بقلم / أبو زيد بن عبد القوي
هل أسفرت الانتخابات الإيرانية عن فوز ساحق لأحمدي نجاد بحسب النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية الإيرانية وأعتمدها مجلس صيانة الدستور ؟ أم أن هناك تلاعب وتزوير جعل الملايين تخرج في مظاهرات عارمة لا مثيل لها صارخة "أين صوتي" ؟ وهل هذا التزوير هو مقدس في نظر المحافظين للحفاظ على خط الثورة ونفوذهم كما يقول البعض ؟! أقول : لن نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة إلا إذا ألقينا نظرة سريعة وباختصار على أحوال إيران الاقتصادية من عام 2005م - 2009م وماذا قال الشعب الإيراني عن نجاد وحكمه في هذه الفترة ،وألقينا نظرة سريعة كذلك على مهرجانات المرشحين واستطلاعات الرأي وشرائح المجتمع التي كانت مع نجاد أو مع موسوي ،وكذلك المناطق التي حسمت أمرها من البداية لنجاد أو لموسوي وغير ذلك في أول بحث موثق وموسع من نوعه فإلى التفاصيل :
مؤشرات على التزوير
تسبب فوز أحمدي نجاد بمظاهرات عارمة لم تشهد إيران لها مثيلاً منذ الثورة عام 79م احتجاجاً على تزوير الانتخابات وخرجت الملايين رافعة لشعارات عديدة من أشهرها "أين صوتي" و "كتبنا موسوي وقرءوها نجاد" و "الموت للديكتاتور" و "مرشدنا قاتل ولايته باطل". . . . . الخ وهذه بعض المؤشرات على التزوير :
1- الصناديق المتحركة
من أكبر أخطاء الإصلاحيين سكوتهم على ما يسمى بالصناديق الانتخابية المتحركة !! وحسب علمي القاصر فهي بدعة إيرانية بامتياز !! - أرجوا أن لا يقلدها أحد !!- وإذا كنت لا تصدق أخي القارئ فإليك هذا الخبر الذي جاء في صحيفة القدس العربي العدد 6224 بتاريخ 16 جمادي الثانية 1430ه الموافق 9/6/2009م : ( طهران - يو بي آي : توقع مسئول لجنة الانتخابات في وزارة الداخلية الإيرانية كامران دانشجو أمس الاثنين مشاركة قياسية في الانتخابات الرئاسية يوم الجمعة المقبل. . . . . وأضاف أن وزارة الداخلية المكلفة تنظيم الانتخابات وضعت إستراتيجية تهدف إلى تحقيق "مشاركة قصوى" للناخبين الإيرانيين البالغ عددهم 46،2 مليون ناخب. . . . . . وأشار دانشجو إلى أن عدد صناديق الاقتراع في مختلف أنحاء البلاد بلغ 45713 صندوقاً ،منها 14258 متنقلة لتسهيل تصويت المرضى في المستشفيات والمعتقلين والعسكر والقرويين في المناطق النائية. . . . . ) وقد كان الفوز الساحق لنجاد هو في هذه الصناديق المتحركة وعددها ( 14258 ) صندوقاً !! ولك أن تتخيل وجود ( 14258 ) صندوقاً متنقلاً في كل مكان بلا رقيب ولا حسيب إلا وزارة الداخلية !! التي تخضع بدورها لأحمدي نجاد !!
