شهاب الدين المحمدي
الأرض يباب والتاريخ رماد ،ولا شيء في أفق الخراب سوى لهيب النار وصوت من بعيد يحمل بكاء القدس الأسية ، وعلى بعد أمتار ثمة مقهى خرب يدعى المقهى العربي يتكلم فيه ويجتمع بقايا ما يعرف بالجنس العربي، وهم هنا منذ زمن ليس بالبعيد يثرثرون ويغضبون ويحلفون بالعزات العصبية ثم يقعدون بعد عراك ما ويعودون لثرثرتهم ثم يسكتون.
هم الخائفون إلى درجة الذل.
الصامتون إلى حد الموت.
القانعون بما هم فيه حتى الخنوع.
لا شيء في هذا الموات إلا الموت ، إبحث عما شئت لن تجد شيئاً يا أقصى. حتى التاريخ صارت أجسادهم تنسل منه براءة وخوفاً وارضاء لسيد الروم الكبير!!.
الروم في الأفق. لا.. الروم على الأبواب. لا .. الروم على الأسوار. لا.. الروم في الديار والبيوت، سيوفهم لا تفرق بين صغير وكبير.. رماحهم في جسد الشيخ والطفل والمرأة. سهامهم تمزق ما تبقى من صدور المقاومين والأبطال!!.
وحده النظام العربي لا يعلم.. وإن علم لا يفهم وإن فهم لا يهتم والموت البارد في القلوب والأنفس لا يشتعل حتى للهيب الأقصى وهو يحترق.. إركل بقدمك إذن أيها الأقصى هذه الجثث هل ستستجيب أو ترتعش غضباً؟
إرفع عينيك المرهقتين يا اقصانا وانظر نحو الأفق وقل لي ماذا ترى؟ جحافل الروم بالآلاف قادمة، فهل ثمة حياة في الموت القادم؟ لتتجمع ذراتك يا حبيبي في جسدك الذهبي ، واحمل سيفك ذا الفقار ومت واقفاً تقاتل إن اضطررت حتى تبعث الحياة في عيون الأطفال الذين يكبرون على مجد الحياة القادم من مرقد محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث طيبة لا تزال تخبئ الجمر تحت الرماد لتحرق القادمين بالموت!!
يدي ستقبض على يدك يا أقصى فقم وانتفض وجسدي سيسقط دون جسدك فلا تخف من خذلان وروحي ستصيح في أركانك الله أكبر.. الله أكبر.. فتوضأ لصلاة في العشق لا يجوز وضوئها إلا بالدم.
الروم قادمون فقم والبس جلد النمر وأعد للموت أكفاناً تنبت منها شجرة الحياة، إمسح على بطون الحوامل فربما تزفر إحداهن وربما بعضهن وربما كلهن بصلاح الدين وجيش صلاح الدين!!
الروم قادمون ..هيا فلنذهب إلى حيث يقف الموت مستنداً على جدار الروح.. لنقل له ، أيها الموت أنت صديقنا ونحن نحبك.. ولاحظ عندئذ كيف سيلمع العشق في عيني الحياة، وكيف ستلقي منديلها في طريقنا لنراه ونحمله بين أيدينا ونكلمها هذه العاشقة!!
الروم قادمون.. لكن النار التي تحرقنا تطهرنا والجمر الذي ندوسه بأقدامنا العارية سينطفئ بماء حياتنا،وهذا الطريق الطويل الذي تراه هو دربنا إلى حيث نروي ظمأنا من نبع الحرية!
الروم قادمون .. ولكننا قادمون أيضاً ، في ألق عيون الأطفال، في بطون النساء ، في سواعد ما تبقى من رجال وأبطال، من ورود الحدائق ومن ينابيع المساجد،ومن أضرحة الأنبياء والأولياء والصالحين ومن قدس أقداس الأرض المقدسة.
"هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظللٍ من الغمام" لا تأبه إذن أيها الأقصى الحبيب فقد ولدنا بالروح من جديد وسوف نفنى بهذا العشق حتى نصير جزءاً من النور وقم لتدفن هذه الجثث التي تعفنت فإنها تمنع عنا روائح الجنة، ولا تخف إن صاح صائح الروم قادمون فنحن أيضاً من وسط هذه النار قادمون.. وبإذن الله لمنتصرون!!.<
* عضو مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية- اليمن
مدير عام الإعلام والعلاقات - بوزارة الأوقاف والإرشاد
