بعد أن تطرقنا في الحلقة الفائتة لإستراتجية أبطال الثورة ومنهم طلاب الكلية الحربية في حماية الإذاعة والمهام التي اتخذوها لدحر الهجوم من قبل العدو الذي كان يستهدف الإذاعة ومحاصرة صنعاء رغم فشله في ذلك.
ويستطرد المؤلف هنا بالقول: أتذكر وأنا في موقعي باقتراب أحد المغرر بهم يحاول مسك رشاش الزميل محمد شملان مصراً على اقتحام الموقع فأصيب جراء ذلك شملان بشظايا في عينيه قبل أن ينكس رشاشه على مصدر صوت الرجل ليرديه قتيلاً.
ويضيف المؤلف: وتنتهي المعركة بتكبد أعداء الوطن والثورة خسائر كبيرة وفادحة تفوق تلك الخسائر السابقة خلال الهجومين سالفي الذكر، وعندها اختفت تلك الطلقات وتحولت إلى طلقات متقطعة هادفين من ذلك إخلاء قتلاهم.
وعندما لاح ضوء النهار شاهدنا جثث متناثرة على جنبات المواقع تاركين تلك الجثث المتناثرة جوار الخنادق الأمامية لقواتنا، كما قمنا بالتعرف على الجرحى والمصابين من الزملاء المقاتلين.
وبالرغم من الجهاد والدفاع المستميت كانت معنويات المقاتلين الأبطال من الزملاء مرتفعة جداً ، بما في ذلك الأفراد المتواجدين من المدفعية والمدرعات، وهم على ما أتذكر طقمين على دبابتين من نوع 34 بالإضافة إلى طقمين على مدفعين عيار 750مم.
ولا أبالغ بان المعنويات لا تقاس بما هو موجود على المواقع من العتاد أو التموين ووسائل الاتصالات والمواصلات إذ تفتقر المواقع جميعها من كل شيء بما في ذلك وسيلة النقل الضرورية اللازمة للقيام بمهمة المناوبة والإسعاف للجرحى والمرضى ، إذ كان المصاب أو المريض ينتظر حتى وصول سيارة الكدم "الخبز" في صباح اليوم الثاني، حتى لو كانت الإصابات خطيرة ولا تتحمل البقاء إلى الصباح.
ومع ذلك كان الجميع دون استثناء يقدرون تلك الإمكانيات المحدودة والشحيحة وليس أمامهم أي خيار آخر غير الدفاع عن الوطن وثورته مرددين ذلك الشعار الذي ساد كل مناطق اليمن خاصة مواقع القتال وهو "الجمهورية أو الموت"، وتمكنوا رغم ذ لك من تحقيق كل تلك الانتصارات المتلاحقة لقوات الثورة والجمهورية، وبالتالي يتلقى الأعداء الهزيمة تلو الأخرى بإمكانيات شحيحة، فيما كنا نرى مدى تزويد قوى الخيانة بالوسائل والمستلزمات العسكرية الحديثة ومنها أجهزة الاتصال اللاسلكي الحديثة والخاصة بالإتصال، إذ وقع جهاز بيد الأخ/ مدير الكلية النقيب/ محمد الجبري والذي يستخدم في التقاط المكالمات، حيث سمعنا بعض الفلول المندحرة وهي تتبادل الحديث فيما بينها بأن هناك جرحى وقتلى في صفوفهم لم يتمكنوا من سحبهم.
وأتضح من الأحاديث بأن مجموعة منهم مازالت محاصرة فوق "غول البلس" وهو المكان الذي يقع تحت الجرف الكبير المجاور لموقع المرماحة ، وقد طلب الأخ/ محمد الجبري من الأخوة الحاضرين معرفة موقع "غول البلس" الذي يتكلمون عنه كان التحرك لتنفيذ المهمة عند طلوع الفجر، وكل مجموعة لها مكان واتجاه معين ، حيث كان اتجاه مجموعتنا هو من ناحية غرب المكان "غول البلس" والذي اقتربنا منه حيث يقع فوق الجرف بموجب المعلومات التي سمعناها، وفي نفس الوقت حدث اشتباك مع المجموعة الثانية من الزملاء والتي تحركت شرقاً، ومع بداية شروق الشمس أصبحت الرؤية واضحة عندها وجدنا مجموعة من المغرر بهم والذين هم محاصرون يتجهون نحونا تماماً، وأتضح بأن هذه المجموعة قد اشتبكت مع الزملاء محاولين الفرار والتخلص منهم في الاتجاه المعاكس، وكان الجبل يتميز بنتوءات تصل في بعض الأماكن إلى ستة أمتار أو يزيد وتعتبر مانع طبيعي يصعب على الفرد تجاوزه عند الطلوع أو النزول من الجبل إلا من أماكن محدودة ومعينة ، لذا تمكنوا من خلالها الوصول إلى المواقع عند هجومهم ولم يحالفهم الحظ بإدراك تلك الأماكن عند الزملاء ونحن مدركون صعوبة تخطيهم تلك الموانع أو ذلك الحيد واستعدينا لملاقاة تلك المجموعة عندها كان المكان الذي كنا نتواجد فيه خالياً من أي ملجأ أو حجر نستند إليه حتى نتمكن من إطلاق النار عليهم.
عندها أدركت تلك المجموعة من الحاضرين بأن كميناً قد وضع أمامهم إذ وجدوا أنفسهم بين كماشتين من الخلف مجموعتنا التي تطاردهم، ومن الأمام نحن والحيد الذي يمثل المانع الطبيعي من الإتجاهات الباقية بعد ذلك أصبح الموقف حرجاً ليس لتلك المجموعة المحاصرة فقط فقد وقعنا في نفس الموقف لعدم وجود مكان نستند إليه بالإضافة إلى أن أعدادهم تزيد عن مجموعتنا وبدأ الاشتباك بالسلاح الشخصي بعد أن أدركنا ضرورة التصويب والذي يجب أن يكون دقيقاً، إذ تلتحم الطلقات المتبادلة.
وأثناء ذلك سمعنا الأخ/ صالح اليافعي يقول: لقد جرحت والذي كان بجواري وشاهدت موقع الطلقة التي أصابته في يده، وقيل ظهور وخروج الدم من الجرح طلبت منه السكوت والتحمل والصبر وتمنيت له السلامة، أدركنا من يأن أي صوت يظهر للعدو وجود إصابات من جانبنا يجعلهم أكثر تصميماً على الهجوم والتركيز على المكان الذي نتواجد فيه.
وباستمرار ضرب النار المتواصل وجدناهم يقفزون من ذلك الجبل أو المانع الكبير وبعد ذلك تمكنا من ربط جراح الأخ/ صالح اليافعي، واتجهنا إلى الموقع بينما نزيف الأخ/ صالح مستمراً بحيث أصبح غير قادر على السير ويحتاج إلى من يحمله وكنا نبعد عن الموقع بمسافة ليست قصيرة، وبالتالي أصبحنا غير قادرين على إسعاف زميلنا الجريح إلا من خلال تعاوني وزميل آخر وهو يتكئ علينا حتى وصلنا إلى الموقع.
وكان الإيمان بما نهدف إليه هو الدافع في مواجهة الأحداث والمواقف الصعبة خلال ملحمة السبعين.
كان ذلك اليوم هو الخامس عشر من بداية الحصار والذي يمثل الهزيمة الثالثة لأعداء الثورة والتي سوف تتوالى ضد العناصر المغرر بهم ومن يقوم بمساندتهم من أعداء الوطن والمرتزقة وبذلك كانت الهزيمة نكسة مباشرة لتلك الخطط التي لا شك كان يتم الإعداد لها من خارج الوطن.
معركة عصر.... والهجوم الرابع
بعد فشل الهجوم الثالث للملكيين ومن معهم من المرتزقة والمغرر بهم على جبل نقم، والذي خطط له وأشرف على تنفيذ المدعو/ الحسن بن الحسين الذي كان حينها في منطقة سنحان في قرية الحضرمي التي أتخذها مقراً لقيادته.
وبعد تلك الهزيمة تم إسناد مهمة الهجوم الرابع لشخص آخر هو / أحمد بن الحسين الذي أتخذ من بني مطر مقراً له خاصة بعد أن سيطر على جبلي عيبان وظفار، وذلك عندما تمكن من تحقيق نصر محدود بإعادة جبلي عيبان وظفار بعد تغلبه على الكتائب المتركزة في تلك المرتفعات التي تعتبر ذات أهمية إستراتيجية بحكم إشرافها على العاصمة صنعاء.