2- بلا مراقبة
بسبب عدم وجود حزب لموسوي لم يستطع توفير مراقبين من قبله في جميع المراكز الانتخابية وفوق هذا فقد تم طرد المراقبين الذين عينهم من بعض المراكز الانتخابية وقد اشتكى موسوي من ذلك وذكر ( معلومات تفيد أن بعض " ممثليه لم يسمح لهم بالقيام بمهام مراقبين " في مكاتب التصويت ) ( الشرق الأوسط بتاريخ 13/6/2009م ) بل حتى من عينهم موسوي كمراقبين لا يحق لهم مراقبة شيء بنظر مجلس صيانة الدستور !! وعندما يقومون بدورهم في الرقابة يتم طردهم كما اعترف بذلك الناطق باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي فقال ( أن حوالي خمسين من ممثلي المرشحين طردوا من مكاتب الاقتراع لأنهم أرادوا التدخل في عملية مراقبة الانتخابات وأن هؤلاء الأشخاص وصلوا متأخرين في بعض الحالات إلى مراكز الاقتراع. وأضاف في مطلق الأحول لا يعتبر غياب ممثلين عن المرشحين مخالفة ) ( صحيفة الوسط اليمنية العدد 245 بتاريخ 24/6/2009م ) وتفكروا ملياً في قوله : ( في مطلق الأحول لا يعتبر غياب ممثلين عن المرشحين مخالفة ) !!
3- داخلية 100% !!
بما أن وزرة الداخلية هي المشرفة على الانتخابات فقد عينت في مراكز التصويت من تثق في ولائهم وطاعتهم !! وفوق هذا فقد قامت وزارة الداخلية بالفرز بدون وجود رقابة من الإصلاحيين !! ( وأشار أحد موظفي وزارة الداخلية التي نفذت عملية فرز الأصوات إلى أن الحكومة كانت تعد لعملية التزوير منذ أسابيع ،حيث عمدت إلى فصل أي شخص يشك في ولائه وجلبت أفرادا لعملية الفرز من أنحاء مختلفة من البلاد. وزعم الرجل الذي أظهر لنا بطاقة وزارة الداخلية لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه : " إنهم لم يتلاعبوا بالتصويت ،إنهم لم ينظروا إليه على الإطلاق ،فقد قاموا بكتابة الاسم وكتابة الرقم على جواره" ) ( الشرق الأوسط العدد 11157 بتاريخ 15/6/2009م ) وقد ( أشار موظفون في وزارة الداخلية إلى أن عملية التزوير خطط لها قبل أسابيع ففصل الإصلاحيون وحمل المحافظون ليديروا الفرز. . . . ) ( مجلة الحوادث العدد 2747 بتاريخ 26/6/2009م )
4- إعلان الفوز !!
بسرعة غير مسبوقة تم إعلان فوز أحمدي نجاد بعد ساعات قليلة من إغلاق مراكز التصويت !! وسارعت بعض وسائل الإعلام الرسمية إلى إعلان فوز نجاد !! وبقي السؤال الهام كيف استطاعت وزارة الداخلية عد 39 مليون صوت في ساعات قليلة ؟
5- 100% مشاركة !!
لأول مرة في التاريخ تشهد بعض المحافظات الإيرانية مشاركة انتخابية بلغت 100% !!!!! ولم يحصل في أي انتخابات في العالم أن تكون نسبة المشاركة في ولاية أو محافظة 100% !! وهل يعقل عدم مرض أحد أو وفاته أو سفره ؟ وفوق هذا كله فإن المحافظات التي شهدت مشاركة من 90% - 100% كان الفوز فيها من نصيب أحمدي نجاد !! ويبقى أهم سؤال مطروح وهو : هل يعقل أن المشاركة قد بلغت 85% كما تقول السلطات ؟ وما الذي جعل الشعب الإيراني يشارك هذه المشاركة الكبيرة - إن صحت - إلا إذا كان راغباً في التخلص من أحمدي نجاد ؟ وفوق هذا كله فإن ما يحير المراقبين هو التفاوت الغريب والكبير في مشاركة الناخبين عام 2005م وعام 2009م والجدول التالي يتحدث عن نفسه :
الإقبال بين عام 2005م و 2009م
وجد الباحثون تبايناً كبيراً في أنماط التصويت هذه السنة عن الانتخابات الإيرانية السابقة بحيث أعلنت ست من المحافظات الثلاثين إقبالا بين 90 و100 في المائة. )
الإقبال 2009 ( زيادة عن 2005 )
الإقبال %84 2009
الإقبال :%63 2005
( المصدر تحليل أولى لبيانات الأصوات في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009م حرره البروفسور علي أنصاري ونشره المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية "تشاتام هاوس" ومعهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز ) ( صحيفة الشرق الأوسط العدد 11166 بتاريخ 24/6/2009م )
مشاركة 140% !! واعتراف بالتزوير !!
