عبد الرحمن الراشد
مع بداية الأزمة الإيرانية كتب أحد المحللين مقالا يفند فيه الطرح الشائع بأننا أمام صراع بين رجال الدين الذين يريدون احتكار الحكم لأنفسهم بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي ومعه الرئيس أحمدي نجاد. قال إن الأمر خلاف ذلك، فرجال الدين هم في المعارضة يحاولون التمسك بالحكم ويمثلهم هنا الشيخ مهدي كروبي، ومير موسوي، ويقودهم الشيخ هاشمي رافسنجاني. يرى أن الصراع خفي بين هؤلاء من رجال الدين وبين الحرس الثوري.
في البداية كان الأمر غير معقول لأن المعركة العلنية دارت بين فريقين من رجال الدين، فريق المحافظين، بقيادة المرشد والرئيس وعدد من المعممين، وبين فريق الإصلاحيين بقيادة المعممين في الجناح الآخر. خلال الأيام القليلة الماضية أطلت قيادات الحرس الثوري تارة تهدد وتتوعد المعارضة الإصلاحية، وتارة تعلق في الشأن الخارجي، في قضية المشروع النووي والمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة. فجأة صار الحرس الثوري ضلعا أساسيا في المعادلة.
فهل تطورت الأزمة إلى مرحلة جديدة، أم أنها أصلا كانت بين الحرس الثوري ورجال الدين؟ وهل صحيح أننا أمام انقلاب عسكري بقيادة الحرس الثوري الذي يريد أن يعلن في الوقت المناسب، مثلا عند وقوع مصادمات، أنه الحاكم؟ وهل المواجهة التي حدثت بين المرشد والرئيس تكشف أنهما مجرد واجهة؟ وهل يمثل المرشد الحرس الثوري، أم أن الرئيس نجاد هو رجلهم، ولهذا يتحدى الجميع بإصراره على صهره الذي عينه مديرا لمكتبه، مما يعني عمليا أنه شريك رئيس الجمهورية، رغم غضب المحافظين واستنكار المرشد؟
وسواء غلب رجال الحرس الثوري رجال الدين، أو العكس، فإن الحدث الإيراني صار أكبر من مجرد معارضة الشارع لنتائج الانتخابات. الحدث الإيراني بات صراعا بين قوى أكبر، وما طرد نجاد لرئيس الاستخبارات، وانتقاد بعض القيادات في الاستخبارات لممارسات الاعتقال، وتوجيه الاتهامات الكيدية ضد المتظاهرين والمعارضين إلا تطورات تجاوزت الشارع، وموسوي، وكروبي، إلى انشقاقات أكبر.
ولو استطاع الحرس الثوري أن يتسلق سلم الحكم على غفلة من رجال الدين المتقاتلين فإن ذلك يعني عمليا نهاية الجمهورية الإسلامية، لتصبح إيران مثل أي نظام عسكري آخر في العالم. لكن الطريق لن تكون سهلة كما رأينا في الشوط الأول من المباراة، لن يستطيع الحرس الثوري إقناع الشعب الإيراني أنه يملك الحق في الحكم إلا إذا سالت الدماء في الشارع بين رجال الدين ليكون المنقذ.
ونحن لا نجهل حقيقة دور وطموحات الحرس الثوري منذ البدايات. فهو جهاز يملك سلطة هائلة في النظام الإيراني الذي اخترعه كجيش بديل للقوات العسكرية النظامية التي يشك في ولائها أصلا للثورة. حرس الثورة بلغ من النفوذ درجة تجعله يظن أنه الأحق برئاستها لا حراستها فقط، خاصة أنه مشارك في وضع السياسة الداخلية والخارجية وتنفيذها. وقد نما نفوذه في السنوات القليلة الماضية إلى درجة أنه أسس شركات تجارية حتى يضمن استقلاليته وقدرته على مد نفوذه.