منيف الهلالي
لقد وقعت في يدي مجموعة من الأوراق المرتبة والمطبوعة على هيئة بحث ، قام بإعدادها أحد الإخوة المناضلين في السلك الثقافي.. حيث تناول مسيرة الدعوة العلمية في مديرية الشعر، والطرق البدائية التي سلكها المتعلمون للحصول على علومهم الشرعية.. وكان هذا العمل الرائع عبارة عن مشروع تخرج قدمه لإحدى الجامعات..أظنها جامعة الإيمان، وبعد أن تصفحت جزءاً لا بأس به من البحث وجدت الجهد الكبير الذي بذله الباحث للحصول على معلوماته بارزاً على صدر صفحات البحث ، أكاد المسها بأم عيني مع كل سطر تمر عليه ، مما جعلني أعض أصابع الندم على واقع الحال الذي تمر به المديرية المشهورة بالثراء المادي الواقف في مهب الريح.
أنا لست مبالغاً عندما أقول أن لأبناء مديرية الشعر بصمات واضحة في كل مدينة أو حي يقطنون فيه، في حيث السلوك والأخلاق والكرم والتعاون مع الغير والمساهمة الفاعلة في بناء الوطن ورفد اقتصاده غير أن هنالك تقصير- مبالغ فيه - حيال قضاياهم الثقافية والتعليمية ولم يقتصر الأمر على التقصير بل أن ثمة محاولات تحاك لوأد الثقافة واستئصال التعليم ونشر ظاهرة اليأس بين الشباب - عن جدوى التعليم وانعدام مردوده ، والمصير الحتمي لحملة الشهادات الجامعية والمتمثل بالعطالة.
يقال أن الهجرة واللهث وراء الثراء هما العاملان الرئيسيان اللذان جعلا المديرية خالية إلا من بقايا معرفة منحوتة على الصخر ..بيد أن هذا لا يعني انحصار المشكلة فيهما بل أن كل من ينتمي إلى هذه المديرية يتحمل جزءاً من المسؤولية - بنظري- دون استثناء ابتداءً من المسؤولية وأصحاب رأس المال والمغتربين وكذلك المثقفين -الذين يعدون بالأصابع - و..الخ وأن كانت النسب متفاوته بينهم.
لقد سيطرت ثقافة الاغتراب على عقليات أبناء المديرية أو بالأحرى 95% منهم - إذا ما حاولت أن أكون دقيقاً في طرحي -لذلك نجد أن من لم يستطع الحصول على فيزة الهجرة استطاعت هي أن تتملك تفكيره وتقتحم طموحاته وتبعثر أحلامه الفطرية لتكون هي المتربعة الوحيدة على عروش أهدافه المستقبلية، فيصبح أسيراً لها محروماً من الغاية المثلى الكامنة في الكتب المدرسية المهملة حد النسيان.
كذلك هي الهجرة الداخلية والرغبة المتوحشة.. للتخلي عن مسقط الرأس والانتقال إلى بحبوحة التمدن واقتصار المديرية في ساكنيها على الطبقة التي ليس لها تمثيل في بلاد المهجر.
أضف إلى ذلك مجالس القات المترامية الأطراف - خصوصاً في المدن -والتي لا تخلو من الشباب والأطفال.. وانحصار نقاشات المخزنين على التباهي بالسيارات والعمارات والفلل والبذخ الخارج عن المألوف..
كل هذه العوامل كان لها أثراً سلبياً على المسألة التعليمية والثقافية والمعرفية والتدوينية في المديرية.
وحقيقة الأمر .. المديرية بحاجة إلى لفتة جادة من أبنائها وأهلها للارتقاء بواقعها التعليمي والمعرفي وانتشالها من مستنقع الإهمال واللامبالاة.
فمن المعيب أن يظل الباحث أكثر من شهر متنقلاً بين قرية وأخرى باحثاً عن أسماء وعدد عزل المديرية وقراها وتقسيماتها الإدارية قديماً وحديثاً أن يجد من يرشده لذلك..!!
ومن الأشد عيباً أن يحتاج إلى رزمة من الجهد وا لوقت لتدوين أسماء من كانوا قائمين على "المعلامات" ، تلك الصروح العلمية الشامخة التي نهل منها غالبية أبناء المديرية..!!
ألا يستحقون هؤلاء مؤلفاً يضم تاريخهم المخضب بالحروف المذهبة "باليرع والحرض والخير" ..؟
كثيرة هي الأسئلة التي تقطر ألما خصوصاً ونحن نتصفح البوم البؤس الرابض بين دفتي المديرية، لا تتسع هذه الزاوية الضيقة لسردها كاملة.. ولكنني سألثم آهاتي المستوحاة من ذلكم الألبوم بنداء أتمنى أن يلامس صداه مسامع من يمثلون مصدر الألم والمعانات واليأس..
أن المديرية بحاجة ماسة لأبنائها فلا تجعلوا المال والتسابق المشئوم على الثراء يحولان دون تعليم أبنائكم ولا تأخذكم العزة بالإثم فتسخرونا من العلم والتعليم وتورثوا هذه الثقافة الساخرة أبناءكم..والله من وراء القصد
. Almonef86@yahoo.com