;

مطلوب تنازلات مجانية جديدة من العرب! 754

2009-07-12 02:39:36

نبيل زكي

انقلب الموقف لصالح المناورات والمراوغات الإسرائيلية بعد أن تحولت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما إلى مواقف "الضغط على الجانبين"، بمعنى التسوية بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني ومطالبة العرب بتقديم تنازلات في شكل خطوات تطبيعية مع إسرائيل تؤدي إلى "تسهيل" قبول إسرائيل بالتفاوض مع الجانب الفلسطيني. والغريب أن التنازلات المطلوبة من العرب ليست مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة مثلا، أو تفكيك المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت بعد يونيو 1967، وإنما مقابل مفاوضات لن تقود إلى أي نتيجة في المستقبل القريب أو البعيد!.

مرة أخرى، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه تجميد الاستيطان؛ وقال "بولي ادلشتاين" وزير الإعلام الإسرائيلي أن نتنياهو أبلغ حكومته بكل وضوح أنه لا توجد تفاهمات أو تعهدات مع واشنطن حول مسألة تجميد الاستيطان في "يهودا والسامرة" "الضفة الغربية" ولو.. بصورة مؤقتة.

وكانت مصادر فلسطينية وإسرائيلية قد ذكرت في السابق أن الإسرائيليين يريدون ثمنا للموافقة على بدء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، هو الاعتراف بحقهم في الاستيطان "حتى لو اضطروا إلى وقفه كإجراء مؤقت لتسهيل مباشرة المفاوضات"، مع الاعتراف بشرعية المستوطنات القائمة وحماية حقها في "النمو الطبيعي"، حيث إنه لا حدود للاستيطان في "أرض إسرائيل" "كل فلسطين التاريخية"، التي هي "أرض الأجداد"، على حد زعم نتنياهو في خطابه بجامعة "بار إيلان" الإسرائيلية.

تجيء هذه التصريحات بعد أن كرر نتنياهو شروطه المعروفة من أجل إقامة "دولة فلسطينية" وهي أن تكون منزوعة السلاح وأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية، وأن تتم إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج إسرائيل. ويبدو أن إسرائيل تفكر في إضافة شرط جديد هو "الاعتراف بشرعية الاستيطان"، وخاصة أنها لا تعترف بحدود الرابع من يونيو عام 1967! وتعتبر الضفة الغربية كلها جزءا من "أرض إسرائيل".

بلا أرضية مشتركة:

ولا حاجة إلى التذكير برفض نتنياهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقدس، وإصراره على الإبقاء على الفلسطينيين في الضفة الغربية داخل "معازل" تحاصرها المستوطنات الإسرائيلية من كل الجهات. ولا تتردد إسرائيل في كشف النقاب عن مشروعات جديدة ضخمة للاستيطان في الأراضي المحتلة، وخاصة في القدس الشرقية وما حولها ومصادرة أراضٍ واسعة على طول الضفة الغربية للبحر الميت، إلى جانب سلسلة من القرارات الإسرائيلية الجديدة حول ما يسمى "الحوض المقدس" للسيطرة على محيط البلدة القديمة بالقدس من الناحية الجنوبية الشرقية وذلك بدعم مالي إسرائيلي وغربي يزيد عن مليار دولار.

وكل ذلك يعني أنه لا توجد أية أرضية مشتركة لأي مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية، ولا يوجد أي أساس أو مرجعية لمثل هذه المفاوضات. ولا يوجد أدنى اعتراف إسرائيلي- ولو شكلي- بالأسس والمبادئ التي قررها المجتمع الدولي لتسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ومع ذلك، فإن إسرائيل تضيف شرطا جديدا لقبول التفاوض مع الفلسطينيين!!

وهذا الشرط هو قيام العرب بخطوات للتطبيع مع الدولة العبرية! ومعنى ذلك- بصريح العبارة- هو أن المطلوب الآن من العرب- كما جرت العادة- دفع أثمان مقابل لا شيء على الإطلاق، أي أن المطلوب- مرة أخرى- أن يقدم العرب تنازلات مجانية مقابل مفاوضات محكوم عليها- سلفا ومنذ الآن- بالفضل المحتوم، لأنها ستجري بين طرف يطالب بتحرير أرضه من الاحتلال والاستيطان الأجنبي وبالاستقلال والسيادة، وطرف آخر يعتبر أن هذه الأرض هي "أرض أجداده"، وأن الله منحه هذه الأرض لكي يحتفظ بها إلى الأبد، وأن الفلسطينيين مجرد دخلاء لا علاقة لهم بهذه الأرض!!

