عبدالغني يحيى الأباره
سخر أجدادنا الميامين طاقاتهم وإبداعاتهم في سبيل الوصول بالخط إلى منتهى الدقة والروعة، من أجل خدمة كتاب الله عز وجل تقرباً إليه وطمعاً في مغفرته جل شأنه. فكان هذا هو المجد الذي لا مجد بعده للحرف العربي. فكانوا يكتبون الآيات القرآنية على الرقاع وقباب المساجد وحيطانه. بينما كانت المدن تتنافس في الوصول بالخط إلى أفضل صوره كالحيرة والكوفة والبصرة والمدينة المنورة ومكة المكرمة وقرطبة والقيروان وبلاد الشام ومصركما تبارت العصور في الإبداع ذاته منذ بداية العصر الأموي على يد قطبه المحرر ثم في القرن الثالث الهجري في العصر العباسي على يد المهندس الأول لفن الخط العربي الخطاط الوزير إبن مقلة الذي طور حروف الخط الكوفي وأخرجها بصورة جديدة ووضع لها مقاييس وموازين ثابتة ثم جاء من بعده جماعة ساهموا مساهمة فعالة في تحسين وتهذيب طريقته من أشهرهم ابن البواب أما في زمن ياقوت الذي وصل الخط العربي على يديه إلى منتهى الإتقان والروعة والذي أستمر الخطاطون من بعده يكتبون بطريقته قرابة ثلاثة قرون. وبعد ذلك استنبطت خطوط عديدة سميت بأسماء القلم وتعددت حتى قيل بان عدد الخطوط في أواخر العصر العباسي بلغت عشرون خطاً وهذا ترف فني وإبداعي لم تصله أمة من الأمم. .
وكتب الفرس لغتهم بالحروف العربية وابتكروا الخطَّ الفارسي"التعليق' بيد مير علي التبريزي المتوفى سنة 919ه كما نمقوا الخطَّ الكوفي فأصبحت المدات فيه أكثر وضوحاً. أما الترك فحوَّلوا خط الرقاع وابتكروا الهمايوني (الديواني) بيد الأستاذ إبراهيم منيف كما وضع ممتاز مصطفى بك قواعد الرقعة سنة 1270ه. . وفي الأندلس اهتمَّ الحكَّام بالخطِّ العربي وتعلَّموه ونسخوا به الكتب لاسيما المصاحف وفي وسط آسيا وبلاد السند، وبهذا التنافس استطاعت الحضارة الإسلامية أن تقدم للعالم أعظم إنجاز في التاريخ في مجال الفنون الجميلة. عبر عن هويتنا الثقافية الفنية الأصيلة. وقد ورد أن سليمان بن وهب كتب كتاباً إلى ملك الروم في أيام الخليفة المعتمد فقال ملك الروم: ما رأيت للعرب شيئاً أحسن من هذا الشكل، وما أحسدهم على شيء حسدي على جمال حروفهم.
وقال الخليفة المأمون «لو فاخرنا الملوك الأعاجم بأمثالها لفاخرناها بما لنا من أنواع الخط، يقرأ في كل مكان، ويترجم بكل لسان، ويوجد في كل زمان في هذا المقال أرحل بك أخي القارئ مع بعض من مسيرة الحرف العربي.
طبيعة الخط العربي
علم:
لأنه يعتمد على أصول ثابتة وقواعد دقيقة تستند إلى موازين وضعها الأقدمون كما دخل هذا العلم كمادة دراسية في حقل التعليم، وهذه القواعد العامة لا تختلف من خطاط لآخر.
فن:
لإن محوره الجمال في التعبير يتوخاه ويهدف إليه كما يتطلب استعداداً فنياً يقوم على دقة الملاحظة والانتباه والقدرة على المحاكاة كمايحتاج إلى تدريب طويل ومران مستمر.
فلسفه:
لكل نوع من أنواع الخط فلسفة خاصة عبرت عن فلسفة مجتمعها وطبيعته.
فخط الكوفي عبارة عن خطوط مستقيمة قاسية وجافة عبرت عن قسوة الحياة في العصر الجاهلي. أما في خط الثلث الذي ظهر في العصر الإسلامي فقد جاء ت حروفه جميلة ورائعة عبرت عن وروعة وعظمة الحضارة الإسلامية و في خط الرقعة الذي تتميزحروفه بالكتابه السريعة والسهلة الذي أخترع في العصر العثماني عبر عن فلسفة اجتماعية معينة. تمثل في التطور الإجتماعي المتسارع في ذلك العصر.
الإعجام والتشكيل
الإصلاح الأول:
كان الخط العربي في الجاهلية وصدر الإسلام غير مشكول لعدم حاجة العرب إلى الضوابط الشكلية نظراً لتمكنهم من لغتهم العربية غير أنه لما أختلط العرب بالأعاجم ظهر جيل فشا اللحن في كلامه فلم يكن بد من وضع قواعد للنحو، وقد قام أبو الأسود الدؤلي بوضعها بتكليف من أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب - كرم الله وجه) غير أن هذا لم يكن كافياً لقراءة الآيات الكريمة على وجهها الصحيح فطلب زياد والي البصرة من أبي الأسود الدؤلي أن يصنع شيئاً يضمن القراءة الصحيحة لكلام الله عز وجل فبعث زياد إليه ثلاثين كاتباً فاختار منهم واحداً وقال له خذ المصحف وصبغاً يخالف لون المداد فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فنقطه واحدة فوق الحرف، وإذا كسرتهما فنقطة واحدة أسفله، وإذا ضممتهما فأجعل النقطة بين يدي الحرف فإن تبعت شيئاً من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين، وأخذا يقرأ القرآن متأنياً والكاتب يضع النقاط حتى شكل المصحف كاملاً، وترك السكون بلا علامة.
الإصلاح الثاني:
في خلافة عبدالملك بن مروان في أواخر القرن الأول الهجري قام تلميذا أبو الأسود الدؤلي يحيى بن يعمر العدواني، ونصر بن عاصم الليثي بوضع النقاط لبعض الحروف خوفاً من التصحيف.
الإصلاح الثالث:
قام به العالم الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي في أوائل العصر العباسي فوضع مكان النقط التي وضعها أبو الأسود الدؤلي جرات علوية وسفلية للدلالة على الفتح والكسر وعبر عن الضمة برأس واو صغيرة، فإذا كان الحرف منوناً كررت العلامة، وعبر عن السكون بدائرة صغيرة أو برأس جيم صغير، وعن الشدة برأس سين صغيرة، وعن همزة القطع برأس عين صغيرة، وعن المد بمدة صغيرة، وعن همزة الوصل برأس صاد، وهذه الأشكال مازالت موجودة حتى يومنا هذا.
مراحل تطور الخط العربي
1- المرحلة الأولى:
تمثلت في العمل على استمرار الكتابة بحروف عربية بعد أن كانت الكتابة العربية تختلط بمزيج من الآرامية والسريانية وغيرها من الكتابات المنتشرة آنذاك.
2- المرحلة الثانية:
تمثلت في الاهتمام بمتطلبات الكتابة من الورق الذي أخذت صناعته من الصين وكذا الأحبار والأقلام وذلك لاستكمال أسباب الوضوح والجمال.
3- المرحلة الثالثة:
تمثلت في العمل على تطوير الخط العربي وكان ذلك في العصر الأموي (الإعجام والتشكيل) وتجميل الخط وزخرفته ووضع القواعد والموازين للحروف وذلك على يد أستاذ الخط العربي الأول الوزير إبن مقلة وقد وصلت هذه الخطوط إلى منتهى الجمال والروعة والتنوع في العصر العثماني الذي يعتبر العصر الذهبي للخط العربي.
رأي إبن مقلة في حسن الوضع
قال الوزير بن مقلة: " يحتاج حسن الوضع في الخط إلى أربعة أشياء:
الأول الترصيف:
وهو وصل كل حرف متصل إلى حرف يليه.
الثاني التأليف:
وهو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره على أفضل ما ينبغي.
الثالث التسطير:
وهو إضافة الكلمة إلى الكلمة حتى تسير سطراً منتظم الوضع كالمسطرة.
الرابع التنصيل:
وهو مواقع المدات المستحسنة من الحروف المتصلة.
رأي إبن مقلة في وجوه تجويد الكتابة
قال الوزير أبن مقلة تحتاج الحروف في تصحيحها إلى خمسة أشياء:
1- التوفية:
وهي أن يؤتى كل حرف من الحروف حظه من الخطوط التي يركب منها من مقوس ومنحن ومنسطح.
2- الإتمام:
وهو أن يعطى كل حرف قسمته من الأقدار التي يجب أن يكون عليها من طول أو قصر أو دقة أو غلظ.
3- الإكمال :
وهو أن يؤتى كل خط حظه من الهيئات التي ينبغي أن يكون عليها من انتصاب وتسطيح وإنكباب وتقويس.
4- الإشباع:
وهو أن يؤتى كل خط حظه من سطر القلم التي يتساوى به فلا يكون بعض أجزائه أدق من بعض ولا أغلظ إلا فيما يجب أن يكون كذلك من أجزائه بعض الحروف من الدقة عن الباقية مثل الألف والراء ونحوهما.
5- الإرسال:
وهو أن يرسل يده بالقلم في كل شكل يجري بسرعة من غير احتباس يضرسه ولا توقف يرعشه.
أهداف تدريس الخط
تعلم الخط العربي يؤدي إلى تحقيق العديد من الأهداف أهمها:
1- يعتاد الكاتب على الكتابة بشكل واضح ومقروء.
2- يعتاد الكاتب على السرعة في الكتابة.
3- يكون الكاتب مهارة يدوية.
4- تعويده على النظافة والنظام.
5- تعويده على المنافسة الشريفة.
6- تعويده على التأني والمثابرة والانتباه.
7- ينمي الخط الحس الجمالي والفني عند المتعلم.
8- الخط الجميل يعود الكاتب على الصبر.
9- الخط عملية متممة للقراءة.
اتجاه السطور:
يقال بأن السطور المستوية تدل على إن صاحبها محترس إما السطور الصاعدة فتدل على أن صاحبها ذو همة عالية وإقدام.
أما السطور الهابطة النازلة، تدل على أن صاحبها مهمل وكسول وأما السطور المتعرجة فتدل على أن صاحبها متردد.
أسس جودة الخط
1- يجب أن تكون الحروف واضحة.
2- يجب أن تكون أحجام الحروف في الكلمة الواحدة متناسبة من حيث الحجم والعرض.
3- يجب أن يكون هناك تناسب في المسافات بين الكلمات المتتابعة في السطر الواحد.
4- عدم إهمال النقط والهمزات ووضعها في أماكنها الصحيحة.
5- يجب مراعاة القاعدة الإملائية في الخط.
أنواع الخطوط واستعمالاتها:
خط النسخ:
تكتب به المصاحف والأحاديث النبوية وغيرها.
خط النسخ الصحفي (التجاري )
تكتب به العناوين البارزة في الصحف والمجلات ولافتات المحال التجارية
خط الثلث:
تكتب به رؤوس الموضوعات التي تسطر بخط النسخ، وكذا عناوين الكتب والمقالات والبطاقات وغيرها.
خط الديواني:
لكل مايصدر من الديوان أو القصر من كتابات. أو كتابة الشهادات الدراسية
خط الهمايوني:
ويسمى أيضاً "جلي الديواني" لكتابة العناوين وترويسة لما يكتب بالديواني.
خط الجلي من الثلث: لكتابة أسماء الشوارع والمتاجر وأسماء الوزارات والمصالح والشركات.
خط الفارسي (التعليق):
لكتابة القصائد والبطاقات.
خط الكوفي:
كان يستعمل في صدر الإسلام في كتابة المصاحف والحكم، وتطور مع الزمن وحلي بالتوريق، كما كانت تكتب به النصوص على المباني حفراً في الحجر أو الرخام أو الجص أو الخشب.
خط الطغراء:
توقيع سلطاني لصاحب الحق في منح الرتب والنياشين وأول من استعمل توقيع الطغراء السلطان سليمان بن بايزيد (القانوني)
الكاتب في سطور
عبدالغني يحيى الاباره.
خطاط وباحث في تاريخ الخط العربي.
عضواللجنة التحضيرية لجمعية الخطاطين اليمنيين عام 1988م
مدرس مادة الخط للمراكزالتعليمية والمعاهدالخاصة منذعام1992م.
ساهم في نشرالثقافة الخطية في ابرزالصحف اليمنية منذ عام 1990م.
عضومؤسس لجمعية الخطاطين اليمنيين والمسؤل الثقافي سابقاً 2001م. -2005
من مؤسسي الحركة الخطية في اليمن. <
alebarh@gmail. com