;

اليمن .. بين كابوس الانفصال وفتنة الحوثيين 761

2009-07-19 03:52:13

د. ليلى بيومي

تُعتبر الوحدة من أعظم ما أنجزه اليمنيون في العقود الأخيرة؛ فاليمن التاريخي لا يمكن أن يُعَبِّرَ عن نفسه ولا عن ذاته الحضارية إلا إذا كان إقليمًا موحدًا، ومن خلال تجربة الوحدة أظهر الإنسان اليمني وجهه الحضاري وحِسَّهُ القومي العالي، إلا أن هذا الإنجاز بات مهددًا بفعل حركة المعارضة الجنوبية والاحتجاجات المستمرة منذ شهور طويلة على سياسات نظام الرئيس علي عبد الله صالح.

حُلْمُ الوَحدة اليمنية الذي تحقق منذ 19 عامًا (في 22 مايو 1990م)، والذي ناضلت أجيال يمنيَّة كثيرة من أجله، أصبح في مهبِّ الريح؛ حيث احتجاجات محافظات الجنوب التي تشهد تظاهرات وأعمال شغب وتخريب مستمر، والتي يطالب المحتجون من خلالها بالانفصال عن الشمال اليمني.

"الحِرَاك الجنوبي" هو المسئول الرئيس عن هذه الاحتجاجات، وقد يكون قادته مُحِقِّين في مطالبهم؛ فهناك مشكلات مجتمعية حقيقية تراكمت على مدار السنوات الماضية، وكان يُفترض بعد أن تحققت الوحدة أن يلتفت النظام اليمني إلى قضية التنمية في المحافظات الجنوبية الأكثر معاناة، لكن السنوات مضت ولم يفعل النظام شيئًا، والخطر أن المشكلات تفاقمت، فإذا كان اليمن لدية مشكلات اقتصادية وتنموية بشكل عام، وجميع محافظاته تعاني بدرجة أو بأخرى من نقص الخدمات وندرة مشروعات البِنْيَة التحتية، وقلة المتاح من الوظائف، مما يؤدي إلى انتشار البطالة .. الخ .. فإن الصورة كانت صارخة في المحافظات الجنوبية، وكانت التنمية ومشروعاتها أقل، مما وفَّر أرضية خصبة لنمو حركات المعارضة واتساع نطاقها؛ لأن الناس فعلاً تشعر بالمعاناة فتتجاوب مع من يتحدث باسمها ويشير إلى معاناتها ومشكلاتها وأحلامها.

وإذا كانت الأسباب الاقتصادية والتنموية سبب رئيس لهذه الاحتجاجات التي بلغت حد الخطورة والتهديد، فإن الأسباب الاجتماعية كانت موجودة خلف هذه الاضطرابات. فالأمية منتشرة، ومشكلات التعليم واضحة، ومؤسسات الدولة المركزية لم تستطع أن تصهر الأَنْساق الاجتماعية القبلية داخل مركزية الدولة، فنمت القبلية على حساب مؤسسات الدولة القومية المركزية مما أدى إلى نمو أطماع بعض القوى والقبائل في الاستحواذ على مكاسب أكثر من غيرها من الدولة بالضغط عليها في نقاط معينة.

كما وفَّر المستوى السياسي مناخًا مواتيًا لنمو التيار الداعي للانفصال، فالخلافات السياسية والأيديولوجية كبيرة، وكان على النظام اليمني أن يعمل على تخفيفها عن طريق تغيير في بنية النظام وتوسيعه لإشراك قوًى سياسيةٍ جديدة، وكان لابد من مصداقية للنظام السياسي يشعر بها الجميع (مواطنون وناشطون سياسيون وأحزاب وجماعات مجتمع مدني ومنظمات) من خلال انتخابات حرة تمثِّل إرادة الناس بشكل سليم، لكن هذا لم يحدث، بل حدث مزيد من الاستئثار بالسلطة، وسمعنا عن مشاريعَ لتوريث السلطة، تمشيًا مع السائد في العالم العربي من انتكاسات سياسية، فبدلاً من نمو نُظمنا السياسية لتعبِّر عنا بشكل أفضل يحدُث التوريث. وبالإضافة لذلك انتشر الفساد الإداري والمالي في أجهزة الدولة، وأصبحت هذه السلبيات تعوق النظام عن الحركة الصحيحة من أجل تطوير اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص.

