محمد راوح الشيباني
ستتحمل الدولة كامل المسئولية عسكريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا أمام الله ثم الشعب والوطن والتاريخ عن تواضع تلك الشروط التي أعلنتها لوقف الهجوم العسكري الكبير على معاقل المتمردين في صعدة ، في الوقت الذي لم تكن فيه بحاجة لمثل تلك الشروط والأهداف أصلا ، لأن القيام بهذا العمل العسكري يندرج في إطار الحفاظ على الأمن في البلاد وهو أساسا من صميم واجباتها وعملها واختصاصها ومسئولياتها دستوريا وقانونيا كدولة وحكومة ، ومثل هذه الأهداف يتم إعلانها للرأي العام الداخلي والخارجي فقط عندما تدخل الدولة في حالة حرب رسمية مع دولة أخرى مجاورة اعتدت على سيادتها.. أو هناك دولة أخرى معتدية على محمية أو جزيرة هي ملك أو تحت حماية الدولة صاحبة السيادة كما حدث في جزر (الفوكلاند) بين بريطانيا والأرجنتين أو عندما احتلت إريتريا جزيرة حنيش الكبرى .. والخطأ الذي يصل إلى درجة الجريمة والذي ما كان على الدولة أن تقع فيه .. هو أن الشروط التي حددتها كأهداف لإيقاف الحملة العسكرية على الحوثيين تظهر الدولة أنها تتفاوض مع طرف كامل الندية لها وليس مجرد شخص حالم بعودة الإمامة بدعم خارجي وغرر بالمال والسلاح بعض المواطنين البسطاء للتمرد على الدولة وشرعيتها كما تقول هي للرأي العام ..
فكلمة المطالبة بالانسحاب من جميع المديريات يعني أن هناك احتلالا خارجيا حدث من طرف غريب وعليهم العودة من حيث أتوا قبل بدء العمليات العسكرية وليسوا يمنيين أو من أبناء المحافظة ذاتها .. ثم إن المطالبة برفع كافة النقاط المعيقة لحركة المواطنين تعني عدم وجود دولة سابقة بالأساس على هذا الاستحداث.. وأين هي الأجهزة الأمنية في المحافظة عندما قامت هذه العناصر بوضع النقاط ولماذا لم تمنعها ؟؟
ثم إن المطالبة للحوثيين بالنزول من المواقع التي يتمترسون فيها ؟؟ هذا في نظري لا يستدعي المطالبة بقدر ما يستدعي إرغامهم على الخضوع للقانون وللدولة أو سحقهم عسكريا إذا استعصى الأمر وليس مطالبتهم وترجّيهم ..
أما حكاية مطالبتهم بإعادة المعدات التي استولوا عليها فهذه قمة المهزلة الأمنية وما كان يجب على الدولة أن تشهر بنفسها بهذا القدر من العجز الأمني ، فهذه أعمال لصوص تستدعي القبض عليهم ومحاكمتهم بتهمة السطو المسلح وليس ترجّيهم باستردادها وحسب .. أما المطالبة بالكشف عن مصير المخطوفين الأجانب والمواطنين فهذه أم الجرائم التي تدخل في باب الحرابة والتقطع والقتل ويجب إلقاء القبض عليهم بأي ثمن وتنفيذ حكم الحرابة فيهم ، أما المطالبة بعدم التدخل فهذه معيبة جداً في حق من تسمي نفسها دولة فهذا الشرط يحدث بين الدول المتحدة فيدراليا بحيث يمنع الدستور تدخل أي ولاية أو إمارة في شئون الولايات أو الإمارات الأخرى ولا تحدث في النظام الجمهوري المركزي .. حيث الجميع تحت حماية الدولة وسيطرتها ونفوذها ، ومن المعيب إلى درجة الخجل أن تعلن دولة هذه الشروط لوقف العمليات العسكرية ضد بعض مواطنيها المتمردين على القانون ، وعلى افتراض أن الحوثيين وافقوا على تلك الشروط المعلنة -وهو ما يبدو مستبعدا- فهذا يعتبر نصرا كاملا لهم وليس للدولة لأنهم في حالة قبولهم لتلك الشروط ستكون الدولة هي الخاسر الأكبر لأنها اعترفت بهم رسميا كطرف كامل الندية لها وغير ملزمين بقوانينها السارية على بقية مواطنيها في المحافظات الأخرى.
ثم إن الجريمة الكبرى أن الدولة بهذه الشروط المذلة لها في حالة قبولهم بها ستكون قد أسقطت عنهم نهائيا الجريمة الأساس في إشعال الحرب والخسائر الفادحة التي تكبدتها الدولة والمواطنون منذ الحرب الأولى وحتى السادسة، وكل قائمة الجرائم التي نشرتها صحيفة ( 26 سبتمبر) في عدد الخميس الماضي لم يعد الحوثيين مسئولين عنها قانونيا ولا عن الجرائم التي سبقتها لأنهم قبلوا بشروط الدولة ونفذوها وبذلك سقطت عنهم كامل المسئولية عن الجرائم التي ارتكبوها سابقا ولاحقا ..
وهنا نسأل عن ( العبقري ) الذي صاغ تلك الشروط البليدة ؟؟ وبالتالي من الذي انتصر؟؟ فمثل هذه الشروط لم يكن يحلم بها الحوثيون أنفسهم وستشجعهم على الاستمرار في المرات القادمة حيث غاية الدولة هو الانسحاب والنزول من المواقع وتنازلت عن القصاص للوطن وللآلاف من الشهداء والجرحى والمشوهين جراء الحروب السابقة وحتى القبول بالشروط وهذا سيغري الآخرين بارتكاب نفس جرائم الحوثيين في مناطق قبلية أخرى وقد حدث .. بينما هي نفسها الدولة المتساهلة هنا نجدها في أماكن جغرافية أخرى تطارد بكل قواتها الأمنية وعضلاتها العسكرية وباسم النظام والقانون وهيبة الدولة.. أما الشهداء والجرحى والمشوهين من الجنود والضباط ومعهم سمعة الدولة وكرامة الجيش ومكانته وهيبته التي كسرت في صعدة فذلك كان مجرد مناورة بالذخيرة الحية مع الحوثيين.
morashib@yahoo.com