اتضح لاحقا أن الانتخابات الإيرانية انفردت بنسبة مشاركة بلغت ما بين 95% و 140% في بعض الأقاليم !!!! ( وكان المرشح المحافظ محسن رضائي الذي حل في المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 حزيران / يونيو ،أعلن الخميس الماضي عن حصول مخالفات مؤكداً أن نسبة المشاركة في 170 إقليما بلغت ما بين 95% و 140%. كذلك قدم المرشحان الآخران مير حسين موسوي ومهدي كروبي طعنا رسميا في صحة النتائج الانتخابية إلى مجلس صيانة الدستور ) ( صحيفة الوسط اليمنية العدد 245 بتاريخ 24/6/2009م ) والمفاجأة أن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور المكلف بالإشراف على الانتخابات الرئاسية في إيران اعترف بإن عدد الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في خمسين إقليميا تخطي عدد الناخبين المحتملين !! فقال عباس علي كدخدائي : ( أن شكوى مشتركة قدمها المرشحون تفيد بأن الأصوات التي تم الإدلاء بها في بعض الأقاليم فاقت عدد الناخبين المحتملين لكن تحقيقنا الأولي يشير إلى أن العدد الذي أفيد عنه ( 170 إقليما ) ليس صحيحاً وأن المسألة تطاول خمسين إقليما. لكنه اعتبر أن ذلك لن يكون له تأثير مهم على النتيجة النهائية التي قضت بفوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية لأربع سنوات ) !! ( المصدر السابق ).
3 مليون صوت فقط !!
بنظر مجلس صيانة الدستور فإنها مجرد 3 مليون صوت تم التلاعب بها ويمكن بنظره تبريرها !! فقد قال كدخدائي الناطق باسم مجلس صيانة الدستور : ( أن مسألة تجاوز عدد الأصوات عدد الناخبين في الأقاليم الخمسين يمكن تبريرها بأن بعض المدن تؤوي مهاجرين ،وبعضها الآخر سياحي ،الخ. ويمكن نظريا لكل ناخب أن يصوت أينما يشاء. وتابع في مطلق الأحوال ،تم الاتفاق على إرسال محققين ميدانيين للتدقيق في الإحصاءات. وختم لكن مجموع أصوات هذه الولايا ت يبلغ ثلاثة ملايين صوت ،ولن يكون لها تأثير كبير على نتائج الانتخابات. ) !! ( المصدر السابق ) فهذه الفضيحة المدوية جعلت مجلس صيانة الدستور يصر على عدم إعادة فرز الانتخابات !! بل هذه الثلاثة مليون صوت ليست مخالفات تستحق إعادة الفرز بنظر مجلس صيانة الدستور !! الذي : ( أقر بوجود مخالفات في الانتخابات التي جرت في 12 حزيران / يونيو لكنه أصر على أن ذلك لن يكون له تأثير مهم على النتيجة النهائية. . . . . ) !! ( المصدر السابق )
وقد علق الكاتب الصحفي طارق الحميد في صحيفة الشرق الأوسط العدد 11167 بتاريخ 25/6/2009م على هذا الاعتراف فقال : (. . . . . أما ما نشاهده في إيران اليوم فهو عنف دولة ،خصوصا أن السلطات الإيرانية أقرت ،حتى الآن ،بمخالفة طالت 3 ملايين صوت ،وهذا العدد يساوي تعداد دولتين خليجيتين على الأقل )
هزيمة في عقر دارك !!
