;

الفكر العربي المعاصر والموقف من التقنية 820

2009-08-02 03:46:36

أزراج عمر

لا يزال الفكر العربي، بصيغة الجمع، يعالج التخلف في مجتمعاتنا ما بعد الكولونيالية على أساس أنه في جزء كبير منه يعود إلى عدم تشبعنا بالتكنولوجيا، والتقنية نظريا، وإلى عدم نجاحنا في ممارستهما على نحو خلاق ومبدع. وفي هذا السياق صدرت عشرات من المؤلفات تحاول أن تجد الدواء، وتقترح الوصفات للعلاج.

وهكذا نجد الدكتور محمد عابد الجابري يحلل مجموعة من الأطروحات المتصلة بهاجس التقنية في الفضاء العربي ويصنفها في أربعة خطابات، وهي خطاب الهوة التقنية، وخطاب نقل التقنية، وخطاب التقانة الملائمة، وأخيرا خطاب التنمية والوحدة العربية.

نزعة معاداة الفلسفة:

وهناك في الفكر العربي نزعة معاداة الفلسفة بسبب النظر إليها على أنها مجرد تهويمات وشطحات تقف حجر عثرة دون ابتكار لغة الأداء التي هي لغة التكنولوجيا. وبهذا الصدد قرأت مرة للمفكر المصري الراحل محمود أمين العالم مقالة وردت في كتابه "معارك فكرية" ردّ فيها على بعض المثقفين العرب الزاهدين من الفلسفة، وأوضح العالم في هذا الرد بأن تخلفنا عن ركب التكنولوجيا والتقنية يعود أساسا إلى نبذ مناهجنا وبرامجنا التعليمية للفلسفة والاستهانة بكل من يتعاطاها.

ولقد كتب محمود العالم قائلا: "إن وهج الفلسفة العربية- الاسلامية قد لعب دورا مفصليا في إضاءة أوروبا في عصر الظلام" ومكنها من أن تفجر "عصرا جديدا للنهضة الفكرية والفلسفية والأدبية والفنية".

إلى جانب كل من الجابري والعالم نجد الدكتور عبد الله العروي في كتابه "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" يرصد مشكلات التخلف في بلداننا، والتناقضات الحادة بين الاتجاهات التي تحاول أن تقدم الحلول للانطلاق في مسيرة النهوض العلمي والفكري. فالدكتور العروي يميز بين ثلاثة نماذج سائدة في الحياة الثقافية والسياسية العربية المعاصرة وهي: 1- نموذج الداعية الديني، 2- نموذج الداعية السياسي و3-نموذج داعية التقنية.

إن هذه النماذج تحدد في الواقع بانوراما الفكر العربي، حيث نجد كل داعية لهذا النموذج أو ذاك يعتبر نفسه المشروع القادر على إخراجنا من الانحطاط، وما تبقى ما هو إلا تهافت ومضيعة للوقت ومسا سلبيا بالأصالة. إن هذا التمركز في النموذج الواحد والجاهز من العوامل الأساسية في التخلف وفي طغيان الرأي الواحد، ونفي الديمقراطية داخل مجتمعاتنا والأنظمة السياسية الحاكمة فيها.

عناصر أزمة الفكر العربي:

ويرى الدكتور العروي بأن الشيخ "يحتفظ بالتعارض بين الغرب والشرق في إطار التعارض بين المسيحية والإسلام" في حين أن رجل السياسة، أو الداعية السياسي يحدد الحل لمشكلاتنا في الدمج "ما بين روسو ومونتسكيو ويفهم الديمقراطية المثالية على صورة تنظيم صناعة الساعات الانكليزية" وبالمقابل ينبري داعية التقنية ويصرخ من المحيط إلى الخليج مناديا بأن الحل يكمن في التقنية، وبالتالي فإنه يختزل الغرب في العلوم والتقنيات، وأن المطلوب منا في رأيه التفتح على هذا المصير المخول بأن يخرجنا من التخلف لا غير.

ويورد الدكتور العروي مثالا يشخصه في سلامة موسى الذي قال في عام 1930م ما يلي: "الشرق شرق والغرب غرب، وهل يعنيان حقيقة إثنولوجية؟ فالجواب كلا، وهل يعنيان حقيقة أنتولوجية؟ الجواب كلا؛ ولا أظن أحدا منكم يقول بأن الفاصل بين الشرق والغرب هو الدين". ومن ثم يورد العروي جواب سلامة موسى على الأسئلة التي طرحها: "هبطت عليّ منذ أكثر من ربع قرن حقيقة مفردة، هي أن الفرق بين بيننا وبين الأوروبيين المتمدنين هو الصناعة وليس شيئا غير الصناعة".

من هنا نفهم بأن النقاش في العالم العربي حول قضية العلاقة بين العرب والغرب ليست جديدة وخاصة بخصوص السبل التي يمكن أن تؤدي ببلداننا إلى تحقيق ما نسميه اليوم بالتحديث والعصرنة، وحين يقطف الدكتور العروي نصا لسلامة موسى يؤكد فيه أن "الحضارة الآن هي الصناعة، وثقافة هذه الحضارة هي العلم، بينما ثقافة الزراعة هي الأدب والدين والفلسفة"، فإنه يريد أن يبرز أزمة الفكر النهضوي العربي- الإسلامي الذي يتعامل مع الغرب بشكل انتقائي شديد القصور عن إدراك السر الحقيقي لتقدمه، وبالتالي السر الحقيقي لتخلفنا نحن. إن هذه الانتقائية جزء من تخلفنا.

مواقف انتقائية قاصرة:

إن اختزال هذا التقدم الغربي في الصناعة غير صحيح، كما أن الدعوة إلى الاقتصار عليها لوحدها فقط غير صحيح أيضا، إنه غير منطقي أبدا أن نحصر تقدم الغرب في حقل الصناعة، ونفي جوهر تطوره في ميادين الأدب والفلسفة وعقلنة الدين، وبالعكس فإن التقدم الغربي الصناعي والتقني متزامن مع الإنجازات الكبرى في الآداب والفنون والفكر والفلسفة. وبعبارة أخرى فإن سر تطور الغرب يعود أصلا إلى الثورة الفكرية والثقافية والسياسية التي كان مسرحها الفضاء الغربي، وإلى جانب ذلك فإن الزراعة التي يتحدث عنها سلامة موسى لم تعد مجرد طقس من طقوس الثقافة التقليدية، بل إن الثورة التقنية قد لعبت دورا مهما وأساسيا في تغيير مفهوم الثقافة الزراعية التي تحولت إلى علوم وفنون. إن الحضارة المعاصرة في الغرب تمكنت من جعل الزراعة جزءا لا يتجزأ من العلم والتقنية.

ففي كتاب "إشكاليات الفكر العربي المعاصر" للدكتور محمد عابد الجابري اهتمام بقضايا علاقة الغرب بالعرب والتقنية، ففي الفصل السابع من هذا الكتاب نجده يسأل السؤال القديم والدراماتيكي: لماذا تأخر المسلمون وتقدم الغرب؟ وفي محاولته الإجابة عنه من أجل إيجاد مخرج من التخلف والقضاء عليه فإنه يعيد تاريخ اليقظة العربية إلى غزوة نابليون لمصر في الفترة ما بين 1798م و1801، ويلاحظ بأن "الوعي بالتأخر لم يتبلور في تيار فكري يطرح شروط النهضة ويدخل في جدال مع الآخر"، الغرب بوصفه يمثل بسلاحه وصناعته وفكره أكبر تحد تاريخي للعرب إلا في القرن التاسع عشر.

ولكن الجدال مع الآخر "الغرب" بقي سطحيا في الغالب، ولم ينتقل من موقف المعارضة له إلى موقع الإبداع إنه صحيح بأن نوعا من الحوار مع الغرب قد بدأ في شكل من المعارضة، ومن المقاومة ابتداء من لحظة تاريخية مهمة أي حينما أسس جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده جمعية العروة الوثقى "وهي جمعية تألفت لدعوة الأمم الإسلامية إلى الاتحاد والتضامن والأخذ بأسباب الحياة والنهضة ومجاهدة الاستعمار وتحرير مصر والسودان من الاحتلال البريطاني، وكانت تضم جماعة من أقطاب العالم الإسلامي وكبرائه".

وتنهال الأسئلة في كتاب الدكتور الجابري لتحديد قسمات وعناصر وأسباب تخلف العرب والمسلمين بصفة عامة وخاصة عندما يقارن بيننا وبين الأمم التي اتصلت بالغرب في فترة متأخرة عن فرة اتصال العرب بالغرب وبالتحديد بأوروبا مثل الصين واليابان على سبيل المثال. . فالصين واليابان قد تمكنتا من استيعاب التقدم الغربي وتمثله دون أن يؤدي ذلك التمثل والاستيعاب إلى أزمة تلحق هويتهما. إن هذين البلدين تعرضا للاستعمار الغربي مثلما تعرضت بلداننا، كما أنهما كانا متخلفين مثلنا أيضا، فما هو السر إذا في تقدمهما وبقائنا غارقين في إعادة إنتاج التخلف؟ ألم تكن روسيا متخلفة أيضا قبل الثورة البلشفية ثم تمكنت من قطع أشواط في تحقيق التطور التربوي والعلمي والتقني؟

فجوة هائلة في ميدان التقنية:

لماذا لم تنجز البلدان العربية الثورات العلمية والاجتماعية والسياسية؟ هل يعود ذلك إلى قصور ذاتي أم أن عدم إنجاز الثورة الثقافية والتربوية هو السبب الجوهري؟ وينهض هنا سؤال آخر: هل السبب يعود إلى كل ما ذكر وإلى تغييب الحريات وعدم بنا مجتمعات ديمقراطية؟

لا أحد ينكر بأن ثمة فجوة هائلة تفصل بين الغرب وبيننا في ميدان التقنية، ولذلك فإن الحل المروج عربيا وعلى نحو تقليدي هو سد هذه الفجوة، كيف السبيل إلى ذلك؟ هنا تختلف وجهات النظر: ثمة من يدعو إلى النقل من الغرب عن طريق الاستيراد، أو عن طريق تشكيل إرساليات طلابية يكون هدفها الدراسة في الجامعات الغربية والنهل من التقدم التقني المتوفر فيها، وثمة من دعا ولا يزال إلى نقل التجارب التعليمية الغربية وتضمينها في برامجنا الدراسية، وهنالك اتجاه يرى بأن الحل يكمن في تنشط التراث العلمي العربي- الإسلامي كما هو في عصور الازدهار الإسلامي، ويحاجج هذا الاتجاه بأن هذا التوجه التراثي سيضمن لمجتمعاتنا العلم والإيمان.

هنالك إذن تعدد في تصور الحلول للخروج من الركود والدخول في زمن العلم والتقنيات وعصر المعلوماتية، ومما لا شك فيه أنه لحد الآن لا تزال هذه الدعوات تدور في فلك الخطاب الشفوي، والتمنيات داخل مجتمعات عربية لم تحدث قطيعة مع الخرافة والشعوذة، والذهنيات القبلية والعشائرية والسياسات الديكتاتورية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد