عبد الرحمن الراشد
ليست مشكلة اسفنديار مشائي أنه متزوج من ابنة الرئيس أحمدي نجاد، فأكثرهم أصهار وأقارب، بل المثير جدا أن نجاد مقتنع بالرجل وآرائه. مشائي يبدو رجلا لا يماثل نجاد في شيء، معتدلا جدا، بل إنه، وفق القاموس الإيراني الرسمي، متطرف في اعتداله إلى درجة تجيز اعتقاله لو لم يكن صهر الرئيس. السبب أنه صاحب التصريح الشهير «إيران بلد صديق للأميركيين والإسرائيليين». أن تعلن محبة لأميركا وإسرائيل فهذه مسألة ترقى تقريبا إلى درجة الخيانة في بلد يغلق الصحف ويسجن من يشك بتعاطفه مع أي من هذين البلدين العدوين.
إذن، عندما عين نجاد مشائي كان يعرف تصريحاته وأفكاره «المعادية» لسياسة بلاده وحكومته، وله شخصيا كرئيس، خاصة أننا نعرف أن نجاد اشتهر فقط بخطبه الهجومية والتهديدية ضد الأميركيين والإسرائيليين. والسؤال المحير: كيف يقبل رجل متطرف مثل نجاد منح هذا الرجل المعتدل البراغماتي الكرسي الثاني في الحكومة، مع أن مشائي لم يعتذر أو يصحح أقواله؟
يبدو أن الرئيس نجاد مأخوذ بصهره إلى درجة أنه كاد يسقط كل المعسكر المحافظ بهذا التعيين الذي اعتبر فضيحة أكبر من فضيحة الخلاف على ما قيل من تزوير للانتخابات. يدافع نجاد عن مشائي بعد أن طلب منه طرده: «إنه أشبه بنبع مياه نقية (..) البعض يسألني لماذا أكن له كل هذه العاطفة؟، وأجيبهم: لألف سبب أحدها أنه حين يجلس المرء ويتناقش معه فليست هناك مسافة، إنه أشبه بمرآة شفافة».
هذه الصفات تبدو مناسبة لرجل تريد تزويج ابنتك له، لكنها ليست صفات أساسية لتعيين وزير في حكومة. إنه أمر محير جدا، خاصة أن نجاد هنا يعترف بأنه يتناقش مع مشائي صاحب الأفكار المعادية ويشعر بانجذاب كبير نحوه. فهل نجاد رجل بسيط التفكير غابت عنه الحسابات السياسية في أخطر معركة في إيران منذ تاريخ سقوط الشاه، أم أنه صاحب مشروع سياسي بمشاركة صهره فاختاره يده اليمنى وبالتالي كان يحتاجه في المعركة السياسية الإيرانية الخارجية المقبلة؟
ومع أن الحرب الدائرة داخل النظام تبدو واضحة، إلا أن حادثة مشائي تحديدا جعلتنا نعيد التفكير. في إيران يفترض أن فريقين يتنافسان على الحكم، الأول محافظ يمسك بزمام السلطة ويرفض التخلي عنها، من ثوابته المواجهة الخارجية ضد أميركا وإسرائيل، والثاني إصلاحي معتدل يمثل التيار الرافض لسياسات المحافظين الداخلية والخارجية بما فيها العداء مع الولايات المتحدة.
نظريا هذا هو الواقع في معارك أقطاب النظام بين المرشد الأعلى والرئيس نجاد من جهة ورفسنجاني وموسوي وكروبي من جهة ثانية. لكن تعيين نجاد لصهره مشائي نائبا للرئيس أربك رؤيتنا للحقيقة. فمشائي يؤمن بنظريات المعسكر الثاني، لكنه في الوقت نفسه صهر زعيم المعسكر الأول، نجاد. ونجاد هنا يعترف بأنه معجب بأفكار مشائي البراغماتية، لكنه يبني كل سياسته على عداء إسرائيل وأميركا. عاند وتمسك بمشائي حتى سقطت عليه كلمة رئيسه وولي نعمته المرشد الأعلى يأمره بطرده، رضخ لكن ليس بدون تعليق فيه تذمر صريح.