بقلم / أبو زيد بن عبد القوي
هل أسفرت الانتخابات الإيرانية عن فوز ساحق لأحمدي نجاد بحسب النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية الإيرانية وأعتمدها مجلس تشخيص مصلحة النظام ؟ أم أن هناك تلاعب وتزوير جعل الملايين تخرج في مظاهرات عارمة لا مثيل لها صارخة "أين صوتي" ؟ وهل هذا التزوير هو مقدس في نظر المحافظين للحفاظ على خط الثورة ونفوذهم كما يقول البعض ؟! أقول : لن نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة إلا إذا ألقينا نظرة سريعة وباختصار على أحوال إيران الاقتصادية من عام 2005م - 2009م وماذا قال الشعب الإيراني عن نجاد وحكمه في هذه الفترة، وألقينا نظرة سريعة كذلك على مهرجانات المرشحين واستطلاعات الرأي وشرائح المجتمع التي كانت مع نجاد أو مع موسوي، وكذلك المناطق التي حسمت أمرها من البداية لنجاد أو لموسوي وغير ذلك في أول بحث موثق وموسع من نوعه فإلى التفاصيل :
إيران قبل الانتخابات
كان فوز أحمدي نجاد في انتخابات 2005م مفاجأة أذهلت الجميع - أسباب فوزه وما قيل عن وجود تزوير حسب أقوال رفسنجاني وكروبي وغيرهم يحتاج لبحث موسع وموثق نتجاوزه هنا - وقد وعد أحمدي نجاد أثناء حملته الانتخابية برفاهية الشعب الإيراني وإيصال عوائد النفط إلى موائد المواطنين وهذه إطلالة سريعة على أحوال إيران من 2005م إلى 2009م وهي فترة رئاسة أحمدي نجاد لنعرف ماذا جرى وهل بوعده أحمدي نجاد وفى ؟ :
أولاً / الأحوال الاقتصادية
شهدت إيران تدهوراً اقتصادياً لا سابق له خلال أربع سنوات من حكم أحمدي نجاد - سبق الحديث عن أحوال إيران الاقتصادية بالتفصيل منذ الثورة الإيرانية وحتى أيام أحمدي نجاد في صحيفة "أخبار اليوم" فليرجع إليها - فعندما جاء أحمدي نجاد للحكم عام 2005م كان التضخم 13% فزاد الطين بله وأصبح التضخم كارثة يأكل الأخضر واليابس وهما يوميا للمواطن الإيراني !! وحتى لا أطيل على القارئ فسأذكر الأمر بشكل مقتضب فأقول (في نهاية عام 2007م بلغ التضخم 26 في المائة ) ( وقد وصل معدله 30% عام 2008م ) "صحيفة الشرق الأوسط العدد 11031بتاريخ 9/2/2009م " وارتفعت الأسعار بشكل جنوني مع بطالة غير مسبوقة وتقنين للبترول بحيث تكون حصة السيارة 120 لتر في الشهر فقط وتدهورت العملة فأصبحت المائة دولار تصرف ب مليون ريال إيراني !! مع هروب لرؤوس الأموال للخارج وهجرة كثير من الكوادر المؤهلة تأهيلاً عالياً. . . . . . الخ ما فصلناه في أعداد سابقة في صحيفة أخبار اليوم.
ثانياً / انتقادات
لم تتعرض حكومة للانتقادات مثلما تعرضت له حكومة أحمدي نجاد ومن جميع التيارات السياسية في إيران !! وشن كذلك خبراء الاقتصاد هجوماً عنيفاً على سياسة الحكومة الاقتصادية وهذه بعض الانتقادات بإيجاز :
1- خبراء الاقتصاد
النظام الاقتصادي في إيران ( لا يقوم على قاعدة علمية ) حسب بيان 50 خبيراً من خبراء الاقتصاد ( راجع الشرق الأوسط بتاريخ 15/7/2007م ) وقد ( قالت مجموعة من 57 خبيراً اقتصاديا الأسبوع الماضي أن سياسات الحكومة تلحق ضرراً بالنمو وتزكي التضخم وفشلت في تحقيق هدف تقاسم ثروة إيران النفطية بطريقة أكثر عدالة. ورددت ما جاء في رسالة مماثلة أصدرها خبراء اقتصاديون قبل عام اتهمت أيضاً حكومة أحمدي نجاد بإساءة إدارة الاقتصاد ) ( صحيفة القدس العربي العدد 5613 18/6/2007م ) لكن أحمدي نجاد كان يقابل ذلك باللامبالاة أو اتهام الخبراء بالعمالة أو معاداة الجمهورية الإسلامية أو عدم الفهم !! ولم يتوقف خبراء الاقتصاد عن انتقاد أحمدي نجاد وبالمقابل لم يتوقف نجاد لمراجعة ما يقولون والاستفادة من خبرتهم بل أستمر في اللامبالاة !!
