ملحمة السبعين.. من الدفاع إلى الهجوم
يواصل المؤلف توضيح حديثه هنا عن حصار صنعاء بقوله:
تتزايد حدة الحصار على صنعاء ومن كل الاتجاهات،وما رافق ذلك من ضرب المغارات بهدف قطع مصادر الإمداد البرية والجوية عن العاصمة، وما نتج عن ذلك من انعكاسات على العاصمة والحياة العامة فيها، فقد برهن المدافعون عن صنعاء على قدرتهم على تحويل الموقف من الدفاع ولمدة طويلة إلى مرحلة الهجوم وهي مرحلة جديدة.
وبالفعل تم لهم ذلك عندما توالى الهجوم على العديد من المواقع وتم الاستيلاء على مجاميع من أسلحة المرتزقة والمغرر بهم، وبذلك ازدادت الثقة والإيمان بما يقومون به.
الأمر الذي دفع بهم إلى مزيد من الجهود ومضاعفة الهجمات وتكثيف الغارات... وفي نفس الوقت كانت القيادة تضع الخطط على ضوء الأحداث وتطورها، إذ استقر الرأي على اتخاذ بعض التدابير منها أن يقوم العميد/ مجاهد أبو شوارب بالهجوم على جبل الطويل الذي كان يشكل خطراً ومصدراً للتهديد المباشر لمطار الجراف، والذي كان يستخدم كمصدر أمداد لبعض الوحدات بالمواد الغذائية التي تأتي بواسطة طائرات الداكوتاء، حيث تم للملكيين السيطرة على بالمدفعية عيار "70" والهاون بعياراته المختلفة وذلك من جبل الطويل ومن الأمام تبة المطلاع من وادي سعوان ومن الخلف خشم البكرة بالمدفعية الهاوتزر عيار "105 ، 106" وهي مدافع عديمة الارتداد.
وبعد الانقطاع وما رافق ذلك من مخاوف قام الأخ العميد/ مجاهد أبو شوارب بتجميع قوات من أبناء حاشد بالإضافة إلى مجاميع من الصاعقة والمظلات للتحرك بعد ذلك في هجوم مباغت ومن اتجاه مخالف لكل توقعات الأعداء حيث تم التحرك من وادي سعوان وهنا تم مبدأ الهجوم من الخلف إلى الأمام، أي من أعماق العدو في الخلف إلى المواقع الأمامية فكانت المفاجأة والمباغتة في التنفيذ للأعداء، مما مكن قوات الثورة من السيطرة على المرتفعات كاملة في جبل الطويل وكانت تلك هي المفاجأة الأولى لأعداء الثورة والتي لم تكن تتوقع الهجوم من قوات محاصرة ذات أعداد قليلة ولا تستطيع الدفاع عن العاصمة.
محمد عبدالله صالح والنجاة من حادثة محققة
في تلك الآونة تلقيت توجيهات من قيادة الكلية الحربية بالتوجيه إلى قرية الجرداء باعتبارها من المواقع المتقدمة وكانت على مقربة من مواقع الملكيين التي كانت على تباب القلفان والبطحة، حيث كان الأخ/ علي عبدالله العرار قائد موقع الجرداء وحينها أصر على عدم ترك موقعه رغم الخطورة التي تحيط به من جميع الجهات، لأن هذا الموقع متقدم ويخترق خطوط الأعداء وكان من الصعب إمداده أو نجدته عند تعرضه لأي هجوم وخلال اشتداد الحصار في ذلك الاتجاه كان لتلك المواقع المتمركزة في الحفاء والمرماحة دور أساسي وفعال في تخفيف الضغط على موقع الجرداء، إذ كانت نيران المدفعية الصادرة من هذين الموقعين لها تأثير مباشر في تحويل المعركة لصالح الثورة والجمهورية.
وقبل أن أتوجه إلى الجرداء طلبت من الأخ مدير الكلية معرفة طبيعة المهمة المطلوبة مني فوضح بأن المطلوب هو إعلامه بتحركات الملكيين وأنشطتهم والمهام التي يقومون بها، وكذلك التعرف على مصادر إمدادهم ومعرفة حالتهم النفسية، ومدى التفاف الناس حولهم إلى غير ذلك من المعلومات الواجب التعرف عليها، وكانت تلك المهمة صعبة وذلك لعدم خروج المواطنين من منازلهم وقراهم.
وقبل تحركي وضح مدير الكلية/ محمد علي الجبري أنه على علم بأن ذلك الرجل الذي في قرية الجرداء عظيم وكان يقصد به علي عبدالله العرار وأنه من خيرة رجال الثورة، وقد طلب مني وقتها ضرورة عرض المساعدة له ومعرفة ما إذا كان له طلب معين، ومدى قدرتنا على القيام به وبالتالي تقديم طلباته إلى رئاسة هيئة الأركان والقيادة العامة وبعد مرور أكثر من ساعة وأنا منتظر/ أحمد حميد وإدراكاً مني بأهمية الخروج معه حتى لو انتظرته لليوم التالي، كان الوقت يمر حتى بلغ العصر وقته حينئذ أتت سيارة نوع "لاندروفر" فوقفت وكان عليها الأخ/ محمد عبدالله صالح الذي كان متجهاً إلى الجرداء طالباً مني معرفة اتجاهي فأعلمته بوجهتي فبادر بطلبه للصعود على السيارة والخروج سوياً فظهر علي التردد لأني كنت في انتظار أحمد حميد وكنت حينها أخشى اللوم منه،ولكن محمد عبدالله صالح أكد على ضرورة مرافقته والصعود إلى السيارة ونظراً لطول ساعات الانتظار ونزولاً عند رغبة محمد عبدالله صالح، وافقت على الركوب لنواصل رحلتنا إلى مواقع الحفاء، تاركين السيارة ومترجلين بقية المسافة مع العلم أن معظم الطرقات كانت معرضة للقصف من مواقع المدفعية والرشاشات الثقيلة للملكيين، وكان محمد عبدالله صالح على معرفة تامة بتلك الأماكن المعرضة للضرب بحكم تردده عليها وخبرته في المنطق وكثرة دخوله وخروجه منها، وأتضح ذلك عند ما كان يطلب مني الإسراع في تخطي بعض الأماكن ومعارضته لي من الجهة الغربية أثناء سيرنا وما رافق ذلك من ضرب موجه نحونا.
وطلبت منه ما إذا كان يعتقد بأن بقائي إلى جواره يحميه من الضرب عندما أكون على يساره، وبالرغم من تلك المواقف فقد كان يتخلل ذلك الموقف ضحكاته، حيث كانت عناية الله تقينا من تلك الطلقات حتى وصلنا القرية لندخل منزل "غالب المترب" وكان وقتها يعد مترساً للرشاش "7 / 12" الذي يقاتل به محمد عبدالله صالح من سطح المنزل، وعند غيابه يحل محله علي صالح علي وكان حينها لا يتعدى عمره خمسة عشر عاماً، ولكنه كان يجيد الضرب بالرشاش ويقاتل به قتال الأبطال بالرغم من صغر سنه.
وبينما نحن في ذلك المنزل وما هي إلا دقائق قليلة حتى سمعنا صوت انفجار كبير خارج القرية ومن جهة الطريق الفريجة فسارع الأطفال بالهرب، كما هي عادتهم عند سماعهم لأي انفجار وبمرور دقائق أخرى سمعنا صوتاً يردد بأن أحمد حميد قد انتهى مع الموتر ورد آخر بأن دانة أصابته، وأفاد آخرون بأن ما حدث نتيجة لانفجار لغم، فسارعنا إليه نرجوا إسعافه فكانت المفاجأة الكبرى عندما شاهدناه ولم نتعرف على ملامحه حيث تهشمت كل أعضائه ولم يتبقَ منها ما يجعلنا نتعرف عليه وهنالك بادرنا إلى لف أجزاء جسمه في بطانية وكان ذلك الموقف بالنسبة لي فاجعة موحشة خاصة بعد أن كنت في طريقي لمرافقته.<
a