محمد أبو علان
رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض "أحمد قريع" اقترح قبل عدة أسابيع وفي حديث لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية منح الجنسية الفلسطينية لمستوطني الضفة الغربية المحتلة مع احتفاظهم بالجنسية الإسرائيلية، وها هو اليوم يتحدث بنفس الفحوى ونفس المضمون حول المستوطنين في الضفة الغربية، حيث أعلن في مهرجان اسبن للأفكار في ولاية كولورادو بقولة "اليهود الذين يختارون أن يظلوا في دولة فلسطين سيستمتعون بالحقوق السياسية وبقيم التسامح والتعايش والاحترام المتبادل وتفاعل الثقافات والأديان، ولن تقل حقوقهم بالتأكيد عن تلك التي يتمتع بها عرب الداخل في إسرائيل".
هذا التسامح الفلسطيني "الأصيل" في التعامل مع المستوطنين في الضفة الغربية أمر لا يمكن فهمة في ظل مواقف دولة الاحتلال الإسرائيلي من عملية السلام وحقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة نتيجة هذا الاحتلال الذي تجاوز عمره الستين عاماً دون أية بادرة أو مؤشرات حول إمكانية حل سياسي قريب.
بعض رجالات السياسية الفلسطينيين يتعاملون مع القضية الوطنية وكأنها مشروع شخصي يحق لهم التصرف به وفق وجهات نظرهم لا وفق مضامين المشروع الوطني الفلسطيني، فالحد الأدنى المقبول سياسياً لدى الفلسطينيين هو دولة فلسطينية مستقلة على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف؛ وإزالة المستوطنات وترحيل المستوطنين جزء من هذا الحل، فكيف يقبل هؤلاء الساسة الفلسطينيون إمكانية مشاركة المستوطنين لنا ما مساحته 22 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية بعد أن تبنت منظمة التحرير الفلسطينية حلاً تنازلت بموجبه عن 78 بالمئة من الأرض الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني؟.
كما أن التوقيت الذي جاءت فيه هذه التصريحات لا يخدم القضية الوطنية الفلسطينية، فهي جاءت في ظل مواقف لدولة الاحتلال ورئيس حكومتها تشير بشكل واضح وقطعي إلى عدم توفر نية حقيقية لديهم في أية عملية سلام، فدعوات منح المستوطنين الجنسية الفلسطينية جاءت في ظل مطالبة حكومة "نتنياهو" ومن قبلها حكومة "أولمرت" بضرورة الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية مما يعني تحقيق الحلم اليهودي بطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة في العام 1948، في الوقت الذي يعلن ساستنا عن إمكانية استيعاب من يرغب من المستوطنين اليهود بيننا.
وحرص ساستنا على مستقبل المستوطنين الذين سيختارون البقاء في حدود الدولة الفلسطينية أمر غير مفهوم في ظل التعنت الإسرائيلي في موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والرفض المطلق له، وآخر ما قيل من الإسرائيليين في هذا المجال كان على لسان رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو "إن أراد الفلسطينيون تحقيق السلام عليهم نسيان موضوع حق العودة".
وهذا الأمر لا يرتبط بالعوامل السياسية فقط، فكيف نعلن عن استعدادنا لمنح جنسية فلسطينية لمستوطنين يهود كان تاريخهم حافلا بالمجازر ضد المواطن الفلسطيني وأرضه على مدار العقود الماضية؟
بدلاً من منحهم الجنسية الفلسطينية كان الأحرى المطالبة بضرورة جلب هؤلاء المستوطنين لمحاكم مجرمي الحرب لمحاكمتهم على جرائمهم.. فدولة الاحتلال الإسرائيلي لا زالت تلاحق الحكومة الألمانية على جرائم ارتكبت ضد اليهود في العهد النازي الألماني، وفي المقابل يتحدث رئيس حكومتنا عن تسامح وحقوق سياسية، وتفاعل ثقافات الأديان مع مستوطنين لا زالوا يحتلون أرضنا ويقتلون شعبنا، وجعلوا من حياتنا رحلة عذاب يومي في البيت وفي الشارع وفي المدرسة.
هل يعقل يا سيادة رئيس الوزراء أن تتحدث عن منح الجنسية الفلسطينية لمستوطنين أمثال "باروخ مارزل" و"بن كفير" وأحفاد قاتل المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي "باروخ غولدشاتين" إن هم اختاروا البقاء في حدود الدولة الفلسطينية العتيدة؟!. وهل يعقل تشبيه سكان الأرض الأصليين في المناطق المحتلة في العام 1948 بواقع المستوطنين في الضفة الغربية؟.
والأمر الغريب على الساحة الفلسطينية المرور مر الكرام على مثل هذه التصريحات "باستثناء البيان الصادر عن الائتلاف من أجل القدس" من قبل فصائل العمل الوطني، ومن قبل الإعلام المحلي وكتاب الأعمدة والمحللين السياسيين، فإن كان الدكتور سلام فياض يستحق الثناء والتقدير من قبلكم على مهنيته الإدارية وشفافيته المالية فلا يعني هذا عدم انتقاد مواقفه السياسية.