2- أصحاب السلطة
ما عاد بالإمكان التستر على الأوضاع الاقتصادية السيئة بالشعارات الثورية أو الخطب النارية !! لذلك شن أصحاب السلطة في إيران هجوماً عنيفا ولاذعا على أحمدي نجاد فقد ( وصف النائب المحافظ أحمد توكلي مدير مركز البحوث في مجلس الشورى التضخم بالغول وانتقد رجل الدين عبد الكريم الموسوي هو الآخر في شدة ارتفاع الأسعار وقال "مسالة التضخم تدفع الناس إلى رفع الصوت ينبغي أن تولى الحكومة هذه المسألة أهمية قصوى وتهتم بالمعوزين" ) "الحياة العدد 16279 بتاريخ 20/10/2007م " و ( وجه علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء انتقادات حادة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مناسبات عديدة وقال : "إن سياساته الاقتصادية من شأنها الإضرار بالمؤسسة الدينية" وقال رفسنجاني : "الاقتصاد وارتفاع معدل التضخم من القضايا التي يتعين أن تؤخذ مأخذ الجد" وقال : "المشكلة قد تضر بإيران والثورة الإسلامية " وقال : " إن المشكلات الاقتصادية يشعر بها جميع الإيرانيين ولا يمكن تجاهلها عن طريق تقديم إحصاءات خاطئة للناس" ) ( الشرق الأوسط العدد 10616 بتاريخ 13/ ذو الحجة 28ه الموافق 22/12/2007م ) و ( انتقد رجل الدين عبد الكريم موسوي هو الآخر بشدة ارتفاع الأسعار وقال "مسألة التضخم تدفع الناس إلى رفع الصوت ينبغي أن تولي الحكومة هذه المسألة أهمية قسوى وتهتم بالمعوزين " ) ( صحيفة الحياة بتاريخ 19 شوال 1428ه الموافق 20/10/2007م ) ولو أردنا أن نحصي الأقوال لاحتجنا إلى مجلدات والكل يبكي ويشكي من هذا الوضع الاقتصادي التعيس والرئيس أحمدي نجاد يجوب المحافظات ليلقي خطابات بالساعات في حشود جماهيرية كبيرة عن خروج الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه !!!!!!
4- في إيران جيوب الناس فارغة !!
