علي صلاح
تذكر المسلمون فجأة الاحتلال الصيني البغيض لإحدى بلادهم ألا وهي تركستان الشرقية بعد زمن طويل من النسيان والتجاهل على المستويين الشعبي والرسمي, ولعل من فوائد الأحداث الأخيرة التي انلعت في البلد المحتل هو لفت الانتباه لهذه القضية الخطيرة وتسليط الأضواء الإعلامية عليها بعد أن أفلحت بكين في دفنها عشرات السنوات. لقد تفجرت الأحداث عندما خرج المسلمون في تركستان الشرقية للاحتجاج على مقتل العشرات منهم في مصنع للألعاب النارية فما كان من السلطات لصينية إلا أن تصدت لهذه التظاهرات بشكل عنيف أدى إلى مقتل المئات وقد ذكرت بعض مصادر المعارضة أن حصيلة الأحداث الأخيرة وصل إلى آلاف القتلى من المسلمين الإيجور إثر تدخل الصينيون من قومية الهان في الأحداث ومهاجمة المسلمين تحت حماية السلطات الشيوعية, خلافا لتصريحات السلطات الصينية التي أعلنت عن مقتل أقل من مائتين.
من هم الإيجور
الإيجور هي عرقية مسلمة موطنها الأصلي هو إقليم تركستان الشرقية الذي يقع شمال غربي الصين, ويبلغ عدد سكان الإيجور نحو 25 مليون نسمة, بحسب مصادر إيجورية, بينما تزعم الصين أن عدد الإيجور المسلمين لا يزيد على ثمانية ملايين نسمة, وتبلغ مساحة الإقليم 1.8مليون كيلومترا مربع, أي مايعادل خمس المساحة الكلية للصين وهو غني بموارده الطبيعية وتعد تركستان الشرقية "شينجيانج" ثاني أكبر أقاليم الصين إنتاجا للبترول, وتزايدت أهميتها مؤخرا بعد تراجع الإحتياطي النفطي في إقليمي هيلوغنجيانغ وشاندونغ. والإيجور يتكلمون لغة محلية تركمانية ويخطون كتاباتهم بالعربية ولهم ملامح القوقازيين، وكانوا يشكلون 90% من سكان المنطقة، لكن السلطات الصينية قامت بتهجير عدد كبير من قومية "الهان" البوذية إلى تركستان الشرقية لتغيير التركيبة السكانية للبلاد حيث تزايد عدد قومية "الهان" الصينية في تركستان من 6.7% إلى 40.6%، حسب الأرقام الرسمية، وأصبحوا يسيطرون على كل الوظائف الرئيسة وعلى النشاط السياسي. وكانت تركستان الشرقية جزءا من أراضي خضعت لحكام مسلمين في عصور عدة إلى أن ضمتها أمبراطورية مانشو الصينية عام 1759 ميلادية, ومع قيام الثورة الشيوعية عام 1949 اقتطعت الصين مساحات واسعة من الإقليم وضمتها لأقاليم صينية.
وضع المسلمين الإيجور في ظل الاحتلال
السلطات الصينية الشيوعية تفرض قيودا ضخمة على الشعائر الدينية بشكل عام إلا أن هذه القيود بدأت تقل بعد انهيار الكتلة الشيوعية التي كان يتزعمها الاتحاد السوفيتي وحدوث تغييرات في عدد كبير من الدولة الشيوعية وتحولها إلى دول رأسمالية, إلا أن الصين واصلت اضطهاد مسلمي تركستان ومنعهم من إقامة شعائرهم الدينية وتعلم دينهم ولغتهم, وسعت إلى طمس هويتهم,حيث كان المسلمون يدرسون تعاليم دينهم خفية في البيوت وكذلك يستخفون بالصلاة والصيام, وفي عام 2007 صادرت السلطات جوازات سفر أبناء الإيجور لمنعهم من السفر لأداء فريضة الحج.
الموقف الغربي من قضية الإيجور
كعادة الدول الغربية لم نسمع لها صوتا بعد وقوع المجزرة الأخيرة التي تعرض لها المسلمون في تركستان الشرقية وأسفرت عن مقتل الآلاف رغم تنديدها في مواقف أقل حدة بممارسات منافية لحقوق الإنسان, ورغم وقوع عدد أقل من القتلى في طهران عقب الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية, ولكن المصالح المتشابكة مع الصين التي توحشت اقتصاديا في الفترة الأخيرة وهددت العروش الغربية الهشة أعمى "البصائر الديمقراطية" بالإضافة إلى أن المسلمين أصبحوا الآن يتعرضون للعنصرية والاضطهاد داخل البلاد الغربية نفسها دون اتخاذ أي إجراءات لحمايتهم حتى وصل الأمر إلى قتل امرأة مسلمة بريئة داخل المحكمة وتحت حراسة الشرطة في ألمانيا لمجرد ارتدائها الحجاب.
موقف الدول الإسلامية
الموقف الحقيقي الذي سمعنا عنه على المستوى الرسمي للدول الإسلامية هوالموقف التركي ويبدو أن تركيا أصبحت واجهة العالم الإسلامي في مثل هذه القضايا خلال الفترة الأخيرة بعدموقفها المشرف من العدوان الصارخ على غزة؛
فقد دعا وزير الصناعة التركي الأتراك إلى مقاطعة البضائع الصينية احتجاجًا على الحملة التي يتعرض لها مسلمو الإيجور. وقال: إنه يجب على الأتراك ممارسة ضغط على الصين لإنهاء العنف, وذلك عن طريق مقاطعة البضائع الصينية, كما أشار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان إلى أن تركيا الدولة ستطلب من مجلس الأمن الدولي مناقشة سُبل إنهاء العنف بين الإيجور والهان الصينيين في شينجيانج, وأعرب عن أسى بلاده وقلقها لأحداث تركستان الشرقية، قائلا إن "أنقرة تتابع عن كثب ما يجري في الإقليم", وأبدى وزير الخارجية أحمد داود أوغلو استعداد بلاده للتعاون مع الصين في حل الأزمة.
واجب المسلمين نحو إخوانهم
لقد عبرت بعض الفعاليات الإسلامية عن الدور الذي ينبغي القيام به لنصرة المسلمين في تركستان الشرقية؛ فقد قال الداعية السعودي المعروف الشيخ سلمان بن فهد العودة: "إن العلاقات العربية الصينية الرسمية، وكذلك التجارية يجب أن توظف لرفع الضغط، والظلم عن إخواننا، ونحن أمام مجزرة وقضية أن حكومة الصين ترفض التدخل وترفض عرض القضية على مجلس الأمن هذا لا يعني أبدا أن يسكت المسلمون", كما أكد الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر، أن ما حدث في هذه الجريمة "يستلزم من الدول العربية والإسلامية التي لها علاقات اقتصادية ضخمة مع الصين أن تراجع حساباتها أو تقايض تلك المعاملات واستمرارها بحياة كريمة للمسلمين في تركستان وحرية عقيدة يتوجب تمتعهم بها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقوانين الحرية والديمقراطية التي تنادي بها كل دول العالم وشعوبه", في نفس الوقت جددت منظمة المؤتمر الإسلامي قلقها من تدهور الأوضاع في الإقليم ضد السكان من الإيجور المسلمين. وأعرب أوغلو في بيان عن اعتقاده بأن "المشكلة العضال" التي يواجهها الشعب الإيجوري في إقليمهم المتمتع بالحكم الذاتي في الصين، لا يمكن أن تُحَل عن طريق الإجراءات الأمنية وحدها. وأشار إلى أن الإيجور شعب عريق يطمح إلى المحافظة على خصائصه الثقافية والعرقية وهُويته الإسلامية، وإلى التمتع بحقوقه الثقافية والاقتصادية غير القابلة للتغير. وحث الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تربطها علاقات وثيقة بالصين على دعم جهوده في هذا الصدد.<