نتيجة لكل هذه الإخفاقات والانتكاسات للنظام اليمني، توفرت الأرضية التي استغلتها أطراف عديدة ليحقق كل منها أغراضه الخاصة، والعجيب أنه رغم مُضِيِّ وقت طويل على حركة الاحتجاجات الجنوبية العنيفة إلا أن النظام اليمني وقف يتفرج ولا يحرك ساكنًا وكأن ما يحدث إنما يحدث في بلد أخرى غير اليمن.

ومما زاد من مشكلات النظام اليمني وأعاقه عن الحركة الإيجابية للسيطرة على احتجاجات الجنوبيين المستمرة والمتزايدة والخطيرة، أن هناك ملفًا أخطر من ملف الجنوب، وهو ملف الحرب المستمرة بين الدولة والحوثيين في صعدة في الشمال، هذه الحرب التي حصدت مئات القتلى وآلاف الجرحى، وأدت لشيوع حالة من عدم الاستقرار ومن التوتر في البلاد، وهي الحرب التي فشل النظام اليمني في إنهائها والسيطرة على المسئولين عنها.

الرئيس اليمني يدعو إلى معالجة الوضع بالحوار بين القوى السياسية وعدم اللجوء إلى العنف ونبذ ثقافة الكراهية والتقسيم، وهو يرى أنه لن تكون الأمور كما يتوهم دعاة الهوية الجنوبية المستقلة، فلن يقتصر الأمر على صيغة دولتين؛ واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، فبابُ التقسيم إذا فُتح سيدمِّر الجميع، وستتحول اليمن إلى ساحة للحرب الأهلية الشاملة، وسيدور القتال من قرية إلى قرية ومن محافظة إلى محافظة ومن إقليم إلى إقليم، ففي مجتمع مسلح بالكامل، ومحتقن بالأحلام التاريخية والنزعات القبلية، ومدجج بالأسلحة من كل صنف ولون، ومحبَط من الفقر وهشاشة السلطة المركزية، يمكن توقُّع ما يحذر منه الرئيس علي عبد الله صالح، لكننا في نفس الوقت ندعو الرئيس اليمني وأركان نظامه إلى الفعل وليس الكلام.. الفعل من خلال التفاعل والتجاوب مع مشكلات الناس الحقيقية، ولتكن البداية من خلال مؤتمر تشارك فيه القيادة اليمنية مع القوى السياسية المختلفة، ويمثَّل فيه أهلُ الجنوب، وتوضع حلول لهذه المشكلات، ويوضع جدول زمني لتنفيذها تتعهد به القيادة اليمنية كما تتعهد بإحداث انفتاح في النظام السياسي ليصبح أكثر ديمقراطية واستجابة لمطالب اليمنيين.