في عام 2007م وحتى أواخر 2008م وصلت أسعار النفط إلى أرقام خيالية وقد استفادت الدول المصدرة للنفط من هذه الأسعار الكبيرة وامتلأت جيوب الناس في هذه الدول بالنقود أو على الأقل وفرت الدول البترولية احتياطات ضخمة من العملة الصعبة فهل اهتبلت حكومة أحمدي نجاد هذه الفرصة وجعلت حياة الناس رحبة أو وفرت احتياطات ضخمة ؟! لنستمع إلى حسن روحاني المستشار الأمني للمرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي والذي وجه انتقادات حادة وصريحة لا أحمدي نجاد ومما قال ( إن أحمدي نجاد ضيع فرصاً ذهبية لتنمية الدولة الإيرانية متسائلاً : (( لماذا جيوب الناس خاوية. . وكرامتهم ضائعة ؟ )) كما دعا روحاني إلى النظر إلى فوائض النفط في السعودية والتي بلغت كما قال 870 مليار دولار فيما فوائض خزينة إيران قليلة وتستخدم في الاستيراد من الخارج بدلا من معالجة التضخم وأشار روحاني إلى أن حكومة أحمدي نجاد تبيع برميل النفط الخام حالياً ب 120 دولاراً، فيما كانت الميزانية الإيرانية التي وضعت عام 2005م عندما تولت حكومة نجاد تتوقع أن يكون سعر البرميل 20 دولارا للبرميل فقط. لكن وبالرغم من الارتفاع الكبير في أسعار البترول الخام فإن الإيرانيين أكثر فقرا والبطالة أكثر ارتفاعا وكذلك التضخم ) ( الشرق الأوسط العدد 10879 بتاريخ 10/9/2008م ) وكلام حسن روحاني المستشار الأمني لخامنئي لا يحتاج إلى تعليق لأنه قد شرح حقيقة الوضع في إيران بالمختصر المفيد : 1- جيوب الناس خاوية !! 2- كرامتهم ضائعة !! 3- الإيرانيون أكثر فقراً في عهد نجاد !! 4- البطالة أكثر ارتفاعاً وكذلك التضخم !!
ثالثاً / الرجل غير المناسب
في المكان المناسب !!
يعاني العالم الإسلامي من هذه المعضلة وهي تعيين الرجل غير المناسب في المكان المناسب !! لكن معاناة إيران أشد في هذه المسألة حيث (عين الرئيس نجاد 18 وزيراً من 21 وزيراً جديداً مؤهلاتهم أنهم من الحرس الثوري ) الشرق الأوسط بتاريخ 21/8/2008م وقد استقال علي رضا طهما سبي وزير الصناعة السابق - أبرز وأنجح مديري النظام منذ قيام الثورة وقد حاز على جوائز علمية داخلية وعالمية في مجال الاقتصاد - بسبب المحاباة وتعيين مساعد له من قبل الرئيس لم يكمل دراسته الجامعية وبسبب ما سماها تدخلات الرئيس في أمور لا صلاحية له فيها. . . . . الخ ما ذكره في جواب استقالته. ( الشرق الأوسط بتاريخ 16/8/2007م).
رابعاً / طرد أصحاب الخبرة
قام أحمدي نجاد بتعيين أكثر من 10 ألف موظف من الحرس الجمهوري في مناصب حساسة ومهمة وفي جميع مرافق الدولة !! بل وفوق هذا كله فقد قام ( بطرد الأساتذة الإصلاحيين والليبراليين من الجامعات الإيرانية وإحلال أساتذة متشددين سبق أن خدموا في الحرس الثوري محلهم ) ( الشرق الأوسط بتاريخ 24/6/2009م العدد 11166)
حكومة فوضى !!
تشكلت حكومة نجاد السابقة في 2005م من 21 وزيراً وقد استقال أو أقيل عشرة وزراء منذ تشكيلها !! إلى جانب استقالة بعض المستشارين وبعض المسئولين على هيئات ومصالح هامة مثل محافظ البنك المركزي ومسئول هيئة الطاقة النووية وغيرهم وقد وصف بعض المحللين حكومة نجاد بحكومة الفوضى !!!!
الإيرانيون يتحدثون !!
حتى نعرف مقدار شعبية الرئيس نجاد قبل الانتخابات يجب أن نستمع إلى الشعب الإيراني وماذا يقول عن نجاد وحكومته وهذه قلة قليلة من أقوالهم التي هي مؤشر هام على ما جرى في الانتخابات الإيرانية لاحقا :
1- الأرز أصبح رفاهية !!
