;

خدعة كلينتون وأنفلونزا التطبيع 739

2009-07-26 03:51:57

عصام زيدان

مثل العدوى الفيروسية سريعة الانتشار المسماه بانفلونزا الخنازير باتت الدعوة إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تنتقل من بلد إلى آخر ومن شخصيات وقيادات سياسية إلى أخرى، حتى بات تتبع تلك الدعوات عسيرا كما حال تبع المصابين بتلك العدوى ناهيك عن حامليها المتخفين بها الذين يكتفون بنقلها دون أن تظهر عليهم أعراضها.

ولم يكن غريبا أن تصدر الدعوة من وزيرة الخارجية الأمريكية لدول العربية إلى المسارعة للتطبيع مع "إسرائيل" بناء على الخلفيات المسبقة عن دعم الولايات المتحدة اللامحدود لليهود من ناحية، وما عرف من تحيز سافر لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لليهود على مدار تاريخها السياسي.

لم تكن دعوتها غريبة مع استصحاب تلك الخلفيات التى ترسم المشهد وتسقط عليه دعوة التطبيع متسقة منسجمة، ولكن ما ساقته من مبررات لهذه العجلة في التطبيع واستنفار الدول العربية لاغتنام الفرصة هو ما يوحي بعبثية المشهد والاستخفاف، ليس فقط بالمواطن العربي، ولكن بقادة الدول الذين وجهت لهم تلك الدعوة العاجلة.

مكمن الاستخفاف والعبثية في دعوة كلينتون في الأسباب والمبررات التى ساقتها برهانا على أهمية هذه الدعوة وهي "أن التقدم نحو السلام ليس من مسؤولية الولايات المتحدة أو اسرائيل فقط".

ومضمون الدعوة هذه أن على قادة الدول العربية أن يقدموا المزيد ويسعوا إلى السلام ولا يتركوا الولايات المتحدة و"إسرائيل" في مضمار لعبة السلام وحدهما. . وهذه عبثية لا تحتاج إلى تعليق، فهي دالة بذاتها ومنطوقها على مقدار الاستخفاف بالعقل العربي وقادته الذي جعل أمريكا و"إسرائيل" وحدهما في حقل السلام يتمنيان على العرب اللحوق بهما!

والمبرر الثاني الذي قادتة الوزيرة الأمريكية "أن مبادرات من الدول العربية تجاه إسرائيل ستعطي الحكومة اليمينية الاسرائيلية مزيدا من الدعم السياسي لوقف بناء المستوطنات".

وفي هذه الدعوة صك براءة من "الوديعة" كلينتون لل"حمل" الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وكأننا به يواجه ضغوطا داخلية هائلة للاستمرار في بناء المستوطنات، وأنها لم تكن يوما على برنامجه الانتخابي ولا مخططه حتى قبل وصوله لرئاسة الوزراء. .

فالخديعة الثانية المرتبطة بهذه الدعوة أن كلينتون جعلت الوسيلة الرئيسة لتخفيف الضغط عن نتنياهو ومحاولة وقف بناء المستوطنات هو تقديم العرب المزيد من التنازلات والتطبيع، وليس للحكومة الإسرئيلية ما تفعله الا انتظار اليد العربية الممدوة بالسلام والتطبيع، أما قبل ذلك فليس من سبيل لبدء مفاوضات السلام والانخراط فيها مرة أخرى.

أخر خدعة ساقتها كلينتون في حديثها أمام مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز للأبحاث في واشنطن،حينما قالت إن 'الدول العربية لديها مسؤولية اتخاذ تدابير لتحسين العلاقات مع إسرائيل واعداد الرأي العام لديها لتقبل السلام وتقبل مكانة إسرائيل في المنطقة'.

ونراها مرة أخرى جعلت العلاقة فاعلة من الجانب العربي في ضرورة المبادرة بتحسين العلاقات مع "إسرائيل" والضغط على الشعوب وجرها لتقبل هذا الكيان في الوسط العربي، وهي في ذلك تتجاوز الجرائم الإسرائيلية التى ما جفت الدماء التى سالت من جرائها بعد في غزة ولبنان وغيرها،وتجعل من التقبل الشعبي العربي ل "إسرئيل" ضرورة لاغنى عنها، بل ومن أهم الثوابت السياسية اللازمة لاحداث تقدم في مسيرة السلام بين العرب و"إسرائيل".

خلاصة ماتريد كلينتون أن تثبته أن "إسرائيل" ما زالت تحتاج إلى المزيد من الدعم والتقدم العربي نحو السلام، مضافا إليه تطبيع على وجه سريع وإعداد للراي العام العربي لتقبل "إسرائيل" واعطاء محفزات للحكومة الإسرئيلية، أما عن المقابل فهو سراب وأوهام وخداع ماكر يسمى محاولة وقف بناء المستوطنات، وتدوير عجلة المفاوضات مرة أخرى. . .