كيف إذن تجري مفاوضات بين طرفين يتخذ كل منهما موقفا لا يمت بصلة إلى موقف الآخر؟ إنها ستكون مفاوضات بين أهل المريخ وسكان كوكب آخر!.

حالة إدمان!:

وإذا كان هناك ما يشبه الإجماع على أن العرب لا يملكون الآن أي شيء يفعلونه.. سوى تقديم التنازلات إلى ما لا نهاية "!" فإن المشكلة الواقعية التي تواجه العرب هي أنه لم يعد لديهم ما يتنازلون عنه!

فالحقيقة المرة- التي لا يعلنها الإسرائيليون جهارا- هي أن التطبيع ليس الشغل الشاغل لإسرائيل وليس القضية التي تحتل مكان الأولوية في العقل الإسرائيلي، والدليل على ذلك أن جميع أعضاء الجامعة العربية تطوعوا بعرض إقامة علاقات طبيعية كاملة مع إسرائيل مقابل شيء واحد سبق أن طالب به المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهو الانسحاب إلى خطوط الرابع من يونيو عام 1967، ولكن إسرائيل رفضت هذا العرض، لسبب معلن وواضح وهو أنها تريد الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتريد اغتصاب القدس بكاملها، وإلغاء صور عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

وإذا كان العرب قد أدمنوا تقديم التنازلات المجانية إلى ما لا نهاية، فإن المأزق الذي يواجههم الآن هو أن الشيء الوحيد- أو لنقل التنازل الوحيد- الذي يمكن أن ترضى به إسرائيل هو التنازل عن الأراضي الفلسطينية وضمها على "دولة إسرائيل اليهودية".

رسالة إلى المغرب:

ولكن أخطر ما يواجهه العرب، في الوقت الحاضر، ليس الموقف الإسرائيلي فقط؛ فأطماع إسرائيل التوسعية ليست بالأمر الجديد، ولكنه الموقف الأمريكي.

في يوم السبت 4 يوليو الجاري، وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما رسالة إلى ملك المغرب محمد السادس أوضح فيها أنه يأمل ويتوقع قيام الدول العربية باتخاذ خطوات "لإنهاء عزلة إسرائيل" في المنطقة وأن تقود المغرب عملية سد الفجوات بين إسرائيل والدول العربية!!

وتقول صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن الولايات المتحدة تسعى إلى تشجيع المغرب ودول الخليج على السماح لإسرائيل بفتح مكاتب دبلوماسية "وحسب مصادر أخرى، مكاتب سياسية وتجارية" في الدول العربية وإرسال بعثات دبلوماسية إلى إسرائيل!! وبطبيعة الحال، فإن الدول المقصودة هي تلك التي لا ترتبط باتفاقيات "سلام" مع إسرائيل! وتريد إسرائيل من المبعوث الأمريكي في المنطقة جورج ميتشل القيام برحلات "مكوكية" بين إسرائيل وعدد من الدول العربية لوضع "مشروع سلام إقليمي".

وكل ما يطالب به الرئيس الأمريكي أوباما الآن- كما جاء في رسالته إلى ملك المغرب- من الجانب الإسرائيلي هو وقف النشاط الاستيطاني وتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية وإزالة الحواجز على الطرق! ولا كلمة عن إنهاء الاحتلال! أو تفكيك المستوطنات القائمة أو العودة إلى خطوط 4 يونيو 1967 أو عن القدس وهو العودة!.

في انتظار "إشارات"!:

ويقول ميكائيل أورين، السفير الإسرائيلي في واشنطن، إنه يود أن يرى بعض "الإشارات" من العالم العربي لإثبات أنه بعد 61 سنة من الحروب، فإن هذا يكفي! والسفير الإسرائيلي يريد من العالم العربي الاعتراف بأن دولة إسرائيل هي حقيقة واقعة في الشرق الأوسط ولن تخرج منه! وأعرب السفير عن رغبته في قضاء عطلته المقبلة في الرياض!! وأصبح موضوع النقاش في الاتصالات الدائرة الآن بين تل أبيب وواشنطن هو "ترى ما هي "الإشارات" التي تتوقع الولايات المتحدة صدورها من العالم العربي"؟!

وهكذا ألقت إسرائيل والولايات المتحدة بالكرة في الملعب العربي! وأصبح المطلوب الآن هو أن يقدم العرب على خطوات تطبيعية في اتجاه إسرائيل، بينما النشاط الاستيطاني في ذروته ويجرى بسرعة غير مسبوقة، وكذلك مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس، وبينما يجرى استكمال الجدار العنصري العازل!

