارها جزءا من هذا المجتمع .
وهذا الفرق يخلق مفارقة أخري , وهي أن المرأة العربية تتعرض الي تمييز شديد في حياتها الخاصة والشخصية . فهي ترزح تحت نير قوانين وإجراءات تسلب حريتها الخاصة وتحرمها من أبسط حقوقها الشخصية وتجعلها مواطنة من الدرجة الثانية في مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وغيرها , بالرغم من كل ماحققته من نجاح في العمل العام .
فمازالت المرأة الإيرانية هي الفريسة المفضلة للجهاز الذي يطلق عليه شرطة الإرشاد التي تفتش في أخلاق الناس , إذ يهوي كثير من العاملين في هذا الجهاز تعقبها ومحاصرتها وتحويل حياتها الي جحيم . فلهذا الجهاز سلطة علي المرأة ربما تبدو خيالية في عصرنا هذا , إذ تصل إلي حد اعتقال فتيات لمجرد الاشتباه في سلوكهن وإخضاعهن لكشف طبي للتحقق من عذريتهن علي نحو يكسر روحهن ويدمر معنوياتهن .
ولذلك فعندما برز دور د . زهراء زوجة المرشح موسوي في حملته الانتخابية , ألقي مراقبون أضواء علي فيلم سينمائي يعالج مأساة المرأة الإيرانية في حياتها الخاصة لأن بطلته تحمل الاسم نفسه ( زهراء ). وفي هذا الفيلم تسعي زهراء الأخري ( بطلته ) الي تعريف العالم بما يحدث للنساء في قريتها , وتقنع صحفيا تعطلت سيارته عند هذه القرية بزيارة منزلها لتطلعه علي هذا الذي يحدث .
ويقول النقاد الذين يعرفون هذا الفيلم إنه مؤثر الي حد يصيب مشاهده بألم عميق , وخصوصا في معالجته لمأساة ثريا ابنة أخت زهراء . وهي أم لأربعة أطفال يخونها زوجها ويسيء معاملتها , ثم يتهمها بالزنا زورا ليتخلص منها , فيحكم عليها بالموت رجما بالحجارة وفقا للقانون المعمول به في إيران .
وما هذا الفيلم إلا واحد من أعمال إبداعية متزايدة تعبر عن مأساة المرأة الإيرانية في حياتها الخاصة . والي جانب الفن السينمائي , يسهم الأدب بدور لا يقل أهمية في معركة حرية المرأة في إيران . وقد صدرت أخيرا ترجمة عربية لأحد أهم الأعمال الأدبية في هذا المجال , وهو كتاب لوليتا في طهران للأكاديمية الإيرانية أستاذة الأدب الإنجليزي آذر نفيس التي طردت من جامعة طهران بسبب رفضها ارتداء الشادور , فقامت بالتدريس في بيتها .
وهكذا , تواصل المرأة الإيرانية معركتها من أجل الحرية .. بين العمل العام الذي نجحت في فرض حضورها في قلبه , وحياتها الخاصة التي فشلت حتي الآن في الحصول علي حقها في أن تعيشها بدون القيود الهائلة المفروضة عليها .