من عجائب النتائج أن المرشحين الثلاثة المنافسين لنجاد خسروا حتى في مناطقهم وعقر دارهم !! وفي مناطق لم يكن لنجاد أي مهرجان انتخابي فيها بسبب عدم وجود أي شعبية له فيها !! بل وفاز في محافظات معروفة بميلها للتيار الإصلاحي والتصويت له على الدوام فما الذي جرى هنالك يا ترى ؟ و( هل من المعقول أن يخسر المرشح الثالث كروبي في مناطق تدين له بالولاء الصريح بل وفي مسقط رأسه لورستان ،وبفارق يبلغ 56% لصالح أحمدي نجاد ؟ وكيف حدث هذا ،وهو الذي كاد أن يهزم أحمدي نجاد في انتخابات 2005، وانتهى الفارق بينهما إلى 700 ألف صوت فقط ،وصوتت له معظم الولايات الغربية بمعدل 20% ضد خصمه ؛ يهزم اليوم في الولايات ذاتها بمعدل 110% لصالح أحمدي نجاد؟ ) ( صحيفة القدس العربي العدد 6233 بتاريخ 26 جمادي الثانية 1430ه الموافق 19/6/2009م ) وكيف يخسر موسوي في مدينة تبريز مسقط رأسه وفاز فيها أحمدي نجاد ب 57% من الأصوات ( أخبار اليوم 16 رجب 1430ه الموافق 9/7/2009م ) وقد خرجت مظاهرات حاشدة في تبريز بعد الانتخابات منددة بالتزوير ومعلنة أنها صوتت لموسوي فكيف غيرت الأصوات لنجاد ؟!!!!
فوز بلا تهنئة
لأول مرة في تاريخ إيران لا يبارك مراجع وآيات إيران فوز رئيس الجمهورية !! ولأول مرة تحتج شخصيات دينية كبيرة على ما جرى في انتخابات الرئاسة الأخيرة !! فقد تواترت الأخبار ( إن واحدا فقط من آيات الله الكبار وجه رسالة تهنئة إلى أحمدي نجاد ،فيما تعمد باقي آيات الله الكبار تجاهل إرسال برقية تهنئة ) ( صحيفة الشرق الأوسط العدد 11177 بتاريخ 5/7/2009م ) ( وخلافا للانتخابات السابقة ،لم يهنئ عدد من كبار رجال الدين الرئيس محمود أحمدي نجاد على الفوز الذي حققه بحسب النتائج الرسمية في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو وطعنت بها المعارضة التي طالبت بإلغاء نتائجها وإجراء انتخابات جديدة ) لذلك ( انتقدت وكالة أنباء"بورنا" الإيرانية ،التابعة للمنظمة الوطنية للشبيبة ،عددا من كبار رجال الدين لعدم تهنئتهم الرئيس محمود أحمدي نجاد على فوزه بولاية ثانية في انتخابات 12 يونيو التي يطعن بنتائجها المرشحون الخاسرون ) ( صحيفة القدس العربي العدد 6233 بتاريخ 26 جمادي الثانية 1430ه الموافق 19/6/2009م ) والسؤال المطروح هو : لماذا أحجم ولأول مرة كبار رجال الدين الاثنى عشري عن تهنئة نجاد ؟ لا سيما ونجاد من المحافظين ؟ الجواب الوحيد في نظري هو : أن التزوير كان بشكل مفضوح استحال معه تهنئة نجاد خوفاً من خسارة الأتباع والجماهير الذين يدفعون الخُمس !! ومن معه جواب أخر على عدم التهنئة فليسعفنا به وله التحية !!
لا يقبله عقل !!
لم يقف الأمر عند عدم تهنئة أحمدي نجاد بالفوز بل صرح أكبر مرجع ديني في إيران حسين علي منتظري - نائب الخميني السابق - فقال : ( إن نتائج الانتخابات أمر لا يقبله أي عقل صحيح ) ( مجلة الحوادث العدد 2747 بتاريخ 26/6/2009م ) واعتبر حكومة نجاد غير شرعية !!