عبدالمجيد السامعي
يخبر الله تعالى أن من يقدر الله له الهداية يشرح صدره للإسلام، فينشرح له ، ويطمئن إليه ويستريح به. ومن يقدر الله له الضلالة يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله، كما يجد الضيق والضنك بسبب إعراضه عن هدي الله الذي تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب وترتاح له النفوس وشتان شتان ما بين الفريقين.
حاولت الحضارة القائمة اليوم طمأنة النفس ، فهيهات وذلك عن طريق النعيم المادي ، والمتعة الجسدية، فزادتها تعقيداً واضطراباً تنكبت عن الطريق فحطمت الأخلاق وهتكت المبادئ ودمرت القيم وأشاعت الرذيلة، فعاش القوم حياة القلق والتوتر والضيق والضنك وأصابتهم السآمة والملل يا للعجب حينما نعلم أن أرقى دول العالم اليوم حضارة مادية يقدم بعض أبنائها على الانتحار مللاً من هذه الحياة وتخلصاً من العذاب النفسي!
إن حالة الإنسان المعاصر تدعو إلى الشفقة وواقعه المزري ينذر بالخطر والثبور ، كيف يجئ هذا المسكين ساكن الأعصاب، مطمئن النفس، هادئ البال، آمن السرب، وقد أجدب إيمانه، وتزعزعت مبادئه وانتكست فطرته؟ كيف تطمئن نفسه ، وقد أحاطت به هذه الحجب المادية الكثيفة الفائقة الصنع ولكنها مقفرة من نافذة نور أو إشراقة أمل أو سمو نفس، أو صلة رحم، أو بسمة صدق أو برد يقين، أو نبض حنان أو حلاوة إيمان، أو لذة إحسان؟.كيف يجيء هادئ البال ، وهو يسمع ويرى ذلك السباق البغيض في إنتاج أرقى أنواع الأسلحة التدميرية والقتل هو حديث البشرية، يحاول المسكين الفرار من قلق يؤرقه وفزع يزعجه وتوتر يحطمه إلى مذاهب وأفكار سوداء يلجأ إلى الخمور والمخدرات فواقعه مر وحياته بائسة.
كلما تضخم الجانب المادي في النفوس وزاد الترف والبذخ وقتل الناس في نفوسهم المشاعر الإنسانية وأفرغوا جعبهم من المعاني الإيمانية كلما زادت الأمراض النفسية والعصبية، وعم الرعب والفزع ،وكثرت حوادث الإجرام والاغتصاب والانتحار وتكاثرت حالات الشذوذ والإدمان.
إن أكثر الناس قلقاً واضطراباً وشعوراً بالضياع هم المحرومون من نعمة الإيمان وبرد اليقين. إن حياتهم لا طعم لها ولا مذاق وإن حفلت بالملذات والمرفهات.
بحث ويبحث أقوام عن السكينة وطمأنينة النفس في المال في المناصب في المركبات الفارقة في الشهرة الزائفة في الانغماس في أوحال الشهوات في تجرع كؤوس الخمر، في احتساء سموم المخدرات، فلم يشبعوا ، ولم يهنئوا ولم تطمئن نفوسهم واصطلوا بنار القلق النفسي والتوتر العصبي يقض مضاجعهم ويؤلم نفوسهم ويوجع أبدانهم قال تعالى"ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم" "لم يجدوا السكينة ولن يجدوا أنفسهم ذاتها قال تعالى "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" ومن قطع صلته بالله فما أشقى حياته وما أتعس حظه وما أخيب سعيه.
قال ابن القيم رحمه الله ":في القلب شعث لا يملؤه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه وفيه ثلاث حسرات لا يطفؤها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص،ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً "انتهى كلامه رحمه الله.