أي أن على العرب أن يقدموا كل ما يمكنهم، ويحرقوا أخر ورقة وهي المقاطعة الظاهرية في مقابل وعود من الجانب الإسرائيلي بأن يلتفت إلى دعوتهم ويرى إمكانية وقف بناء المستوطنات، وهذا بالطبع خلاف ما بات يطلق عليه النمو الطبيعي للمستوطنات، وأن يرى العودة للمفاوضات لا على أساس دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة ولكن في مقابل البحث عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والتجارية للفلسطينيين في الضفة دون القطاع المغضوب عليه.

وإذا كانت هذه دعوة الخارج ونظرته للتطبيع وعلاقة العرب ب"إسرائيل" على المستوى الرسمي فثمة دعوة خرجت من البلاد العربية لا يمكن تجاهلها بحال، وهي دعوة ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة القادة العرب للتواصل مع الشعب الصهيوني.

ففي مقال له بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قال ولي العهد البحريني: "نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع الشعب الاسرائيلي،. . . ،وعلينا أن نتقدم الآن نحو سلام حقيقي من خلال التشاور مع شعبنا وتوعيته وكذلك من خلال مد اليد الى الشعب الاسرائيلي لتسليط الضوء على فوائد السلام الحقيقي،. . ، إن مهمتنا هي بالتالي أن نقوم برواية تاريخنا بصورة مباشرة للاسرائيليين وتمرير رسالتنا الى وسائل اعلامهم رسالة تعكس آمال غالبية العرب وتؤكد أن السلام خيار استراتيجي بالنسبة لنا وتقدم المبادرة العربية للسلام بوصفها السبيل لتحقيقه".

وهذه الدعوة للتطبيع الشعبي في حقيقتها تتغافل وتتجاهل أبعادا شديدة الأهمية، لعل من أهمها أنه لافرق حقيقة بين قادة الكيان وشعب "إسرائيل"، سواء من حيث رؤيتهم للعرب وكيفية التعامل معهم، أو رؤيتهم لأنفسهم كأصحاب أرض يحاول "الأمميين" أن يغتصبوها منهم تارة أخرى. .

ولعل موقف الشعب الإسرئيلي إن صح هذا المصطلح من الأساس من العدوان على غزة ومباركتهم لها وللدماء التى سالت هناك يعطي انطباعا أننا أمام نفسية واحده وعقلية واحدة ورغبة واحدة. . إنها العقلية اليهودية والنفسية اليهودية التى ترى في العرب والمسلمين العدو الأول على مدار التاريخ.

والأمر الثاني الذي تتجاهله هذه الدعوة هي أن الشعوب حقيقة لاتصنع السياسية ولاتصيغها، في "إسرائيل" وفي غيرها، ومن ثم فمهما حاول قادة العرب والإعلام العربي أن ينفذ للسياسة الإسرائيلية من بوابة الشعب الإسرائيلي فهو يلج من الباب الخطأ ليسلك الطريق الخطأ.

والتركيزعلى الفعل العربي وحده كمحاولة لجر "إسرائيل" نحو مفاوضات السلام، هو الخطأ الثالث في دعوة ولي عهد البحرين، فقد قدم العرب كل ما يمكنهم من تنازلات وما بات في جعبتهم إلا ورقة التوت الشعبية التى ترفض التطبيع والتلاقي مع الإسرائيليين. .

ولو قدم العرب التطبيع وهو ما نراه حادثا وبقوة ولو من وراء الاستار والحجب فمن الوهم المفرط الاعتقاد بأن قادة "إسرائيل" يمكن أن يتقدموا قيد أنملة ناحية السلام واعطاء العرب حقوقهم المسلوبة، والا فاين الحق الذي اخذه العرب بالمفاوضات والسلام، وأين الرد الإسرئيلي على المبادرة العربية للسلام التى تدعو بالفعل إلى تطبيق عربي مقابل الحقوق الفلسطينية المسلوبة.

وقد يكون من نافلة القول التذكير، أخيرا، بأن السلام الذي نادي به ولي العهد البحريني جريا على عادة العرب في تسميته خيارا استراتيجيا،هو الخطا الاستراتيجي بعينه، لأنه لن يكون خيارا الا إذا هناك بدائل أخرى يمكنهم الاختيار من بينها، وهذا السلام المتوهم يعد أفضل الخيارات للعرب، فأين هذه الخيارات وقد رميت المقاومة عن قوس عربية واحدة باعتبارها خطئا استراتيجيا تتنصل منه الحكومات وتتآمر عليه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد