عبدالله اسكندر
شكل انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للجمهورية الاسلامية في ايران، للمرة الاولى قبل اربع سنوات، تعبيرا عن تنامي قوة «الحرس الثوري» داخل السلطة ومؤسسات البلاد، على حساب التحالف بين المؤسسة الدينية والبازار. وهو التحالف الذي استثمر هزيمة الشاه وتفرد بالحكم منذ قيام الجمهورية قبل حوالي ثلاثة عقود.
وشكل انتخاب احمدي نجاد، لولاية ثانية وعلى النحو المعروف، تعبيرا عن تفرد تحالف المؤسسة الامنية وبعض المؤسسة الدينية بالحكم واقصاء الشريحة الحاكمة السابقة.
هذه النزاعات عبرت عن نفسها في السياسة، بالانقسام الكبير بين اصلاحيين ومحافظين، علما ان حدود هذا الانقسام تتسم بمرونة وليونة تتيحان الانتقال من موقع الى آخر، اضافة الى التعارضات داخل المعسكر الواحد. واذ برز التشديد، بعيد الجدل على اعادة انتخاب نجاد، على ان الجميع تحت ولاية الفقيه، وقبله على الاجماع القومي في شأن الملف الوطني، فإن ما عدا ذلك يضع الجانبين على طرفي نقيض. ويحمل على الاعتقاد ان المعركة بينهما طويلة وصعبة، لأن كلا من الطرفين يتمتع بأوراق قوة داخلية تتيح له الصمود في مواجهة الآخر. خصوصا ان هيبة المرشد الاعلى لم تعد عنصر الحسم القاطع، سواء بالنسبة الى الاصلاحيين الذين لم يستجيبوا لأوامره بالاعتراف برئاسة نجاد أو سواء بالنسبة الى المحافظين الذين يتجاهلون على الارض نداءاته الى التهدئة. الى الحد الذي جعل نجاد نفسه يتجاهل، ولأكثر من اسبوع، اوامر المرشد بإقالة نائب الرئيس.
بالتأكيد، المعركة ستكون قاسية وادواتها كثيرة. وتتداخل فيها القضايا الداخلية والتحديات الخارجية. وتتطلب قدرة كبيرة على المناورة والمهارة السياسية. وهنا تطرح قضية الدور الذي يمكن ان يلعبه احمدي نجاد في قيادة هذه المعركة، وحتى مصيره استنادا الى ادائه، خلال ولايته الاولى وخلال الفترة اللاحقة لانتخابه لولاية ثانية.
قد يكون عنصر القوة الاساسي لدى نجاد هو الولاء المطلق لمؤسسة «الحرس الثوري» الذي جاء منها وللمرشد الاعلى. وهو اصبح رئيسا، بفعل هذا الولاء الذي تحتاجه المؤسسة الامنية - الدينية من الرئيس لإكمال سيطرتها على الحكم وإحكام قبضتها على الدولة ومرافقها وإكمال هيمنتها على الحياة الاقتصادية فيها.
واذ عبر نجاد، بعناد لفظي يحسب له، عن توجهات هذه المؤسسة داخليا وخارجيا، فإنه وقع في كثير من الاخطاء لدى ممارسته الحكم. ففي الداخل، شهدت البلاد اوسع موجة بطالة واعلى معدلات التضخم، رغم المداخيل النفطية الاستثنائية خلال ولايته الاولى. وهو اصطدم دائما بخبرات وزرائه ومستشاريه في مجالي الادارة المالية والاقتصادية. وعبّر، مرة بسذاجة، عن رؤيته للاقتصاد بطلب المشورة من الجزار في حيّه. كما انه وجد وصفة لا تقل سذاجة في مجال مكافحة الفقر والتنمية الريفية، عبر توزيع اموال مباشرة لفقراء في الارياف هي اقرب الى الرشوة منها الى الخطط المدروسة. واذا حصد بعض الاصوات في الانتخابات الرئاسية بفعل هذا التوزيع فإن الفقر والبطالة وانعدام التنمية ظلت على حالها، وخسر الحكم قاعدة اساسية في مواجهة القاعدة المدينية (خصوصا البازار) للاصلاحيين.
واتسمت لفظيته، في الملفات الخارجية، بفظاظة ساهمت بتعقيد عمل الديبلوماسية الايرانية التي في كل الاحوال لا تستمد تعليماتها وتوجهاتها منه، وانما من مكتب المرشد الاعلى. وبعد اعادة انتخابه، تفاقمت علاقته مع اركان المعسكر المحافظ الذي بات يتهمه بعصيان اوامر المرشد، بفعل تمسكه بتثبيت صهره نائبا له خلافا لرغبة المحافظين.
واضطر نجاد، عندما اشتدت عليه الحملة المحافظة الى الدفاع علنا عن ولائه للمرشد، لكنه لم يجد سوى صيغة بعيدة كل البعد عن السياسة، وهي علاقة الابن بالوالد. مع ما يتضمنه ذلك من اعتراف بالعجز عن الدفاع عن مواقفه وايضا عدم قدرته على اتخاذ قرارات.
والسؤال هو عن قدرة نجاد الذي قدم حصيلة بائسة داخليا وخارجيا واظهر عجزا في ادراة الازمة الاخيرة على قيادة المعركة الكبرى ضد الاصلاحيين. في اليومين المقبلين سيثبت نجاد رئيسا لولاية ثانية. وبعدها تبدأ صعوباته الفعلية مع المحافظين، سواء مع مجلس الشورى حيث يترصده خصمه رئيس المجلس علي لاريجاني او سواء مع مكتب المرشد حيث بدأت تظهر شكوك بولائه المطلق. ومن هنا يمكن توقع ان يكون مصير نجاد كرئيس، في ظل احتدام المعركة مع الاصلاحيين والخارج، على المحك. وتكفي اشارة من المرشد ليُقال الرئيس من منصبه. <