منيف الهلالي
في الأسبوع الماضي وأنا عائد من مدينة تعز بعد مشاركتي لأحد أصدقائي فرحته الكبرى المتمثلة بانضمام نصفه الآخر إليه، كنت قد امتطيت صهوة النعش الطائر "البيجو" بهدف إدراك الوقت وسرعة الوصول إلى صنعاء للتمكن من تنفيذ بعض التزاماتي الخالية إلا من بقايا جهد ، وأثناء وجودي داخل "البيجو" هاجمني البؤس بكل تفاصيله المؤلمة وأنا أشاهد أجزاء مركبة تم تجميعها منذ زمن موغل بالقدم ، ليس فيها ما يمكن أن يكون صالحاً للاستخدام، ابتداءً من النوافذ المتصلبة الرافضة للحركة - والتي حرمتني من متعة المشاهدة خصوصاً هذه الأيام بعد أن اكتست الجبال حلتها الخضراء- انتقالاً إلى الكراسي المهترئة والمزروعة في غير أماكنها ، إضافة إلى الأصوات المؤذية التي كانت تحشرنا كلما امتدت يد السائق لتطال تلك العصا التي بجواره "الأسبيت" المقهورة من طور بقائها تحت قبضته، كذلك هي الزيوت التي تنبعث روائحها كلما انحسر الغاز الجاثم على أنفاس الركاب والمبعثر حد التسمم.
إن فوضى الدمار تحاصر هذه المركبة ، فأينما اتجهت العين ثمة أجزاء متهالكة، ليس هناك ماسحات ولا مرايا ولا إشارات ، حتى الأضواء قد أفل نورها ، لا يكاد السائق أن يرى أبعد من انف مركبته ، كل شيء هالك ،وتبقى دعوات الأم العجوز هي وحدها من يدافع عن هذه المركبة من التناثر بعد أن أصبحت هشيماً تقودها الرياح.
في رحلتي المكوكية التي استغرقت ست ساعات -رغم السرعة الجنونية التي كان السائق يقود بها مركبته والتي انحصرت على المنحدرات والأماكن العامة - تشبعت بلحظات رعب لم تكن قد زارت معدتي من قبل مطلقاً..مما دفعني لكتابة هذه الأسطر التي تقطر تساؤلات يعتصرها الألم..
من المسؤول عن هذه النعوش التي تصادر أرواح الناس بالجملة..؟
وما دور إدارة المرور حيال هذه العربات التي عتا عليها الزمن وأضحت غير صالحة للاستخدام الآدمي..؟
ما هي الحلول التي قدمتها حكومتنا - الغارقة في وحل العشوائية - للتخلص من العربات القديمة بعد أن باتت مدننا وشوارعنا مكتظة بالنطيحة والمتردية وما دخلت من خلف الأسوار وتم ترقيمها بطريقة لا يعلمها سوى الراسخين في التهريب؟
ألا يعلم هؤلاء أن هذه المركبات المتهالكة واحدة من الأسباب أو بالأحرى من أهم الأسباب التي جعلت بلادنا تتربع على عرش الدول التي تعاني من ارتفاع نسبة الحوادث المرورية وتضخم نسبة الوفيات الناتجة عنها..؟
لذا لابد أن يكون هنالك لفتة جادة من وزارة الداخلية للمحافظة على أرواح الناس والاهتمام بسلامتهم.
صحيح أن معالي وزير الداخلية كان قد هاجم في الأسبوع الماضي إدارة المرور بطريقة لاذعة وربما وجه بإصلاحات.. ولكن هذا لا يكفي..!!
يجب أن تتحمل إدارة المرور المسؤولية الكاملة تجاه القضايا الناتجة عن تقصير أو إهمال أو تمرير ما يضر بالأمن والسلامة المرورية للمواطن.
ثم إني هنا أطرح تساؤلاً أخيراً يؤرقني كثيراً واعتقد أننا نرقبه ملء أعيننا كل يوم..
ما السر من وراء الإقبال الغير طبيعي للالتحاق والتجنيد بالمرور حتى أن هناك أعداداً كبيرة من رجال الأمن تم تحويلهم من أعمالهم السابقة لينظموا إلى زملائهم في إدارة المرور وهذا ليس مسموحاً لكل الأفراد وإنما لمن حلت عليه بركات ودعوات والدته..!!؟؟
أتمنى أن ترى تساؤلاتي بصيص من أمل الإجابات وإن كنت أشك في ذلك في ظل السبات الذي يجتاح مصدر القرار فينعكس تلقائياً ليغرق كافة مؤسسات الدولة.<
Almonef86@yahoo.com