محمد راوح الشيباني
تبدو الأمور في صعدة بين الجيش والمتمردين أشبه بشيخ جليل مهيب له ولد عاق سفيه غرّههُ حلم أبيه عليه ، فأصبح يكثر في التطاول عليه أمام الناس ويجاهر بعصيانه ويفتخر بعدم طاعته وإيذاء إخوته وقتلهم حتى وصل الأمر بهذا العاق الشقي إلى إنكار الأبوة كاملة لأبيه !! والاعتماد على أبٍ روحيّ دخيل وبعيد وبديل عن أبيه الحقيقي الذي أنجبه ، وكلما أراد الشيخ تأديب ابنه العاق وإعادته إلى جادة الصواب صاح ( الجهلاء ) من حوله انه لا يجوز لك أنت الكبير أن تعاقبه وهذا ابنك وعليك أن تصبر عليه حتى وإن قتل بعض إخوته أو أخرجك من دارك وقتلك !!
فمنذ قيام الثورة في العام 1962م وصعدة خارج السيطرة الفعلية عن الجمهورية المعلنة وقوانينها والجميع يعلم ذلك جيدا وإخضاع صعدة ( إسمياً) كان الأكثر كلفة في الحرب ماديا وبشريا خلال السنوات الثمان التي سبقت المصالحة بين الجمهوريين والملكيين واعتراف السعودية باليمن ، ولا زال الكثير من الأحياء بين ظهرانينا يتذكرون سقوط صعدة بيد الملكيين عام [ 69] ويتذكرون تلك القصيدة الساخرة للشاعر الشعبي ( محمد الذهباني ) التي تقول كلماتها ( سقطت صعدة على العمداء ، بعدما سالت دماء الشهداء ، والشيوخ والجيش والعقداء ، لا اله إلاّ الله ) والمتأمل لأهمية "صعدة " للجمهورية الوطن والنظام يتذكر قول المهندس / عبدالله الكرشمي يرحمه الله يوم كان رئيسا للوزراء في العام 69م وهي اقصر مدة رئاسة حكومة في الحكم عام 1969م لم تتجاوز الثلاثة أشهر تقريبا ، عندما رأى أن الحرب في صعدة تستنزف الخزينة العامة والسلاح والرجال باسم الحفاظ على الجمهورية ، دون فائدة حقيقية ترجى للبلد من تلك الحرب قال قولته الشهيرة يومها ( توقع جمهورية بغير صعدة ) إن المتتبع لمسار الأمور في حرب صعدة منذ العام 2004م ، كيف بدأت وأين أصبحت تجعله يستعيد غصبا عنه مقولة ( الكرشمي) فالجمهورية بغير صعدة (مؤقتا ) ليست مشكلة ولا تفريطا بالسيادة ويمكن استعادتها في أي وقت مناسب ولا هناك أي خطورة على الجمهورية منها لكن الخطورة الحقيقية تكمن في التفريط بالوحدة الآن ، فالوحدة بدون عدن وحضرموت والمهرة وشبوة وأبين ولحج هي الكارثة الحقيقية على الوطن اليمني الكبير وليست صعدة ، وإذا تم التفريط بالوحدة فربما لن تستعاد ثانية أبداً.
إن الحرب في صعدة هي مورد رزق لبعض تجار السلاح والمرتزقة من الوسطاء وبعض المشايخ ، وهي فرصة لا تعوض لتسريب الأسلحة الرسمية والذخائر لبعض القبائل التي ستتقوى بها وسيأتي اليوم الذي تعلن فيه تمردها على الدولة ونظامها وبأسلحة الدولة ذاتها كما حدث مع (الحوثي) الذي تقوى على الدولة بسلاحها ودعمها ومالها. . إن صعدة كانت ولا تزال وستبقى مجرد حجر عثرة في طريق التنمية والبناء وثقبا أسوداً يبتلع ميزانية الخدمات لكل الوطن ، ولن يجني الوطن منها أي فائدة ، وعلى الشرفاء في صعدة أن يحموا محافظتهم بأنفسهم وعلى الدولة مساندتهم إن صدقوا وأثبتوا رجولة ميدانية في القتال ضد هؤلاء الحثالة الضالة عن الدين قبل الوطن ، إن استدراج الجيش النظامي لمعارك عصابات في الجبال يؤدي إلى تآكل سمعة الجيش وهيبته ومعنويته ، فالجيش لم يكن ولن يكون يوماً للحرب ضد العصابات المختبئة في جحور وشعاب وكهوف ( تورا بورا )اليمن ولن يطارد قطاع طرق ولصوص وشواذ ، إن مهمة الجيش أسمى وأجل من أن تستهلك في مطاردة هؤلاء الروافض ، فهؤلاء أشبه بالدمامل التي ينقل طفيلياتها بعض أنواع بعوض الغابة الاستوائية إلى جسم الإنسان ، عندها يترك الدمل يكبر ثم يوضع ضماد معين على الدمل فقط لخنق اليرقة حتى تموت ثم يتم إخراجها ميتة وتطهير الجرح منها للشفاء ، بدلا من الذهاب إلى الغابة ومحاولة تتبع البعوض لقتله هناك في وسط غابة لها أول وليس لها آخر كما انه ليس من المصلحة إحراق الغابة كاملة من أجل القضاء على مجرد بعوض ، الأمر ذاته في صعدة ، حيث الجيش يبحث بالياته العسكرية عن البعوض المسبب للمرض الإيراني الإثنى عشري السلالي العنصري وسط الشعاب والكهوف والتضاريس المستعصية حتى على ( رباح الجبل ) وهناك يصبح الجيش أهدافا سهلة مكشوفة لهؤلاء اللصوص والقتلة من أحفاد ( الحشاشين) أتباع الإرهابي الكبير المدعو ( حسن الصباح ) في قلعة ( الموت ) الشهيرة شمال إيران ، وإن اختلفت التسمية اليوم ، فالحرب الرابعة كان الجيش فيها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر ساحق ، وكان النصر نهائيا وشبيها بذلك الذي حققه في العام 2004م عندما أتوا لنا برأس الفتنة المدعو (حسين الحوثي) فلماذا لم يسمح لهم بالحسم يوم ذاك ، ولو كانت الأمور حسمت يومها لما كان الجيش احتاج لخوض حرب خامسة وسادسة والى ما لا نهاية. . إن الطريقة التي يتم بها إيقاف الحرب على مشارف الحسم تدعو للريبة والشك وتفتح باب الاجتهاد والتأويل غير الايجابي في إظهار صورة الجيش البطل الذي حسم معركة الوحدة بكل استبسال يبدو عاجزا اليوم في هذه الحرب المفتوحة أمام مجموعة ( أتباع) عقيدة فاسدة ، وهو أمر لا نرضاه لكرامة وسمعة جيشنا البطل ، فهذا الجيش هم أبنائنا وإخوتنا وهم شرف الوطن وعزته وكرامته وحارسه الأمين للذود عن حياضه ومنجزاته ومكتسباته وأهمها الجمهورية والوحدة ، فلماذا إهانته في حرب عصابات لا طائل منها ويمكن حسمها بطريقة أخرى أفضل وأجدى واشرف وأقل تكلفة من العبث والتضحية بالمال والرجال والسمعة والهيبة وهو ما يتمناه الحوثيون ومن يقف خلفهم داعما بالمال والعتاد والتدريب لتثبيت المذهب الإمامي الإثنى عشري الفاسد.