نشرت صحيفة القدس العربي العدد 5929 بتاريخ 22 جمادي الثانية 1429ه الموافق 26/6/2008م تقريراً اقتصادياً عن ارتفاع سعر الأرز في إيران للإيرانية الشيعية زهرة حسينيان وقد أرفقت بالتقرير مقابلات مع بعض أفراد الشعب الإيراني نقتطف منه الآتي : ( وتقول معصومة ناييري وهي عاملة نظافة وأم لخمسة أبناء في طهران (( أحمدي نجاد وعد بأن يأتي بأموال النفط إلى طاولاتنا لكنه بدلاً من هذا ينتزع الأرز من طاولاتنا )) ) وأضافت ( الأرز والخبز الشيئان الوحيدان اللذان نستطيع تحمل تكلفتهما كيف سأطعم أبنائي الآن الحياة تصبح أكثر صعوبة كل يوم ) وقالت شريفة التي أحجمت عن الكشف عن أسمها بالكامل وكانت تعمل في حقل قرب ناماكابرود في مازانداران (( أصبح الأرز رفاهية بالنسبة لكثير من الفقراء تماماً مثل اللحم والدجاج ).
2- الحياة في إيران أصبحت مستحيلة !!
تقرير اقتصادي آخر نشره الشيعي الإيراني سياوش قاضي في صحيفة القدس 5767 بتاريخ 6 ذو الحجة 1428ه الموافق 15/12/2007م وكان عن ارتفاع الأسعار في إيران وقد أرفق التقرير بلقاءات مع مواطنين من إيران ونقتطف منه : ( وأكد المتقاعد من الشرطة محمد عباس البالغ من العمر 68 عاماً والذي اضطر للعمل كحارس مبنى ليتمكن من تغطية نفقاته الشهرية (( يمكن لأحمدي نجاد أن يقول ما يحلو له، لكن الحياة أصبحت مستحيلة )) وقال مزارع البقول هاشم انخفضت مبيعاتي بنسبة 50% لأن الناس لم تعد تملك وسائل الشراء ) ويقول محمود غولي ساركاري سائق سيارة أجرة ( التقنين أو رفع الأسعار سيزيد حياتنا صعوبة ) القدس العدد 5521 بتاريخ 12 صفر 1428ه الموافق 2/3/2007م. ويقول مهدي الذي يعمل سائق سيارة أجرة إنه لم تمر عليه أيام أصعب من هذه ويقول : ( نحن نعيش أيام تعيسة جداً ومرشحة لأن تزداد سواء ) الحياة 7/شعبان 29ه الموافق 8/1/2008م.
3- لم يعد والدي يحتفل بالثورة !!
نشرت الشرق الأوسط عشر حلقات بمناسبة مرور 30 عاما على الثورة في إيران وفي عددها رقم 11041 بتاريخ 19/2/2009م استطلعت آراء بعض المواطنين عن الثورة وعن حياة الناس وهذه بعضها حيث يقول المواطن محمدي مفتح : ( أريد أن أعيش في بلدي لكن الوضع غير واضح الاقتصاد سيء والأسعار مرتفعة جداً حتى لشخص مثلي يعتبر أساساً من الميسورين ) ويقول المواطن رضا بهاني : ( كان والدي من الذين يحتفلون بالثورة إلا أنه لم يعد يحتفل. هناك الكثير من الأشياء التي لا تعجبني ولا تعجبه. هذه الحكومة لا تعبر عن الثورة. هذه الدولة لا تعبر عن الثورة. لدينا سياسيون يمارسون السياسة لكنهم لا يريدون منا أن نحاسبهم كما يحاسب السياسيون في العالم بل أن نتعامل معهم على أنهم فقهاء فوق الخطأ ).
4- يكفي أن تنظر إلى الناس
تلخص الصحفية الإيرانية منال لطفي حال الناس في إيران باختصار فتقول : ( يكفي أن ننظر إلى مزاج الإيرانيين العصبي بسبب تقنين الكهرباء التي تنقطع بشكل يومي لمدة ساعتين أو ثلاث وتترك الناس في حالة من الغضب والإحباط وتعكير المزاج بسبب عدم استخدام الكمبيوتر أو ثلاجات المنازل أو التلفيزيونات خلال ساعات الانقطاع هذه، في بلد به ثالث احتياطات نفطية مؤكدة على مستوى العالم لكنه يستورد 40% من احتياجاته من الجازولين لأنه يفتقر إلى الموارد اللازمة أو المعرفة اللازمة لتحديث معامل التكرير لديه بما يمكنه من ضخ المزيد من النفط ) ( الشرق الأوسط العدد 11041 بتاريخ 19/2/2009م ). <