"إغراءات" لإسرائيل:

وتتردد الأحاديث في إسرائيل عن مطالب إسرائيلية مطروحة، مثل السماح للطائرات الإسرائيلية التجارية باستخدام المجال الجوي لبعض الدول العربية وحق الإسرائيليين في الحصول على تأشيرات دخول إلى الدول العربية. وتقول مصادر إسرائيلية إن واشنطن عرضت هذه "الإغراءات" على إسرائيل مقابل التزامها بتجميد الاستيطان!

والمؤسف أن الأجواء في بعض عواصم العالم العربي تشير إلى "أهمية" اتخاذ "ما يلزم" لدعم جهود الرئيس أوباما ومسعاه لإطلاق "العملية التفاوضية". وكان الرئيس الأمريكي قد صرح بأن بدء التفاوض حول الملف الفلسطيني- الإسرائيلي يتطلب ضغوطا على "الجانبين"!

وبذلك يصبح الجلاد والضحية- مرة أخرى- على قدم المساواة! ولا ندري ما الذي تستهدفه الضغوط على الجانب العربي إذا كان كل ما يطالب به هذا الجانب هو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال الأجنبي لأراضي الشعب الفلسطيني والشعب السوري والشعب اللبناني؟!

وحتى لو افترضنا أن إسرائيل قررت تجميد الاستيطان، فإن هذا التجميد ليس تنازلا إسرائيليا ينبغي تقديم مقابل له؛ فالاستيطان غير شرعي من الأساس ويتعارض مع أبسط المواثيق والقوانين الدولية.

ألاعيب إسرائيلية:

والغريب أن أوباما يطالب الفلسطينيين بخطوات لطمأنة إسرائيل! كما لو كانت إسرائيل هي الطرف الضعيف الذي يتعرض لتهديد يومي على أيدي الفلسطينيين! وتجاهل أوباما تاريخا دمويا من الحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين. وكانت بداية التراجع في موقف أوباما هي إعلانه الترحيب بخطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان، رغم أن مضمون الخطاب عنصري وتوسعي ويحتوي على مشاعر احتقار للعرب وللفلسطينيين. وكما لو كان نتيناهو يتعامل مع طفل يسعده أن يستمع إلى مجرد كلمتين بلا أي مضمون هما "دولة فلسطينية"، رغم أنه قام بتفريغ الكلمتين من أي مقومات لدولة حقيقية مستقلة ذات سيادة وتقوم على أرضها المحررة.

ويجيء هذا التراجع من جانب أوباما في صورة تصريح لنائبه "جو بايدن" بأن الولايات المتحدة لن تعترض على شن إسرائيل العدوان على إيران، ووسط خطط إسرائيلية لزيادة عدد المهاجرين إلى إسرائيل هذا العام بنسبة 15 بالمئة، وفي وقت تطالب فيه إسرائيل بالسماح لها بالانضمام إلى عمليات حلف الأطلنطي في البحر المتوسط بهدف منع مرور "الإرهابيين" و"أسلحة الدمار الشامل""!!" وأيضا في وقت يعلن فيه وزير الإسكان الإسرائيلي "ارييل اتياس"- ممثل حزب شاس الديني اليميني العنصري المتطرف- أن العرب واليهود في إسرائيل يجب أن يمتنعوا عن التعايش، حيث إنه ليس للعرب مكان يعيشون فيه داخل إسرائيل!.

في انتظار المفاوضات:

هل كانت هذه القضايا مطروحة للنقاش في قمة شرم الشيخ بين الرئيس مبارك وعاهل السعودية وأمير البحرين؟ كل ما نعرفه هو أن وفدا بحرينيا توجه إلى تل أبيب لتسلم المحتجزين البحرينيين الذين كانوا على متن السفينة "روح الإنسانية" التي وصلت إلى غزة. وكان ولي عهد البحرين قد التقى مع مسؤولين إسرائيليين خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في عامي 2000 و2002، كما التقى وزير خارجية البحرين مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة في عام 2007، وبعد ذلك، دعا الوزير البحريني إلى تأسيس منظمة إقليمية تضم الدول العربية وإسرائيل وإيران وتركيا من أجل التوصل إلى السلام في الشرق الأوسط!.

وحتى الآن لم يصدر بيان رسمي عربي قاطع وصريح للرد على التحركات الأمريكية- الإسرائيلية الهادفة إلى الحصول على تنازلات عربية جديدة في شكل خطوات تطبيعية مقابل لا شيء على الإطلاق من الجانب الإسرائيلي، وفي وقت أعلن فيه نتنياهو أن الأرض الفلسطينية هي "أرض إسرائيل" ويصر على يهودية الدولة الإسرائيلية.

ومع ذلك فإن هناك- بين العرب- من لا يزالون ينتظرون بدء المفاوضات بين الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني للمساهمة في كسب الوقت لصالح إسرائيل!.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد