;

باكـستان واليمن.. إرهاب المال والسلاح 732

2009-08-18 06:23:36

عبدالله بن بجاد العتيبي

وجود التطرف تحد لأي بلد كان، وقدرته على الانتشار والتأثير تحد أكبر، فالتطرف كما نعلم بلا دين ولا ملة ولا طائفة، وهو ممكن الوجود في كل ديانة سماوية أو أرضية، وفي كل قومية، وفي كل وطنٍ، وهو ما يحدثنا به التاريخ وما يشهد به الواقع، وانطلاقا من شهادة الواقع فإنه ينبغي التركيز على بلدين هامين في العالم الإسلامي هما باكستان واليمن، بسبب من عمق أزمة التطرف والإرهاب فيهما وخطورة انتقاله لجوارهما وللعالم.

في باكستان تناقلت وسائل الإعلام نبأ مقتل بيعة الله محسود قائد تنظيم طالبان باكستان بعد حرب شرسة وطويلة مع الحكومة المركزية في باكستان بمساندة من القوات الأمريكية، غير أن الملاحظ هو أن قرار خوض حرب على التطرف والمتطرفين هناك لم يأت بناء على استراتيجية معلنة للحكومة مبنية على التخطيط والفعل المباشر، بل على العكس فقد جاء كردة فعل على تمرد المتطرفين على الاتفاق الذي جاملت الحكومة فيه المتطرفين وتغاضت فيه عن سيطرتهم على إقليم سوات وقيامهم بما يسمونه تطبيق الشريعة في الإقليم، وتجلى ذلك التمرد بخروج المتطرفين من المنطقة التي جاملتهم فيها الحكومة بغرض بسط نفوذهم في مناطق أخرى من باكستان، وبالطبع، فقد جاء القرار بعد ضغوط دولية كبيرة باتجاه التصدي لانتشار التطرف في البلاد.

قبل أسبوعين تقريبا وقعت الهند اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة تسمح ببيع أسلحة أمريكية متطورة إلى الهند، ولم تحض باكستان بصفقة مماثلة، مما سيؤثر بقوة على موازين القوى بين الجارتين اللدودتين، فلماذا يجري مثل هذا رغم ما تقدمه باكستان من تعاونٍ ظاهريٍ في التصدي للإرهاب والتطرف؟.

لنعيد السؤال بصيغة أخرى، لماذا يمكن أن تضيع باكستان اليوم؟ لماذا يمكن أن تصبح دولة مهترئة مهزومة لا قيمة لها في العالم؟ على الرغم من كل ما قدمته من مساعدات شكلية في التصدي للإرهاب ومقاومته والقضاء عليه منذ الحادي عشر من سبتمبر إلى المعارك مع طالبان باكستان؟.

في محاولة لتلمس شيء من الإجابة فإن باكستان وإن تكن قد قدمت ما أمكنها من التحرك العسكري والتماهي مع التحالف الدولي في التصدي للإرهاب، فإنها لم تقدم الأهم وهو ضبط الجبهة الداخلية ألا يتسلل إليها الإرهاب والتطرف وألا يأتي منها الإرهاب والتطرف، بمعنى ألا تستورده ولا تصدره، وألا تكون بحال من الأحوال طرفا في صناعة التطرف ورعايته، سواء في مناهجها التعليمية أم في قوانينها الاجتماعية فضلا عن أجهزتها الحكومية المعنية برسم السياسات الداخلية والخارجية والتي ثار حول بعضها جدل معروف.

تبدو باكستان للناظر من الخارج وحسب القرارات المعلنة وكأنها حليف قوي ضد الإرهاب والإرهابيين، ولكنها في الداخل عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات حقيقية للقضاء على الإرهاب، فالتطرف الذي يتغذى عليه الإرهاب ضارب بأطنابه في المجتمع الباكستاني، في المساجد والمدارس العامة والمدارس الدينية وغيرها من الأنشطة، كما في تجمعات الأحزاب الدينية وفي كثير من مناحي الحياة الباكستانية، ولكن السؤال هو لماذا تعجز السلطة اليوم عن إكمال ما بدأه الرئيس السابق برويز مشرف؟ ذلك الرئيس الذي استطاع أن يحمي باكستان في لحظة شديدة الحرج من تاريخها؟ ثم، هل ما يمنع القادة الحاليين عن ذلك الطريق هو الوعي والحرص على مصلحة باكستان أم الحرص على البقاء في السلطة مهما كان الثمن!.

