منيف الهلالي
تجتاحني رغبة للتمرد على الثوابت الاجتماعية المألوفة ، كأن أحجم عن زيارة صديقي يوم عرسه محملاً بالخراف والهدايا، أو أمتنع عن ارتداء الجنبية ولبس الثوب و"الغترة"، أو أن أذهب للمشاركة في تسيير "هجر" مرتدياً بدله وربطة عنق أو أن أأتي بمقرئ ليتلو القرآن في يوم زفافي، أو أن أرتدي نعلين وأدخل بهما أحد مساجد صنعاء القديمة لأداء الصلاة، أو أن أتحدث بالهاتف إلى زميلتي في حضرة زوجتي متجرداً من الخوف الذي أعتدنا عليه معشر القبائل.
ربما قد يتهمني البعض بالجنون أو الخرف، أو قد أتعرض للاعتداء من جمهور العامة خصوصاً عندما يروني منتعلاً حذائي داخل حرم الجامع..
لماذا سيقف الكل ضد رغبتي وإن كانت تلك الرغبة تحت سقف شريعة السماء وليس فيها تعدي على الثوابت الوطنية؟
ثمة تمردات تعلن عن نفسها في هذا الوطن الكسيح حد الكرسي!!
صعدة تتمرد على نفسها ، والضالع تستجدي التمرد في تمردها ، لحج هي الأخرى تناضل من أجل التمرد على سيبويه ورفاقه.. كلاً يريد التمرد ويسعى من أجله ويبذل كل ما في بوسعه في ضل أجواء ملائمة لتحقيق الرغبات التمردية.
كلاً يغني على ليلاه وليلاي نوع من الحبر.. وحدي أنا من يعجز عن التمرد، حتى قلمي الذي كانت هنالك بعض التنبؤات باحتمالية إعلانه التمرد سقط مني في إصلاحية سجن تعز المركزي أثناء قيامي بعمل تحقيق صحفي حول وضع الإصلاحيات في السجون اليمنية، والعجيب في الأمر أنه سقط في قسم المصحة النفسية مما زادني ألماً وحسرة فالقلم الذي كنت أمني النفس برؤيته شامخاً متمرداً ها هو اليوم يقبع خلف القضبان يتقاذفه المجانين ويمرغون أنفه في التراب..
لقد هاتفتُ مدير الأمن لعله يأمر بالإفراج عن قلمي أو حتى يتكرم بالسماح لي بزيارته فإن أنينه المكلوم يؤذي مسامعي كلما آويت إلى فراشي كذلك هي الشكوى من وطأة أقدام نزلاء المصحة تدوي بصداها في أرجاء الدنيا فتحشرني بين رصاصتين.
بيد أنه تجاهل طلب وارتفع صهيله ضاحكاً.. أتركه لعله يأخذ الحكمة من أفواه المجانين.
وقفت غاضباً أسألني..
أكان ذلك القلم أحب شيء إلى قلبي حقاً، أم تراه كان عنواناً لتعاستي؟
لا أدري ؟
ها أنا ذا اليوم، في غربة، وحزن ، وقهر، وعذاب ، ولكني لست متمرداً..
Almonef86@yahoo.com