إن المشكلة الحقيقية يتحملها النظام اليمني الذي وقف متفرجًا لسنوات طويلة وهو يرى اليمن يتمزق، والمواطنين في الجنوب اليمني تسيطر عليهم يومًا بعد يوم قناعةُ أنَّ الوَحدة لم تَعُدْ مرغوبةً لهم، وأنهم لم يستفيدوا منها، ومنهم من يقول إنهم أُضيروا منها.. نمت هذه النزعة الانفصالية تحت سمع وبصر النظام اليمني دون أن يتحرك ليُنْهِيَ أسبابَ هذه الحالة، بل ويقتلعَها من جذورها، حتى تمكنت هذه الأفكار الانفصالية من نفوس الكثيرين، وأصبحت ثقافة متكاملة، لها دعائمُها ومبرراتها وقادتها الفكريُّون والسياسيون، وأصبح هناك من يؤمن بها ومن يضحي بروحه من أجل الفكاك منها، ومنهم من وصل إلى مرحلة قبول السجن والموت من أجل الخلاص من تبعات الوحدة. والخطورة في الأمر أن من وصل إلى هذه الدرجة من القناعة من الصعب عليه التراجع عن قناعاته مهما استُخدم ضدَّه من أدوات لقمع إرادته وفكره..الأزمة في صعدة هي الأخطر؛ فالجنوب يُفصح عما يريد وبكل دقة وجرأة، وهذا يساعد على الحلِّ عكسَ صعدة وما يدور فيها. كما أن انفصال الجنوب هو رغبة أكيدة للحوثيين ليقين الشيعة الزيدية بعدم قدرتهم على السيطرة على يمنٍ سني موحد، كما أن عجز الدولة في التعامل مع ملف صعدة كان عاملاً مساعدًا في إيقاظ مشاعر وثقافة الانفصال عند الجنوبيين، ومن هنا فإن هناك تواصلاً بين قادة المشروعين الجنوبي والحوثي.

وإذا كان بعض أركان النظام اليمني يرَوْن استحالة انفصال جنوب اليمن عن شماله أو تعرُّض اليمن لحرب أهلية، مستندين إلى أن مقومات الانفصال والحرب غير موجودة في اليمن، لأنه دولة مؤسسات وله برلمان منتخب وسلطة قضائية وصحافة حرة ومحافظون بالانتخاب وليسوا بالتعيين، متهمين مسئولين سابقين من الشطر الجنوبي بالوقوف وراء أعمال العنف في جنوب اليمن، ومتهمين إيران أيضًا بالتأجيج؛ بمساعدة الحوثيين وتأجيج فتنتهم، وإذا كان أركان النظام يعلقون على ما يحدث في الجنوب بأن اليمن بلد فقير بشكل عام سواء في الجنوب أو الشمال والميزانية المحددة لا تفي بطموحات الناس.. فهذا الكلام يستحق التوقف عنده وتفنيده..فاستحالة الانفصال أمرٌ غيرُ مؤكَّدٍ وغيرُ مجمَعٍ عليه، بل إن العكس هو الأقرب للواقع، فالانفصال اكتسب زخمًا وأصبح له مؤيدوه ومشروعه وثقافته وفكره وسياسيوه الذين نذروا أنفسهم له، وهذا يقتضي عملاً كبيرًا ومواجهة شاملة على المستوى السياسي والثقافي والفكري والإعلامي، والأهم من هذا كله على المستوى الشعبي والتنفيذي والحكومي، فهناك مشكلات لا يُجْدِي الكلامُ في حلِّهَا، ولكن لابد من خطط وبرامج وموازنات.

أما القول بأن اليمن محصَّن من الانفصال بمؤسساته الديمقراطية، فهذا خطاب رسمي عربي ملَلْنا من سماعه؛ لأنه خطاب غير حقيقي، يصوِّر به الرسميون العرب حال بلادهم التعيس على أنها أفضل من الديمقراطيات الغربية الكبرى. فالحقيقة هي أن الفساد السياسي والفردية وعدم الشفافية والديكتاتورية ومنطق الضيعة ... الخ، كل ذلك سمات واضحة للنظام السياسي اليمني خاصة والعربي بشكل عام. ولو كانت هناك ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة وإرادة جماهير محترمة ومؤسسات قوية تطبِّق القانون وتحترمه ورئيس لا يظل طيلة هذه السنوات في السلطة هو ومجموعة المقربين منه .. لو هذا حادث ووقع فعلاً، لقلنا إن اليمن محصَّن ضد الانفصال .. أَمَا وأنَّ ذلك غيرُ موجود فإن الخطر قائم وحقيقي.

نقلاً عن الإسلام اليوم

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد