;

عن العقد النفسية 764

2009-08-01 04:34:54

عبدالمجيد السامعي

التشاؤم ربما يكون ناتجاً عمَّا يسمى بالعقد النفسية ، حيث تلازمت صفة التشاؤم مع العديدين ، سيما أولئك الذين أبدعوا في ميادين الفنون والآداب وحتى العلوم والفلسفات. ونحن هنا بحضرة قسم فلسفي، ووظيفة الفلسفة الأولى- على الأقل كما أتصور- هي وظيفة تحليلية أكثر من كونها وظيفة تركيبية. الكثيرون يلهثون وراء تبني الأفكار بشكل سريع، دون أن يكون لديهم الصبر الكافي لتحليل هذه الفكرة أو تلك ومحاولة ردّها إلى جذورها الأولية ، أعني بهذا جذورها التاريخية من وجه، وجذورها المنطقية من وجه ثان. ونحن في بحثنا السريع هذا نستهدف التحليل بوجهيه هذين ، خصوصاً تحليل التشاؤم الذي نتناقش بصدده.

والتشاؤم نقيضه التفاؤل، وقد علمنا هيجل أن القضية إذا امتزجت بمركبها ترتفع معه لتشكل قضية جديدة أسمى منها منزلة في العقل. ونحن هنا لسنا بهيجليين، ولسنا نؤمن بإمكانية دمج التشاؤم مع التفاؤل، بل يجوز القول بأننا كيركجورديين - نسبة لسورين كيركجورد- الذي نفى وحدة القضيتين، فكل قضية لها ما يناقضها - والهوس برفع القضايا كان هوساً قاصراً من قبل هيجل - وندب كيركجورد نفسه للقضاء على الرفع، مع اعترافه بإمكانية تقابل الأضداد تقابلاً أبدياً. وعلى هذا المنهج سار الدكتور عبدالرحمن بدوي، صاحب" منطق التوتر" الذي أنشأ له مقولاته المعروفة، والتي جدولها بعناية في كتابه عن الزمان الوجودي. فهكذا يصير التشاؤم خالداً، لأنه نقيض التفاؤل، وكلاهما تصوران عقليان تم تجريدهما من قبل وقائع نفسية صرفة.

لقد لاحظ الإنسان أن في روعه ثمة شعور بالألم، ولاحظ أن هذا الألم نفسي له قابلية لأن ينتشر في نفوس الآخرين من حوله. لقد صار التشاؤم شعوراً مشتركاً بمرور الوقت وبفعل التزمن وعليه أخذ الإنسان يعرف أن نفسه قابلة لأن تتألم وتشعر بألمها، وعرف قابلية انتشار هذا الألم ليتخطى النطاق الجغرافي ، ويصبح شعوراً أنثروبولوجيا عاماً.

وإذا بحثنا في تاريخ الحضارات ، سنضطر أن نبدأ مع الأسطورة ، حيث آمن الإنسان منذ البدء بتناهيه، وصغر حجمه ، ومحدودية قدراته الفردية والجماعية ، وارتطم وعيه بالمواضيع: فهذا كائن يموت أمامه ولا يعرف سبب موته . وهذه عاصفة هوجاء تقتلع الأشجار وتجرد الأرض من نباتها. وذات فيضان عارم يدمر كل ما يقف أمامه. وأضحى الإنسان وليداً لليأس والخوف والقلق الذي يتربص به، ولا يترك له مجالاً لأن يسعد أو يفرح بأمر من الأمور. وكان دور الأسطورة حاسماً في تقليص هذا الألم وإن كان دورها -هي الأخرى- دوراً هامشياً أمام التشاؤم ، فلم تقض عليه وإنما ساهمت بتخفيفه. ندرك هذا جيداً لدى دراستنا للنصوص البابلية، والأشورية ، والكلدانية، وحتى الإغريقية. ففي الفكر الإغريقي كانت الأسطورة غير مبتكرة وأصيلة كلياً، فالكثير من آلهة الإغريق نستطيع وصفهم بوارثي العرش المشرقي. فالفكر الإغريقي الأسطوري يمثل امتداداً فطرياً لأساطير المشرق . والتشابه بين وظائف الآلهات نجده راسخاً ونوشك أ، نلمسه باليد من فرط تجسده. بل إن معظم الحبكات الواردة في إلياذة هوميروس ما هي إلا حبكات شديدة الشبه بما دوّنته أيادي البابليين وغيرهم في ملحمات جلجامش وأينوما إيلش إلخ.

إن الأسطورة هي الأخرى تسقط أمام التشاؤم ، ولا يمكن اعتبارها إلا تسلية شعبية لدى القدماء. كانت مهمتها تقتصر على تخفيف آلام الوجود البشري ، وليست مهمتها أن تلغي هذه الآلام، فذلك ضرب من المحال.

لقد كانت العبقرية تتمثل في اكتشاف أهمية التشاؤم والتعويل عليه وعلى طاقاته المنفجرة والغاضبة على الكون . وأبدع المسرحيون الإغريق، لا سيما سوفقليس ، في رسم الابتسامة المعكوسة على وجوه الممتعضين من حياتهم والمبتئسين منها. ومن منا استطاع أن يقرأ" أوجيب ملكاً" أو "أنتيجونا" أو " إليكترا" دون أن يشعر بهذا الشعور التشاؤمي القوي الذي يسري في خلاياه جميعها ويوقظه ويربكه أشد الإرباك؟:

ما نخلص إليه أن ديننا وعقيدتنا يدعونا إلى نبذ التشاؤم وحسن الظن بالآخر، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تشاؤم ولا طير" صدق رسول

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد