نواصل في هذه الحلقة كيف استطاع أبطال الثورة السيطرة على محاولة إجهاضها وأسر عدد من المغرر بهم من قبل الإمامة وحسب توضيح المؤلف:
فإن عملية الأسر في الإغارة أعقبها الاستيلاء على كل ما كان في الموقع من أسلحة منها مدفع عيار 75 مم ورشاش عيار50 بوصة وآخر عياره 30 بوصة مع الذخيرة التي كانت في حوزتهم والتي تم وضعها في أشرطة ووضعت فوق قفص السيارة "اللندروفر" التي حملت أيضاً بالمدافع وبطريقة غير معتادة ليتم نقلها ورافق ذلك مجموعة من الأسرى والذي تم السير بهم في العاصمة مروراً بميدان التحرير والأحياء المجاورة للقصر الجمهوري حتى الإذاعة.
ولعل من أبرز المواقف المثيرة أنه تم اختراق تلك الشوارع والأحياء بصعوبة نظراً لتجمهر المواطنين حول السيارة التي كانوا يشيرون إليها وإلى الأسلحة التي كانت مصدراً لقصف العاصمة وإقلاق سكانها وكانوا يرددون بعض الهتافات المثيرة بطلاب الكلية الحربية ووحداتها القوات المسلحة، مبتهجين بالنصر، وكان البعض يتسلق جوانب السيارة محاولاً الإمساك بالأسرى ومع ذلك كنت مع الزملاء المرافقين نحاول الدفاع عنهم من تلك الجماهير حتى الوصول إلى الإذاعة، بعد أن تمزقت ثيابهم وأصبح من الضروري علينا توفير بعض الملابس لهم، والتي قمت بشرائها فيما بعد لهم.
ومن هنا أود الإشارة إلى تلك الشكوك التي كانت تراودني ومنها بعض المخاوف من أن يلاقي هؤلاء الأسرى ما لاقاه زميلهم الذي سبق الحديث عنه وكنت أشعر بالحرج لإيماني بأن تلك المجموعة من المغرر بهم يخضعون لتوجيهات مغلوطة، ولذا كنت على ثقة بأنهم أبرياء بالرغم من اعتراض بعض الزملاء باعتبارهم كانوا متواجدين في ذلك الموقع الخاص بأعداء الثورة ، أما أنا فكان اعتقادي ذلك ببراءة الأسرى لمعرفتي الشخصية بهم وكونهم من المنطقة التي أنتمي إليها والدليل على تلك البراءة هو عدم قدرتهم على استخدام المدافع والتعامل معها.
وبعد ذلك طلبت من الأخ/ هميل إعطائي فكرة عن كيفية وصولهم إلى الموقع حيث أتضح من كلامه بأن مساهمتهم تقتصر على الحراسة والتناوب فيها، وكنت على ثقة من حديثه ومع ذلك كان هناك بعض الزملاء على خلاف ذلك مما دفع بالأخ/ أحمد هميل إلى طلب الحماية مني وعدم التظلم له والظن بأنهم يجيدون الضرب بالمدافع،وكان ذلك من الأسباب التي جعلتني أندفع لمقابلة الأخ مدير الكلية الحربية / محمد الجبري، شارحاً له الموقف وبصورة كاملة وكانت سعادتي كبيرة عندما تفهم مدير الكلية الموقف مقتنعاً بما سمعة مني ومن خلال مشاهدته للأسرى.
ولا يخفى علي بأن ذلك الرجل يمتلك بعد نظر وقدرة في التعامل مع كل موقف على حده ووفقاً لمعطياته، لذلك فقد أدرك طبيعة الموقف الذي كنت فيه وتخوفي من أن تنسى تلك المجموعة العقاب الذي ناله زميلهم السابق والذي تعرض للإعدام بموجب أوامر الفريق/ العمري التي بناها على تقارير خاطئة وبادرني الجبري بقوله: لا تقلق... وثق بأنه سوف تعالج القضية قبل صدور أي قرار وأن الفريق قد علم بهذا الخبر وربما يصل إلينا لهذا الغرض، وما هي إلا لحظات حتى وصل الفريق إلى الإذاعة وتم إحضار الأسرى بين يديه وبادرهم بمجموعة من الأسئلة وكانت إجاباتهم هي نفسها دون تغيير، وبمجرد استماعه لها لاحظنا أن الفريق/ العمري يردد بقولة: هؤلاء ملاعين وملكيين ومن الصعب إخراج أي معلومات منهم، ولازلت أذكر شخصية الفريق وهو يتعامل مع الأسرى حيث كان في حالة من الاستعجال لارتباطه بموعد آخر، وبالرغم من رغبتي الشديدة في توضيح بعض الأمور والحقائق المتعلقة بالأسرى إلا أنني لم أتمكن من تحقيق ذلك نظراً لكونه قد أصدر أوامره بإرسالهم إلى وزارة الداخلية، وذلك ما كنت أخشاه وأخاف منه.
عندها أصبح لزاماً علي الانتظار للدور الذي سيقوم به الأخ مدير الكلية الذي اتضح بأن الفرصة كانت غير مواتيه في ذلك اليوم، بعد ذلك طلب مني الاطمئنان وأنه سوف يتحرك بعد الفريق لشرح الموضوع له.
وبعد ساعات عاد ومعه الخبر الذي أثلج صدري حيث صدرت أوامر جديدة بحجزهم في الإذاعة.
حمود زيد عيسى... والإعلام لخدمة المعركة
قد لمسنا ذلك عندما كنا نعود إلى القرى في الأجازات ويمكن القول أن الدور الذي قامت به الأجهزة الإعلامية في مواجهة تلك الدعايات والشائعات المعادية والتي استهدفت حشد المواطنين ضد الثورة كان ناجحاً تماماً بالرغم من الإمكانيات المحدودة، فقد تمكنت من السير قدماً والمشاركة في الدفاع عن صنعاء وعن ثورة سبتمبر ومن أول يوم لميلادها وحتى تحقيق النصر، حيث كانت الأناشيد الوطنية والكلمة الصادقة تصل إلى المواطن والى الجندي في المواقع العسكرية.
وقد تمكنت إدارة التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة من شمل نشاطها الانتقال بمجموعاتها إلى مواقع القتال وعلى مقربة من الجندي وأيضاً تمكنت من تنظيم برامج لبعض الفنانين ومنهم "علي الآنسي وأحمد السنيدار ومحمد الحارثي وعلي حنش" والذي كان لإسهامهم الفني دوراً إعلامياً في خدمة المعركة ورفع الروح المعنوية بين الجنود والضباط.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كان هناك نشاطاً إعلامياً من خلال جولات الميكروفون اليومية في معظم أحياء العاصمة في الوقت الذي استقبلت فيه العاصمة القذائف المدمرة والتي كانت لا تفرق بين طفل و شيخ ولا بين رجل أو امرأة.
وما زالت في ذاكرتي بعض تلك الأناشيد والأغاني الوطنية والتي كان تأثيرها لا يقل عن تأثير المدفع والطائرة ولا أكون مبالغاً أن قلت أن دور رجال الإعلام في الدفاع عن الثورة لا يقل عن الجندي في المعركة وكان الإيمان بالوطن والشعور الوطني والإيمان بالثورة هو شعار الجميع.
فقد كان نعمان المسعودي مديراً للشئون العامة والتوجيهات المعنوية بالقوات المسلحة والذي لا يختلف عليه اثنان في كل تصرفاته وإخلاصه للثورة والجمهورية، وكذا كلمته المسموعة أو المكتوبة سواء في برنامج القوات المسلحة بالإذاعة أو في مجلة الجيش.<