نواف الزرو
الواضح أن سؤال الدولة الفلسطينية هو السؤال الأكثر تفجراً في العلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية، والجدل بين الجانبين حوله هو جدل تاريخي وسياسي استراتيجي تحول في السنوات الأخيرة إلى جدل حربي ملغم بالتهديدات الإبادية في ظل حرب إعلامية/ نفسية/ معنوية/ تحريضية متفاقمة.
فإن كان الهدف الفلسطيني الكبير والعريض المرحلي من وراء كل قصة "عملية المفاوضات والسلام" هو في المحصلة تحقيق "حق تقرير المصير" و"اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بحدودها الواقعية "وفق القرارات الدولية" على كامل مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، فإن الهدف الإسرائيلي الكبير والعريض ومتعدد الغايات والأبعاد من وراء كل قصة "عملية المفاوضات والسلام" هو تكريس "دولة إسرائيل- دولة يهودية" كحقيقة قائمة أولاً، "والحصول على الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية" لهذه الدولة ثانياً، ثم ضم نسبة كبيرة تتراوح حسب المشاريع السياسية الإسرائيلية ما بين 40-60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية ثالثاً، ثم "تخليد القدس الموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد" رابعاً، ثم "تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني الحقيقي وبناء الدولة المستقلة" خامساً، و"ضمان التفوق والهيمنة الإستراتيجية الإسرائيلية على المنطقة كلها" سادساً.
على خلفية هذين الهدفين الاستراتيجيين المتعارضين نتابع الجدل الفلسطيني - الإسرائيلي المحتدم دائماً حول سؤال الدولة الفلسطينية.
ولكن- ان كان هذا الجدل قائما ومتاحا على مدى السنوات الماضية، فانه من المفترض والمنطقي ان يكون خطاب نتنياهو على منصة قلعة جامعة بار ايلان اليمينية المتشددة قد وضع حدا لمثل هذا الجدل تفاوضيا، ومن المفترض ايضا ان يكون الرد الفلسطيني العربي في هذه المرة استثنائيا ومختلفا عن الخطابات التقليدية السابقة، فنحن عمليا امام خطاب يميني يشكل الخلاصة المكثفة للمشروع والفكر الصهيوني في فلسطين.
تهدف خريطة الاستيطان والجدران التي يجري نحتها بلا توقف على امتداد تلال الضفة الغربية وسهولها الى تحقيق وتكريس معظم أهداف الاحتلال التاريخية. . والإستراتيجية التي يمكن تكثيفها ب:
اولا: تكريس الأهداف والمضامين الإستراتيجية الاستيطانية للمشروع الصهيوني على كامل مساحة فلسطين.
ثانيا: تكريس السيطرة الإستراتيجية الإسرائيلية الشاملة على كامل المنطقة الواقعة بين البحر والنهر.
ثالثا: محاصرة وعزل من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين وفصلهم خارجيا بانتزاعهم من جسمهم وعمقهم العربي، وفصلهم داخليا ايضا عن بعضهم البعض، الضفة والقطاع مثلا عن فلسطين 1948 والضفة عن القطاع، اضافة الى تقطيع أوصال جسم الضفة بواسطة الكتل الاستيطانية والجدران الأساسية والالتفافية، وعدم إتاحة أي تواصل بين هذه المناطق إلا عبر عدد قليل من الجسور والأنفاق والطرق الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.
رابعا: إنهاء كافة المطالب والطموحات الوطنية الاستقلالية الفلسطينية، وإنهاء النزاع استنادا الى هذه الخريطة الاستيطانية، وبعد ان يستسلم الفلسطينيون حسب مخططه استسلاما كاملا لآلة الحرب والاجتياحات والدم والدمار الإسرائيلية.
خامسا: إرساء وفرض المحددات الجغرافية والسياسية ل "اتفاق انتقالي طويل الأمد- أي على مستوى حكم ذاتي فقط-" كان حمله شارون في جعبته من سنوات طويلة، وواصله اولمرت ويواصله نتنياهو اليوم بعده وذلك باعتراف الشرعيات المطلوبة له وهي الفلسطينية والعربية والدولية.
> فقصة حقائق الأمر الواقع التي يقيمها الاحتلال وفي مقدمتها الجدران اذن بترابطها الاستراتيجي هي قصة إستراتيجية بمنتهى الخطورة من شانها ان تبتلع الضفة الغربية بكاملها تحت السيادة الإسرائيلية، ناهيكم عن ان كل هذه المعادلات مجتمعة ومعا تنتج نكبة فلسطينية كبيرة جديدة تفرخ بدورها نكبات صغيرة يومية مستمرة تحقق وتكرس فيه صيغة "الجغرافيا الاستيطانية والحكم الذاتي للتجمعات السكانية العربية" في الوقت الذي تجهز فيه تماما على مقومات إقامة الدولة الفلسطينية كما تؤكد ذلك المعطيات المتراكمة على الأرض الفلسطينية هناك.
المضمون الحقيقي لخطاب نتنياهو اليوم تجاه الأراضي المحتلة والقضية بكافة عناوينها يفرخ لنا كل هذه المضامين والتداعيات الواردة أعلاه، فمن وجهة نظره فان الضفة الغربية ايديولوجيا جزء لا يتجزأ من "ارض إسرائيل" ولا مجال لإقامة دولة فلسطينية سيادة عليها!.
وان كان نتنياهو لفظ اسم "دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبدون اي سيطرة على الأرض او الأجواء او. . . الخ"، فان شارون كان قد سبقه في رسم أوصاف الدولة الفلسطينية كما يلي:
انها وفق الأدبيات الشارونية "الدولة المؤقتة طويلة الأمد" وهي "دولة شارون الفلسطينية" و"دولة فلسطينية ديمقراطية - حسب المعايير الإسرائيلية -تعيش في سلام كامل مع "إسرائيل"، وهذه الدولة تعزز على المدى الطويل أمن "إسرائيل" ورفاهيتها كدولة يهودية، ولكن لن يكون هناك سلام بدون التخلي عن وإزالة الإرهاب والعنف والتحريض الفلسطيني" كما أعلن شارون في بيان العقبة يوم 4/9/2003.
وهي في الوقت "دولة مؤقتة في القطاع"، و"دولة على مساحة 42 بالمائة من مساحة الضفة الغربية" ولكنها حسب ميرون بنفيسي"ستكون دولة مقطوعة الرأس والرجلين وبلا ارض، وخريطة الطريق وخطط الفصل انما تكرس الوضع الراهن"، وهي أيضا حسب افي شلايم استاذ العلاقات الدولية في جامعة اكسفورد ومؤلف كتاب "الجدار الحديدي: العرب وإسرائيل" عبارة عن "كيان فلسطيني عاجز ومنزوع السلاح يقام على اقل من نصف الضفة الغربية مع سيطرة "إسرائيلية" على الحدود والمجال الجوي والموارد المائية الفلسطينية، وهذه وصفة ل"غيتو" فلسطيني وليس لدولة حرة".
والدولة الفلسطينية المعروضة حسب تصريحات شارون نفسه "ستكون منزوعة السلاح تسيطر "إسرائيل" على حدودها الخارجية وعلى أجوائها "، وهي تشكل من جهة ثانية ذروة التنازلات المؤلمة" التي يقصفنا بها شارون على مدار الساعة وسقف التنازلات المؤلمة التي لدى شارون هو "الانسحاب من المدن الفلسطينية فقط كي يحكم الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم".
اي ان شارون ونتنياهو وغيرهما انما يردون عمليا دولة فلسطينية بسيادة إسرائيلية كاملة. . . تصوروا. . ؟!
ونقول: قبل ان تصبح الدولة الفلسطينية مستحيلة فان الفلسطينيين يحتاجون في مواجهة هذه التهديدات الإستراتيجية الخطيرة إلى خطاب وعمق وموقف ودعم عربي حقيقي وجاد ومسؤول في الوقت الذي يحتاجون فيه قبل كل شيء إلى وحدتهم الوطنية الداخلية والى برنامج سياسي واضح المعالم والمضامين والخطوط والأهداف. <