حين ننظر للمشهد العام حول العالم اليوم، ونرى الصراعات الكبرى الدائرة فيه، ثم ننظر لمشهد الصراع الباكستاني الهندي فسنرى كيف أن باكستان وبسبب من مشكلاتها الداخلية مع التطرف قد فقدت كثيرا من وزنها الدولي وخسرت خسائر كبيرة كما تقدم في مقابل ندها التقليدي الهند، لا لشيء إلا لأنها نظرا لحمولتها الثقيلة داخليا ومجاملاتها للتطرف رغبة في الاستقرار الداخلي قد خسرت الكثير مع العالم.

القصة في اليمن مشابهة نوعا ما للقصة في باكستان، بلدان مسلمان فيهما كثافة سكانية عالية، وجغرافية وعرة، وخطابات دينية متطرفة، وصراعات سياسية داخلية، واقتصاد ضعيف زادت الأزمة العالمية طينه بلة، وأسلحة خطرة تباع على قارعة الطريق، وهذه عوامل تمنح المتطرفين بيئة خصبة للانتشار والتخطيط والتنظيم والتدريب، وها نحن نرى اليمن اليوم تصارع على عدة جبهات: جبهة مع القاعدة وجبهة مع الانفصاليين في الجنوب، وثالثة أخطر وأنكى مع الحوثيين في الشمال. وما بين الجبهات الثلاث اتفاق على هدف زعزعة استقرار البلاد لاستفادتهم منه، مع شيء من التنسيق والتعاون رغم الاختلافات.

كنت في صعدة في مطلع التسعينات والتقيت هناك بأحد بائعي السلاح في المنطقة، ونقل لي صديق حوارا دار بينهما لاحقا قال فيه بائع السلاح: «لدي كل أنواع الأسلحة من الرصاصة وحتى الدبابة، والشيء الوحيد الذي ليس لدي هو الطائرات»، واستدرك: «ولكنني أملك صواريخ مضادة للطائرات»!.

أحسب أن الوضع هناك قد ازداد سوءا بعد ما يقارب العشرين عاما، فتفشي السلاح يمنح القدرة على النجاح لأي محاولات تخريبية بمجرد توفر المال، فتوفر الدعم المادي يجعل الميدان خصبا للتدريب والتنظيم واستقطاب العناصر ومنحهم السلاح اللازم، ونحن نعلم أن إيران تسعى جهدها أن يكون لها موطئ قدم في اليمن لتساوم به على نفوذها الإقليمي وتهدد دول الخليج بوجودها على حدودها الجنوبية، وهي مستعدة لدفع الكثير من الدعم المادي كما فعلت في العراق ولبنان وغيرهما لتحقيق هذا الغرض، ومن هنا تأتي خطورة ما تناقلته وسائل الإعلام من أن الحوثيين بقيادة عبدالملك الحوثي قد سيطروا هذا الأسبوع على منطقتين يمنيتين على الحدود السعودية اليمنية، مما يحيل القصة من قصة صراع داخليٍ إلى خطر حقيقي على المنطقة بأسرها.

غير مجد أن تحارب حامل السلاح وتتغاضى عمن وفره له، وغير مفيد أن تلاحق الإرهابي وتترك المتطرف، ومضر أن تعلن الحرب على المخرب وتجامل من عبأه بالفكر التخريبي وعلمه بناء التنظيمات وزرع فيه احتقار الأنفس البشرية والأمن الاجتماعي واستقرار الدول، تلك مشكلات حقيقية في آلية التعامل مع تحديات الإرهاب والتطرف لا في باكستان واليمن فحسب بل في عديد من البلدان العربية والإسلامية.

إن حال السلاح في باكستان ليست بعيدة عن حاله في اليمن فهو متفش بشكلٍ مخيف، وحصول المتطرفين عليه أسهل وأرخص، وما لم تحل مشكلة السلاح ومشكلة الدعم المادي الذي يسهل الحصول عليه فستبقى الاضطرابات في البلدين كما هي إن لم تزدد ضراوة وخطرا. .

كما هو ظاهر لأي مراقب فإن الاضطراب في هذين البلدين يؤثر بشكلٍ كبير على البلدان المجاورة، وعلى العالم بأسره، فتفجيرات مومباي تم تنظيمها والتدريب عليها في باكستان، والقاعدة في السعودية بعد ضربها داخليا لجأت لليمن المجاورة لإعادة ترتيب صفوفها في محاولة لإعادة الكرة مرة أخرى، لذا فإن الواجب على دول الجوار وعلى العالم أن يدعم بقوة هذين البلدين في مكافحة الإرهاب والتطرف ومحاصرتهما حتى لا يفيضا من إناء البلدين على العالم. <

نقلا عن عكاظ

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد