عبدالفتاح البتول
إنها نتيجة طبيعية لغياب الدولة وتهرب السلطة من تحمل مسؤولياتها في حفظ الأمن وحماية النفوس والأعراض والممتلكات ، وهي نتيجة طبيعية لثقافة الحقد والكراهية والمناطقية التي تحملها غالبية فعاليات ما يسمى بالحراك ، فالممارسات السابقة والخطاب المناطقي المقيت والمقزز والذي يصدر عن بعض قيادات الحراك والشعارات التي ترفع والكلمات التي تكتب والتهديدات الموجهة لأبناء المحافظات الشمالية والإساءة لكل ما هو شمالي كل هذا وغيره جعل المجرمين والمخرفين يقتلون القباطي وأقرباءه بدم بارد وقلوب قاسية وطريقة بشعة تعيد الذاكرة إلى الممارسات التي كان يقوم بها التيار الماركسي الحاكم في الشطر الجنوبي سابقاً مما يؤكد أن الجريمة ليست عادية ولا جنائية فحسب وأن العوامل السياسية والخلفيات الفكرية والتصورات الذهنية قد ساعدت المجرمين ودفعتهم لارتكاب هذه الجريمة والتي أدت لاستشهاد ثلاثة مواطنين أبرياء، كانوا كبش فداء ورسالة للآخرين وجرس إنذار للجميع، إذا لم يتم تدارك الأمر والقبض على المجرمين ومحاكمتهم محاكمة عادلة وفق الشرع والقانون وتنفيذ الحكم بأقصى سرعة ، إذا لم يتم ذلك فإن باب القتل على أساس الهوية والمنطقة سوف يكون مفتوحاً على مصراعيه.
لاشك أن المسؤولية الجنائية تقع على عاتق الفاعلين المنفذين والقتلة الأصليين لكن هذا لا يعفي الآخرين وخاصة السلطة والأجهزة الأمنية والحراك والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني لا تعفيهم من المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والتاريخية ، فالجريمة ليست حادثة مجردة وبسيطة وإنما هي جريمة معقدة ومركبة ولها مقدمات وعوامل متعددة، كما أن لها نتائج وآثار كارثية ومدمرة، وخاصة أنها تأتي بعد مرور مناسبة 7 يوليو بدون دماء وضحايا، وكان واضحاً أن الأجهزة الأمنية في عدن وغيرها من المناطق قد اتخذت عدة إجراءات احترازية الهدف منها عدم المواجهة مع فعاليات الحراك ومنع أي وسائل وأساليب لإراقة الدماء وسقوط قتلى ، ومن هنا ندرك أن قوة وتيارات داخل الحراك لم ترض عن مرور المناسبة بسلام وبدون ضحايا ودماء فذهبت للقيام بهذه الجريمة البشعة والنكراء التي تهدد الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي والتعايش بين أبناء الوطن ، حتى مع وجود مطالب بالانفصال وفك الارتباط، فإن ذلك لا يبرر ثقافة الكراهية والروح العدائية ضد المواطنين الأبرياء سواء كانوا مدنيين وتجار وعمال ، أو حتى موظفين ومسؤولين وجنود وضباط ، مما يدعو الحراك والداعمين والمناصرين والساكتين عليه، يدعوهم لإعادة التفكير بالمسار والطريق والأسلوب والوسائل والشعارات والمطالب وفي المقدمة الإقلاع والابتعاد عن العنف سواء كانت عنفاً لغطياً وكلامياً أو عنفاً عملياً ودموياً وعليهم معرفة أن لكل شيء ضوابط أخلاقية وسقوف واقعية وعقلانية وخطوط حمراء ، وحتى الانفصال وكراهية الوحدة والمطالب بالاستقلال وفك الارتباط واستعادة دولة "الجنوب" حتى هذا كله يتطلب قدراً من الضوابط والأخلاقيات والحدود التي ينبغي أن يقف عندها وكل شيء زاد عن حده انقلب ضده ، وإذا كنا ندعوا الدولة والسلطة والأجهزة الأمنية إلى الابتعاد عن العنف واستخدام القوة والتزام الحكمة والتهدئة واتخاذ الوسائل والإجراءات السلمية والحضارية ، فإن الحراك أحق وأولى بهذه الدعوة التي نقدمها بنصيحة صادقة وأخوة شاملة وبصورة واضحة ، أن العنف لا يولد إلا العنف ، والدم يجلب الدم، وإذا كان في القضية التي تحملونها وتناضلون من أجلها، إذا كان فيها بعض الحق والعدالة والمشروعية فلا تضيعوها بمثل هذه الممارسات الباطلة والوسائل الخاطئة والأفكار والتصورات المغلوطة ، واعملوا على قراءة الواقع والوقائع واستفيدوا من دروس التاريخ القريب ، ووازنوا بين المصالح والمفاسد وبين الخير والشر والمشروع والممنوع والممكن والمستحيل والحق والباطل، "فلا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون" ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا".