عبد الرحمن الراشد
الشيخ محمد المؤيد كان واحدا من القادة الدعويين الإسلاميين، والمنخرطين في المجال الخيري في اليمن. وواحدة من هاتين الصفتين، الدعوة أو العمل الخيري، تكفي لوضع صاحبها تحت المجهر على أكثر من مستوى محلي ودولي، بسبب استغلال الجماعات المتطرفة، وتحديدا تنظيم القاعدة، الدعوة وأموال التبرعات لتجنيد الشباب وتمويل نشاطاتها.
والمؤيد، مثل أكثر رجال الدين الذين يفقهون القليل في السياسة وألاعيبها، لم يفكر مليا عندما جاءه أحد المواظبين على الصلاة في مسجده عارضا عليه أموالا كتبرعات سياسية يرسلها له من ألمانيا، ومقترحا أن يحولها إلى أطراف أخرى. الرجل اليمني الورع، المواظب على الصلاة، لم يكن سوى عميلا للمباحث الأميركية، لكن لم يدر بخلد الشيخ أنه يمكن للمباحث الأميركية أن تصل مسجده البعيد، ولا أن يكون هناك يمني في الأمن الأميركي. وكانت أحداث هجمات سبتمبر قد مر عليها عامان فقط، ومع هذا لم يداخله الشك بأن العرض جزء من الحروب والمطاردات المستمرة يوميا من أجهزة الأمن في أنحاء العالم على كل الصعد.
الأميركيون وغيرهم من النشطين في ملاحقة الارهاب الجديد كانوا قد أضافوا إلى قوائم المتابعة أيضا القيادات الدينية المحسوبة سياسيا على الفكر المتطرف. وكلمة الفكر المتطرف تكاد تنطبق على كثيرين كانوا يرددون على منابر المساجد آراءهم في قضايا أفغانستان والشيشان والعراق وغيرها. الشيخ المؤيد كان ضحية سهلة، حيث أوقعه حظه العاثر في يد مخبر وجد فيه سذاجة كافية ليجعل منه هدفا. لكن، وبعد سبع سنوات، كل ما ظهر عن قضية المؤيد، المسجون حاليا في الولايات المتحدة، يشير إلى عدم صحة التهم الأساسية، وأنه استدرج من قبل مخبر الأمن لارتكاب ما اعتبرته السلطات الأميركية جريمة، لكنه فعليا لم يرتكب شيئا بذاته. وقد كان حكم المحكمة قاسيا جدا حيث قضت بسجنه 75 عاما أمضى منها ست سنوات.
هل كانت السياسة ملاحقة القيادات الدعوية والخيرية الذين يعتقد بتورطهم في دعم الإرهاب بخطفهم أو استدراجهم، كما حدث للمؤيد، أم مجرد إشعار العاملين في مجال الدعوة بأنهم ليسوا في مأمن أينما كانوا؟
لا ندري السر، فاختيار المؤيد كشف لاحقا عدم وجود قضية حقيقية ضده رغم الجهد الذي بذله ال«إف بي آي» في تعقبه وإخراجه من اليمن، ثم اعتقاله في ألمانيا، وترحيله إلى نيويورك. ولم يثبت شيء من التهم الأساسية عليه، باستثناء ما عرضه مخبر المباحث على المؤيد بأن يعطيه أموالا ليقوم بتحويلها لاحقا، لكن لم تكن هناك أموال ولا تحويلات ولا دلائل على جريمة. وقد يقول البعض إنها نجحت في تخويف الدعاة وجامعي الأموال بأنهم مراقبون وسيتم القبض عليهم، وليس فقط ملاحقة حملة السلاح. هذه القضية تحديدا لم تفلح في تعزيز العدالة، بل في تشويه معانيها، فكل ما ظهر في المحكمة ضده كان لا قيمة له، بدليل أن محكمة الاستئناف اضطرت إلى إصدار حكم ببراءته متأخرا. ومفهوم العدالة لا يمكن أن يتفق مع منطق الأحكام الظالمة حتى وإن كان هدفها النهائي الردع. <
alrashed@asharqalawsat. com