خيرالله خيرالله
هناك كلام كثير عن اليمن في هذه الأيام، خصوصاً في ضوء تطورات الأسبوع الماضي في محافظة أبين التي ينتمي إليها نائب الرئيس عبدربه منصور هادي من جهة وتجدد تحرشات الحوثيين بالقوات المسلحة في محافظة صعدة من جهة أخرى. أقل ما يمكن أن توصف به هذه التطورات أنها مؤسفة ومثيرة للقلق في آن. للمرة الأولى منذ بدء ما يسمى «الحراك السلمي» في المحافظات الجنوبية، أخذ هذا التحرك منحى دموياً وكأن المطلوب استفزاز الجيش وقوات الأمن من أجل ضمان سقوط ضحايا من الجانبين. هذا ما أثبتته أحداث زنجبار عاصمة أبين. بات في الإمكان وصف الحراك بأي شيء باستثناء أنه سلمي. تبدو الاضطرابات التي شهدتها زنجبار في الثالث والعشرين من يوليو الماضي بمثابة نقطة تحول بالنسبة إلى الوضع السائد في الجنوب عموماً. وذلك ليس عائداً إلى عدد القتلى الذين سقطوا في المواجهات التي تخللت ذلك اليوم فحسب، وهو عدد كبير تجاوز الستة عشر قتيلاً، بل إلى دخول «الجهاديين» على خط المواجهة المباشرة مع السلطة وأجهزتها أيضاً. في أحداث زنجبار احتل الشيخ طارق الفضلي، المعروف بأنه من السلفيين ومن الرفاق السابقين لأسامة بن لادن، الواجهة. انتقل إلى طليعة المطالبين بالانفصال علماً بأنه كان من ألد أعداء «الحزب الاشتراكي» في الماضي، وأنه دعم الوحدة في حرب صيف العام 1994، وقاتل إلى جانب قوات الشرعية من أجل الحؤول دون عودة الانفصال. ما الذي دفع بشخص مثل طارق ناصر الفضلي، وهو ينتمي إلى إحدى أبرز العائلات في أبين، إلى الذهاب بعيداً في الصدام مع السلطة وركوبه موجة الانفصال في حين كان يعتبر في الأمس القريب وحدوياً، بل مزايداً على الوحدويين، وقيادياً ناشطاً في «حزب المؤتمر الشعبي العام» الذي يرأسه الرئيس علي عبدالله صالح؟ لا شك أن المسؤولية لا تقع على الفضلي وحده. ولذلك، يبدو من الأفضل دراسة هذه الظاهرة من زواياها المختلفة لمحاولة معالجة الوضع في محافظة أبين خصوصاً والمحافظات الأخرى التي تشهد اضطرابات وتململاً على وجه العموم... علماً بأن الأزمة الاقتصادية لم تترك مكاناً في اليمن إلا وألحقت أضراراً فيه.
في كل الأحوال، لا يمكن الاستخفاف بأحداث زنجبار حيث ظهر السلاح بكثرة من دون أي نوع من الضوابط. أسوأ من ذلك، ترافقت الأحداث مع ظهور مجموعات راحت تقيم حواجز تفتيش في مناطق معينة، وكأن المطلوب التفريق بين يمني وآخر بهدف اثارة الفتنة ليس إلاّ. ليس السلاح المنتشر بكثافة هو وحده الذي يثير القلق. فالسلاح موجود في كل مكان في اليمن حيث الشعب مسلح. لكن المخيف أن هذه الظاهرة، ظاهرة التظاهر في ظل السلاح واللجوء إلى استخدامه حلت مكان الحوار، وهي جاءت وكأنها رد على دعوة الرئيس علي عبدالله صالح كل القيادات اليمنية في الداخل والخارج إلى حوار من دون شروط بهدف المحافظة على السلم الأهلي والتجربة الديموقراطية التي عمرها من عمر الوحدة، أي أقل من عقدين. من المهم هنا التشديد على أن كل السياسيين اليمنيين، الذين يمتلكون حداً أدنى من الوعي، يعرفون أن الوحدة والديموقراطية توأمان، وأن لا ديموقراطية من دون استمرار الوحدة، ولا وحدة من دون ترسيخ التجربة الديموقراطية التي لا تزال حية ترزق وتطويرها، رغم كل المصاعب التي تواجه البلد بسبب الوضع الاقتصادي البالغ السوء. ان هذا الوضع الاقتصادي السيئ لا يقتصر على المحافظات الجنوبية، بل يمثل حالاً عامة في بلد ذي موارد شحيحة يأكلها، حتى لا نقول يبتلعها، النمو السكاني غير الطبيعي إضافة إلى الفساد الذي يشكو منه الجميع. يمكن القول ان الأحداث التي شهدتها أبين محاولة افتعلها طرف متطرف بهدف خطف «الحراك السلمي» في المحافظات الجنوبية. ماذا يريد هذا الطرف، هل الانفصال والعودة إلى عهد التشطير يمثلان حلاً لمشاكل اليمن؟ من يعرف، ولو النذر القليل عن اليمن، يدرك أن مشروع الانفصال غير قابل للحياة. لو كان الجنوب دولة قابلة للحياة لما انهارت في العام 1990، فهرب أهل النظام فيها إلى الوحدة. في النهاية ان محافظة تعز الواقعة في الوسط أقرب إلى عدن من حضرموت. وهذا يعني أن أي مس بالوحدة سيمس التركيبة اليمنية ككل. الخوف كل الخوف أن يكون الهدف من إشعال الوضع في أبين إقامة تحالف غير معلن بين المتطرفين في كل المحافظات اليمنية. هل صدفة أن الصدامات في مدينة زنجبار جاءت في وقت تجددت فيه الاشتباكات بين الجيش اليمني والحوثيين في محافظة صعدة الشمالية؟
يفترض في العقلاء في اليمن الاستجابة للدعوة إلى الحوار. ربما كانت هناك مساوئ كثيرة في اليمن. لكن من الأفضل العمل على ايجاد حلول من دون التخلي عن الوحدة بحسناتها وسيئاتها، لا لشيء سوى لأن لا أحد يستطيع التكهن بما سيحل بالبلد في غياب الوحدة، خصوصاً في حال تمكن تحالف المتطرفين، وهم من كل الأشكال والأنواع والمشارب، من أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في هذه المنطقة أو تلك من اليمن. عندئذ، سيكون لكل فرقة متطرفة قاعدتها. لن يعود الحديث عن «قاعدة» واحدة، هي «قاعدة» أسامة بن لادن، ستستبيح الأراضي اليمنية. سيكون الحديث عندئذ عن قواعد عدة في اليمن بعضها لسلفيين وغير سلفيين، وأخرى لتابعين لإيران وغير إيران. النموذج الصومالي قريب من اليمن. هناك من يعمل من أجل الصوملة في اليمن بهدف ضرب المنظومة الأمنية العربية. هل من يستطيع أن يفسر كيف أن تمرد الحوثيين مستمر منذ خمسة أعوام، هل يمكن لتمرد ما أن يعيش في اليمن من دون دعم خارجي فعّال وحقيقي، هل يمكن ليمني، في أي منطقة من المناطق، أن يحمل السلاح خمسة أعوام من دون الحصول على راتب ما بشكل منتظم وعلى سلاح وذخيرة؟ إنه تحالف المتطرفين الذي لا يهدد اليمن فحسب، بل المنطقة العربية كلها!.<
نقلاً عن إيلاف السعودية